زينب سائقة «العمومي» الأولى في سورية.. تقود اليوم شاحنة

كانت تحلم بامتلاك حافلة كبيرة لنقل الركاب

زينب أومري.. من قيادة السرفيس إلى قيادة شاحنة بضائع («الشرق الاوسط»)
TT

قبل حوالي 16 سنة، تحديدا عام 1993، مع انطلاق خدمة «السرفيس» أو «الميني باص» (الحافلات الخفيفة) في منظومة النقل الداخلي بالعاصمة السورية دمشق لفتت انتباه كثيرين حالة استثنائية ونادرة في عالم النقل.. وهي وجود امرأة تقود «سرفيس» تعمل على خط نقل داخلي يربط ضاحية السيدة زينب (نحو 10 كلم جنوب دمشق) ووسط المدينة حتى سوق الحميدية.

وما أثار الانتباه أكثر أن المرأة السائقة تحمل رخصة «قيادة سيارات عمومية»، مثلها مثل باقي سائقي حافلات النقل الداخلي والشاحنات الكبيرة. وهذه حالة نادرة جدا، وقد تكون وحيدة بين النساء السوريات اللواتي يمتلك الكثير منهن حاليا رخص «قيادة سيارات خصوصية». وهن يقدن سياراتهن بصورة عادية، حتى ليلحظ زائر دمشق أن بين كل ثلاث سيارات خاصة، هناك واحدة تقودها امرأة. بل إن كثيرين من أصحاب مدارس تعليم قيادة السيارات في دمشق والمدن الأخرى يؤكدون أن في كل دورة يقيمونها شهريا نصف طلابها من النساء! مع هذا، تبقى زينب أومري حالة استثنائية بين نساء سورية.

إنها «الحالة النادرة»، والسيدة التي تحمل رخصة قيادة أو سوق «عمومية»، كانت قد حصلت عليها منذ أكثر من ربع قرن عندما كانت المهنة محصورة فقط بالرجال. وظلت زينب طوال 15 سنة تقود «سرفيس» النقل الداخلي في دمشق ناقلة كل يوم مئات الركاب بجانبها وفي المقاعد الخلفية، إذ تتسع «السرفيس» لأكثر من 12 راكبا، دون أن تتعرض لأي مضايقات من أحد. بل، كما تقول زينب لـ«الشرق الأوسط»: «الكل كان يعاملني باحترام. فالركاب كانوا يعتبرونني ظاهرة نادرة، وكانوا لطفاء جدا معي. وفي المقابل كنت أسامح البعض منهم بالأجرة في حال لم يكن حاملا الكمية الكافية من المال. كذلك كنت مدللة عند زملائي السائقين على الخط حيث كنت أعمل، وكانوا يؤثرونني على أنفسهم، ويدعمونني بالركاب وبالعمل الجيد. وكذلك أفراد شرطة السير والمرور كانوا متفهمين لعملي بشكل جيد، وكانوا يتعاملون معي باحترام، خاصة، أنني، ومن قناعاتي الذاتية لم أتعرض لأي مخالفة سير.. بل حرصت على التقيّد بشكل كامل بقانون السير. ولذا طيلة قيادتي «السرفيس» لم تسجل بحقي أي مخالفة أو أتعرض لأي حادث مطلقا والحمد لله.. وسجلي المروري نظيف من المخالفات على مدى ربع القرن». وتتابع زينب «كذلك حظيت باحترام صاحب الشركة التي تمتلك «السرفيس» الذي أمنني على إحدى مركباتها لأعمل عليها في النقل الداخلي. وبمرور الوقت صار يثق بي أكثر ويرسلني في طلبات نقل خارج دمشق مع ركاب أو مجموعات سياحية تريد السفر برحلة إلى الساحل السوري، أو حتى إلى بيروت، فكنت أنقلهم وأبقى معهم، وكانوا مرتاحين لقيادتي المركبة، مع أن البعض، بعد انتهاء الرحلة بالوصول سالمين إلى دمشق، كان يقول لي بصراحة كنا خائفين منك.. فهل يعقل أن تقود امرأة وسيلة نقل عامة كبيرة ومعها عشرات الركاب على الأوتوسترادات والطرق العامة وبين مئات السيارات الكبيرة والصغيرة؟!.. ولكن خوفنا تبدّد بعدما لاحظنا قيادتك الهادئة والسلسة!». وتستطرد «..وكانوا يتحدثون عني لجيرانهم وأصدقائهم، ولذلك كان الكثير من العائلات وطلبة المدارس يتعاقدون معي لنقلهم إلى المطاعم والسيران أو إلى المدارس في فصل الشتاء، ويقولون لي نثق بك كثيرا ونشعر بالأمان معك خاصة أنك سائقة امرأة!»..

