على الرغم من أن الساعة لم تكن قد تجاوزت الخامسة فجرا، فإن الشارع الذي يخترق الحقول الواقعة بين مخيمي المغازي والبريج للاجئين الفلسطينيين وسط قطاع غزة كان يعج بالرجال والنساء والشباب والفتيان الذين يحثون الخُطى في الاتجاهين في عادة غدت يومية لكثير من أهل غزة. فمنذ انهيار التهدئة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل وحتى بعد الحرب الأخيرة على القطاع لم يشهد هذا الشارع الزراعي حركة نشطة، إذ إن الحقول التي تنتصب على جانبيه تعرضت للقصف بالطائرات وبالمدفعية قبل الحرب وخلالها، حيث إن الجيش الإسرائيلي ظل يدعي أن مجموعات من المقاومين كانت تطلق القذائف محلية الصنع من هذه الحقول على المستوطنات اليهودية التي تقع للشرق من الخط الحدودي الذي يبعد نحو كيلومتر من هذا الشارع. اللافت للنظر بالنسبة لكل من يسلك هذا الشارع هو عدد النساء الكبير نسبيا اللاتي يعكفن على رياضة المشي السريع، وهن يرتدين الجلابيب. وإن كان بعض هؤلاء النساء يحرصن على هذه الرياضة كجزء من وصفات طبية بوصفهن مريضات سكري أو ضغط، فإن منهن من يقبلن على ذلك بدافع تخفيف الوزن. عطاف، 45 عاما، من مخيم المغازي، إحدى هؤلاء النسوة اللاتي يعكفن على هذه الرياضة، قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها التحقت بمركز للرشاقة في مخيم البريج يتم تمويله من قبل إحدى الدول المانحة، وإنها تمارس رياضة المشي السريع كجزء تكميلي من البرنامج الذي تتبعه لتخفيف الوزن. ويمكن ملاحظة رجال متقدمين في السن يعكفون على هذه الرياضة وكذلك أطفال يعانون من وزن زائد برفقة ذويهم.
في الوقت نفسه، فإن هناك الشباب الذين يمارس عدد كبير منه رياضة الجري، ويقطع الواحد منهم مسافات كبيرة كل صباح، بعضهم يجرون في جماعات وبعضهم فرادى. واللافت أن عددا كبيرا منهم يجرون وهم يثبون سماعات هواتفهم الجوالة على آذانهم لسماع القرآن أثناء الجري.
بالإضافة إلى ذلك، فإن كثيرا من الفلسطينيين يتجهون فجرا لشاطئ البحر، سيما أولئك الذين يودون التدرب على السباحة، حيث تكون الأمواج منخفضة في ذلك الوقت. محمد المساعد، 27 عاما، يصطحب صباحا عددا من أبناء أشقائه ويتجه بهم إلى شاطئ «دير البلح»، وسط القطاع، حيث يقوم بتدريبهم على السباحة. ويقول محمد لـ«الشرق الأوسط إنه لم يكن ليجرؤ على النزول إلى البحر في ذلك الوقت قبل فترة بسبب التواجد الكثيف لسفن خفر السواحل التابعة للجيش الإسرائيلي التي كانت لا تتردد في إطلاق النار على كل من يقترب من الشاطئ في ذلك الوقت، خوفا من أن يكون من الذين يقومون بعمليات تهريب السلاح عبر البحر. صحيح أنه حتى هذه اللحظة يقوم سلاح البحرية الإسرائيلي باستهداف الصيادين، لكن يتم استهدافهم في عمق البحر وليس على الشاطئ كما كان يحدث في الماضي.
وإن كان الفلسطينيون يمارسون رياضة المشي في المناطق الريفية وعلى شواطئ البحر في ساعة متقدمة من الفجر، فإن هذا لا يعني أنهم يقتربون من مناطق التماس التي تتاخم بشكل مباشر الخط الحدودي الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل، فهذه المناطق لا يقترب منها أحد منذ أن انتهت الحرب، حيث إن الجيش الإسرائيلي لا يتردد في إطلاق النار على كل من يوجد هناك.
قصارى القول إن ممارسة أهل غزة لرياضة المشي السريع في المناطق الريفية وفي المناطق التي لم يكونوا يجرؤون على الوجود فيها في الماضي مؤشر على التهدئة غير المعلنة السائدة في قطاع غزة.