«سوق الفلّاح» في وجدة المغربية.. مركز السلع المهربة من الجزائر

تباع فيه المواد الغذائية الرخيصة وألبسة النساء والأطفال

مواد غذائية مهربة معروضة للبيع في «سوق الفلّاح» بمدينة وجدة («الشرق الأوسط»)
TT

«سوق الفلّاح» الشهير بمدينة وجدة، عاصمة المغرب الشرقي، لا علاقة له حاليا بالاسم الذي يحمله. إذ لا تباع فيه الخضر، أو الفواكه، أو الحبوب، أو أي مواد لها علاقة بما تنتجه الأراضي الزراعية، كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما تجد فيه اليوم كل ما يخطر ببالك من سلع مهربة مكدّسة في محلات تجارية صغيرة، وبطريقة عشوائية، على مساحة واسعة تعج بالمشترين، سواء بالجملة، أو التقسيط.

وإذا كانت السلع المهرّبة يكاد لا يخلو منها أي سوق أو محل تجاري في المغرب، فإن «سوق الفلّاح» في وجدة، التي لا تبعد سوى 14 كلم عن مركز «زوج بغال» الحدودي، له خصوصية تميزه.. فالسلع والمواد المتوافرة فيه لا تجدها في أي مكان آخر، والمقصود هو سلع «الجارة» الجزائر، التي تجد رواجا كبيرا لدى سكان المدينة، لسبب واحد هو رخص أسعارها، بالمقارنة مع مثيلتها المغربية. ولذا، ينصحك الجميع بزيارته، إذا كنت تبحث عن السلعة الرخيصة، سواء كانت للاستعمال الشخصي، أو للمتاجرة بها.

وتعود تسمية السوق إلى عقد السبعينات من القرن الماضي، عندما كان مخصصا لبيع الآلات الزراعية المهرّبة من الجزائر، والمدعومة أسعارها من الدولة، وكانت هناك أسواق تحمل الاسم نفسه في عدد من المدن الجزائرية. ويسهل التعرّف على السلع الجزائرية في السوق، لأن الأسماء الموضوعة على أغلفة العلب مكتوبة باللغة العربية، وهو ما يميزها عن السلع الإسبانية المهرّبة من مدينة مليلية المحتلة، التي أخذت تنافسها بشدة في هذا السوق.

يقول تاجر يبيع مختلف أصناف المواد الغذائية إن الإقبال على السلع الجزائرية ينحصر في أنواع محدودة منها، هي الأجبان، والشاي، والحليب المجفّف المخصص للرضع، لأنها ـ ببساطة ـ رخيصة الثمن، وتعتبر من المواد الغذائية الأساسية التي يحتاجها الناس للاستهلاك اليومي.

بدورها، برّرت إحدى السيدات، التي اشترت علبة من جبنة «الشيدر» تحمل اسم «سفير»، بأن سعرها الرخيص هو الذي يدفعها إلى شرائها «إذ لا يوجد جبن مغربي الصنع من نفس النوع يباع بسعر15 درهما. وأنا أم لأطفال، وإمكانياتي المادية المحدودة لا تسمح لي بشراء جبن بسعر أكثر من هذا»، كما تقول.