زينب أومري ابنة وحيدة لعائلتها، ليس لديها شقيق أو شقيقة، ولم تتزوج رغم عمرها حاليا 55 سنة بسبب عشقها لقيادة السيارات الكبيرة وتفضيلها قيادتها والتجول مع «سرفيسها» وحافلتها الكبيرة على أن يكون لها زوج وعائلة. وكانت ـ كما تقول ـ تتعرض كل يوم لتأنيب من والدتها على هوايتها «الغريبة»، فتقول لها إن على الفتاة الاهتمام بنفسها لتجد عريس المستقبل وأن تتزوج ليكون لديها أسرة وأطفال. ولكن زينب لم تهتم لذلك البتة بسبب عشقها اللامحدود لقيادة السيارات. ولذا قررت قبل سنتين أن تمتلك حافلة بمفردها، وأن تترك العمل لدى صاحب الشركة رغم علاقة العمل الجيدة معه.

وتشرح زينب قائلة: «.. لقد كان طموحي أن أمتلك لوحدي في يوم من الأيام حافلة (أوتوبيس) أعمل بها على نقل مجموعات سياحية ومجموعات رحلات داخلية، وألبي طلبات نقل جماعي بين المدن السورية أو بين دمشق وبيروت والأردن». مضيفة «هناك خطوط محببة إلى قلبي وأرتاح لها في النقل الداخلي (خط الدوار الشمالي وخط السيدة زينب الحميدية) وفي النقل الخارجي (خط دمشق ـ بيروت وخط دمشق ـ عمّان)، ولكن ضيق ذات اليد وقلة المال اللازم لشراء حافلة تتسع لحوالي 25 راكبا، مع محاولات مني لبيع منزل صغير أمتلكه في إحدى قرى غوطة دمشق باءت بالفشل، فقرّرت قبل شهرين شراء سيارة شاحنة متوسطة لنقل البضائع أعمل عليها حاليا في دمشق، وألبي طلبات الزبائن بنقل ما يشترونه من بضائع في أسواق الجملة والهال وغيرها إلى محلاتهم أو منازلهم».

وبلهجة وتعابير العاملين في الأسواق الكبيرة تخاطب زينب الزبائن، «فللضرورة أحكام» ـ كما تقول ـ ولذلك عندما طلبنا منها الرد على أسئلتنا أجابت من دون تردد: «أمور معلم.. وحاضر معلم وبتأمر يا بيك !..». وتقول زينب «حاليا أنا موجودة بشكل دائم في سوق الحريقة حيث ألبي طلبات تجّار السوق والذين يتخصصون بتجارة الجملة للملبوسات القطنية والجرابات». أما الأطرف في موضوع زينب، فإن هواياتها لا تقتصر على قيادة المركبات العامة والكبيرة التي تحولت لديها إلى مهنة وحرفة، بل لديها هوايات أخرى ذات صلة.. منها قيادة الطائرات الشراعية من دون محرك. وكانت ـ كما تقول ـ تدرب قبل بضع سنوات الراغبات من النساء بقيادة هذه الطائرات في نادي الديماس، غرب دمشق، قبل إغلاق النادي. وتتذكر زينب كيف كانت ردة فعل والدتها عندما علمت أن ابنتها الوحيــدة تقود طائرة شراعية فذهبت للجيران تقول لهم: «زينب بتسوق سرفيس وطيارة كمان.. هذه البنت ستقودني إلى الجنون ؟!..».