موسيقيون فلسطينيون يحولون سجنا إلى معسكر لتعليم الأطفال

رئيس جمعية «الكمنجاتي»: حوّلنا المكان من شيء بشع إلى شيء جميل

استضافت مؤسسة «الكمنجاتي» 40 أستاذ موسيقى من فلسطين وفرنسا ولندن وإيطاليا والولايات المتحدة، للسنة الثالثة على التوالي من أجل تعليم الأطفال الموسيقى في عطلة الصيف («الشرق الاوسط»)
TT

أراد رمزي أبو رضوان، 30 عاما، أن يحول المكان من شيء بشع إلى شيء جميل، وهو ما زال يتذكر كيف كان وهو طفل يزور والده المعتقل في سجن الفارعة الشهير، القريب من نابلس. واليوم حول أبو رضوان السجن إلى معسكر لتعليم الموسيقى، وأخذ يستقبل الأطفال من كل مكان في الضفة الغربية. وقال أبو رضوان الذي يرأس جمعية «الكمنجاتي» الموسيقية: «أتذكر المكان كسجن فقط، فعدت إليه من أجل أن أصنع فيه موسيقى».

ويشعر أبو رضوان أنه انتصر على الظلم وهو يعزف الموسيقى في سجن طالما شهد على معاناة أبيه وآخرين. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حولنا المكان من وحشي إلى جميل، وأثبتنا أن الاحتلال هو الذي يشوه الأمكنة». وأضاف: «المكان الآن مليء بالموسيقى وليس بالتعذيب».

وأنشئ سجن الفارعة في عام 1936، واستخدمه البريطانيون والأردنيون والإسرائيليون، وعندما أنشئت السلطة الفلسطينية طلب شبان كانوا معتقلين فيه بتحوليه إلى مركز ثقافي للشباب. وقال مروان وشاحي، مدير المركز الذي سمي باسم صلاح خلف، أحد أبرز قادة منظمة التحرير، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن اخترنا هذا المكان وقمنا بتحويله إلى مركز ثقافي يحمل رمزا وطنيا وتربويا. هذا السجن أدارته دول مختلفة، وكان شاهدا على التنكيل بشعبنا، والآن أصبح رمزا للتخلص من الاحتلال».

وسجن مروان في نفس المكان، ويفاخر بأنهم حولوا وظيفة «السجن» الذي طالما «شهد على معاناة الشبان» إلى مركز يعمل على إعدادهم للمشاركة بطريقة أكثر إيجابية في خدمة مجتمعهم.

ومنذ الساعة السابعة صباحا وحتى الثانية عشرة ليلا، كل يوم، لم تتوقف الموسيقى في السجن السابق، واستضافت مؤسسة «الكمنجاتي» 40 أستاذ موسيقى من فلسطين وفرنسا ولندن وإيطاليا والولايات المتحدة، للسنة الثالثة على التوالي، من أجل تعليم الأطفال الموسيقى في عطلة الصيف.

ولا يقتصر المخيم على ذلك، بل يشمل أيضا تبادل الخبرات بين موسيقيين فلسطينيين وضيوفهم الأجانب. وجاء ايتان كاردوزي عضو أوركسترا باريس إلى المخيم خلال العامين الماضيين، وقال إنه يتعلم موسيقى شرقية وهذا يجعله أكثر ثراء، إذ يرى أن الموسيقى الشرقية تحتاج أن تضبط إحساسك أكثر وتستمع أكثر. وأبدى كاردوزي دهشته من تقدم الأطفال بهذه السرعة.

وقال إياد ستيتي، مدير المعسكر الموسيقي، لـ«الشرق الأوسط»: «هؤلاء أطفالنا، ومنذ 3 سنين نعلمهم الموسيقى. الإقبال على الموسيقى تزايد في السنوات الأخيرة، والتجربة كانت ناجحة». ويرى أبو رضوان أن الموسيقى تمثل أحد أشكال المقاومة، وقال: «أنا كنت أَضرب بالحجارة وأنا صغير، واليوم أقاوم بالموسيقى»، وأضاف: «يمكن لكل واحد منا أن يقاوم بما يستطيع. أنا مع كل أشكال المقاومة وأن يشترك الجميع فيها، حتى المثقف والموسيقي والكاتب».

ويسافر أبو رضوان، بين فترة وأخرى، يؤدي مقطوعات موسيقية خاصة على مسارح عالمية، وقال: «أنا على كل المسارح العالمية أوصلت رسالة شعبي بالموسيقى.. مقطوعاتي الموسيقية تتحدث عن حياتي كفلسطيني لاجئ». ويأمل أبو رضوان أن يستطيع الأطفال الذين يعلمهم أن يسافروا مثله يحملون رسائل شعبهم عبر الموسيقى.

ومن بين المقطوعات الأخيرة التي عزفها أبو رضوان «رحيل»، التي ترمز إلى رحيل اللاجئين الفلسطينيين عن ديارهم، و«بحر»، ويعبر فيها عن حرمان الفلسطينيين من مشاهدة البحر، و«تحرير».

ويعزف أبو رضوان كذلك مقطوعات شهيرة لـ«موتزارت» و«بيتهوفن»، وقال: «وجودي وأنا أعزف (بيتهوفن) على مسارح عالمية، أوصل رسالتنا أيضا إلى العالم». وأوضح: «بعدها يسألني الناس من أين أنا، فأقول لهم من مخيم الأمعري للاجئين في رام الله في فلسطين».

وأسس أبو رضوان «الكمنجاتي» عام 2005، وتعنى المؤسسة بتعليم الموسيقي للأطفال، وتبدأ معهم من سن 5 سنوات وحتى 18 عاما. وبدأت «الكمنجاتي» عملها في رام الله، وافتتحت فروعا أخرى في مخيمات فلسطينية، مثل الأمعري والجلزون، ومخيمات في لنبان مثل شاتيلا والرشيدية وبرج البراجنة. وتضم فروع المركز اليوم 450 طالبا وطالبة، إضافة إلى عشرات المدرسين.

ويتلقى هؤلاء الأطفال «الفقراء» دروسا مجانية، وأبو رضوان نفسه لم يستطع الالتحاق بدروس الموسيقى مبكرا، وقال إنها كانت مكلفة.

وبدا أبو رضوان راضيا عن تعليمه الأطفال الفلسطينيين الموسيقى دون ثمن، وقال: «هؤلاء يسعون إلى هدف الآن، والموسيقى تساعدهم على حياة أهدأ في ظل ظروف متوترة دائما».

ودرس أبو رضوان الموسيقى في فرنسا لمدة 8 أعوام، بعدما حصل على منحة في عام 1998، عبر القنصلية الفرنسية.

والشهر الماضي أقامت المؤسسة مهرجان «أيام الموسيقى» في الأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان، لمدة أسبوعين، واستضافت من أجل ذلك 240 موسيقيا من كل أنحاء العالم. ويخجل أبو رضوان لأن أغلبية الدعم المالي، الذي تتلقاه مؤسسته، يأتي من دول أجنبية، بينما الدعم العربي غير كافٍ ولا يتكرر.