وعند سؤالها إنْ كانت متأكدة من جودتها، ومن تاريخ الصلاحية المكتوب على العلبة، ردت أنها زبونة قديمة لهذا المحل، ولديها ثقة كبيرة في التاجر. أما التاجر، فبدا متحفظا في الكلام معي عندما بدأت أوجّه إليه أسئلة حول طريقة الحصول على السلع الجزائرية، بالرغم من أنني لم أكشف هويتي الصحافية، واشتريت منه علبة من جبنة «سفير» لكسب ثقته. وقد تخلّصت منها في ما بعد، لأنها من النوع الرديء، ناهيك عن أنها مهرّبة وغير محفوظة في مكان ملائم، بل معروضة تحت أشعة الشمس طوال النهار بجوار مساحيق الغسيل ومبيدات الحشرات!. وبجانب المواد الغذائية المصنعة، يوجد في السوق عدد كبير من المحلات التجارية المتخصصة في بيع ملابس الأطفال والألبسة النسائية بكميات وافرة. وهي تلقى، بدورها، رواجا كبيرا، لا سيما الفساتين الطويلة (الجلابية) المصنوعة من قماش بسيط مزركش التي ترتديها النساء في البيوت. إحدى البائعات أكدت أنها تصل مهرّبة من الجزائر، لكنها لم تصنع هناك، بل مصدرها الصين. وهي تباع بـ60 درهما (الدولار يساوي 8.4 درهم) للقطعة الواحدة، أما بالجملة، فالسعر ينقص إلى 40 درهما. لذلك، نصحتني البائعة بكل تلقائية أن أشتري كمية منها، لأعيد بيعها في العاصمة الرباط. وعندما ضحكت من الفكرة، أكدت أنني سأحقق ربحا لا بأس به، فـ«ناس الغرب»- تقصد سكان الرباط، والدار البيضاء، وفاس - يعدون «من أهم زبائن هذا السوق، فهم يأتون إلى وجدة في العطلات للتسوق، بسبب الأسعار الرخيصة. وعلى حد قولها «النساء أشطر من الرجال في بيع الألبسة النسائية».

من ناحية ثانية، بسبب تشديد المراقبة على الحدود من الجانبين المغربي والجزائري، لم تعد السلع الجزائرية بنفس الكمية التي كانت عليها في السابق، وحلت محلها السلع الإسبانية التي تبقى أكثر جودة، غير أن عملية التهريب لم تتوقف كليا، بل تجري ليلا، وأحيانا بشكل تلقائي بين سكان القرى المجاورة للحدود من الجانبين المغربي والجزائري، حيث تتم عملية تبادل السلع.. فمقابل المواد الجزائرية المذكورة، تهرّب سلع مغربية من أنواع أخرى، على رأسها الخضر والفواكه الطرية، مثل الفلفل، والطماطم، والبطاطس، والزيتون، والبرتقال، فضلا عن الفواكه المجففة، والأحذية الرياضية، والمشروبات الغازية، وتوابل السمك.

قبل سنوات قليلة، كان السوق يعرض بضاعة لا تتوقع أن تجدها إلا في مكانها الطبيعي، وهو الصيدليات. ويتعلق الأمر بالأدوية بشتى أصنافها، حيث كانت تباع جنبا إلى جنب مع المواد الغذائية ومساحيق التنظيف، للسبب نفسه أيضا، أي رخص سعرها. فأسعار الأدوية في المغرب باهظة. ولذا، لقيت هذه التجارة إقبالا كبيرا، لكن تشديد المراقبة جعلها تختفي من السوق ظاهريا، ولم تعد معروضة في المتاجر.. وكأنها علب من الشوكولاته.. لا تحتاج إلى وصفة طبيب لتناولها.

مع هذا، ابتكر مهرّبو الأدوية طريقة أخرى لتسريب بضاعتهم لمحتاجيها، وبأسعار رخيصة، إذ تحولوا إلى صيدليات متنقلة داخل السوق يبحثون عن الزبائن المرضى الذين يمدّونهم، بحذر، بوصفة الطبيب، فيختفون للحظات، ليعودوا إليهم بكيس بلاستيكي مملوء بعلب الدواء المطلوب، الذي يقبضون ثمنه وينصرفون!. بقي القول، إن «سوق الفلّاح» يستمد شهرته من مساحته الواسعة، وموقعه الاستراتيجي في وسط وجدة، لكن توجد أسواق شعبية أخرى تنافسه، لتوفرها على نفس البضاعة المهربة، من مواد غذائية، وأجهزة الكترونية، وأحذية، وألبسة، وأغطية، وتجهيزات منزلية، وهي أسواق تحمل أسماء مدن لها صيتها كمصدر للمواد المهربة، لجذب الناس إليها، أبرزها سوق مليلية، وسوق طنجة.