اللبنانية باتي نصر تؤرشف رسوم الأطفال بلوحات عفوية

ابنتها الصغيرة ساعدتها في اكتشاف موهبتها

TT

حين دعت إيمانويل ابنة الأعوام الأربعة والدتها إلى غرفة نومها لتريها «المعرض» الذي حضّرته، بعدما لصقت مجموعة من الأوراق المربعة والملونة على الجدار وزينت كل قطعة بصورة مختلفة، لم تكن تدري أنها بـ«هديتها» هذه، ستوقظ في نفس والدتها باتي نصر، موهبة فريدة وتنفض عنها غبار الوقت والهموم اليومية التي طمرتها. في تلك اللحظة أُعجبت باتي بـ«معرض» ابنتها وراحت تفكر في طريقة تتمكن من خلالها بالاحتفاظ بـ«إبداعات» الصغيرة التي تنضح بعفوية الطفولة وبهجتها، على قاعدة صلبة. فكان الحل أرشفة هذه الرسوم بلوحات عبر إعادة رسمها، شرط الحفاظ على نفحة الطفل في الرسوم التي غالبا ما تأتي متفلتة من «منظومة» المنطق ومقاساته ونسبياته. وها هي باتي بعد ثلاث سنوات من العمل الجاد تعرض لوحاتها في «مهرجان الربيع» حيث لفتت أنظار الزوار الذين راحوا يسألون عن هوية صاحبة اللوحات «الطفولية»، ليفاجأوا أنها مجرد أم، لا علاقة لها بالفن التشكيلي ولا تجيد «أسرار» التقنيات التي يحترفها الفنانون، لأنها ببساطة ترسم بحرص من يريد المحافظة على «جواهر العائلة». رغم أنها غير متخصصة في الفن، فهي درست الأدب الفرنسي كما تخصصت في مجال الإعلانات. ولم تسمح لها الفرصة بالعمل، إذ بعد الخضوع لفترات من التدريب، فضلت التفرغ لعائلتها والاعتناء بها.

وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، تقول باتي: «لطالما أحببت رسوم الأطفال لأنها غير مقيدة. وأعتقد أن ابنتي هي من ساعدتني وحضتني على اكتشاف موهبتي». هذه الموهبة، اتضحت ملامحها مع بدء تدفق الطلب على أعمال باتي. فالمعرض شكل نقلة نوعية لها، إذ بدأ الناس يتهافتون لشراء لوحاتها المنمنمة والمربعة (خمسة سنتيمترات) أو الجدارية (تصل إلى مترين) أو الطلب منها «أرشفة» لوحات أبنائهم وبناتهم. لذلك، وضعت دفترا في المعرض حيث راح الأطفال يفرغون مخيلاتهم على أوراقه البيضاء، لتشكل باتي لنفسها قاعدة متسعة تنطلق منها لإنجاز أعمال جديدة وأحيانا تقص عليهم أخبارا ليرسموا من وحيها. واللافت أن هذه الأعمال، التي لا تخلو من الطرافة، لا تزين فقط جدران غرف النوم «لأن كثيرين اشتروها لتزيين صالوناتهم وغرف الجلوس».

وتوضح: «الطريف في الموضوع أنه غالبا ما أعيد رسم الخطوط بعدما أكون قد اعتنيت بخطها بشكل مستو ودقيق، وذلك لأنني أحرص على الاحتفاظ بالروح الطفولية الموجودة في الرسوم. لذلك لا أحاول ترتيب الخطوط أو جعلها أكثر استواء وإلا أكون بذلك قد ابتعدت عن الفكرة الأساسية، وهي أرشفة رسوم الأطفال. كما أني لا أحاول تعديل المقاسات لجعلها أقرب إلى الواقع أو المنطق. كل ما أفعله، إعادة رسم ما يخطه الأطفال بمخيلاتهم الخصبة والمزدحمة بأفكار لا تخطر في بال الراشدين، مع تعديل في الأحجام إذا شعرت بأن تكبير اللوحة سيجعلها أكثر جمالا، إنما لا أسمح للمنطق بأن يتسرب إليها. فما يلفتني في الأولاد، العفوية والبراءة اللتان تسمحان لهم برسم أشياء تثير الغرابة وتضحكنا نحن الراشدين. ففي إحدى المرات، رسمت ابنتي دراجة وخلفها فتاة تطير. وفي صورة أخرى، سيارة مركونة في موقف ووضعت فيها شخصين يطيران باتجاهين مختلفين. وفي منطق الأطفال، يمكننا أن نشاهد الأنف يعلو العينين أو الرأس. كل هذه الأشياء لا أعدلها». لكن «الحياد» الذي تلتزمه باتي ليس مطلقا، لأنها تتدخل في مرحلة التلوين حيث تستعمل الاكريليك وتتقن توزيعه على كامل اللوحة وفي طبقات عدة «حتى لا أترك مجالا للفراغ اللوني كالذي نجده في رسوم الأطفال». أما بالنسبة إلى اختيار الألوان فتسلك طريقين: إما التزام الألوان التي استخدمها الطفل وإما أن تستلهم منها. لكنها في مطلق الأحوال لا تشعر، لدى انتهاء اللوحة، بأنها «نتاج عملي الخاص رغم أنني أوقعها. كما أن التزام الألوان الصاخبة والحية لا يعكس شخصيتي لأنه استخدام متعمد». ورغم أنها أنجزت 60 لوحة، تؤكد: «لا أخطط ولا أفكر أبدا في التوصل يوما ما إلى الرسم بشكل مستقل عن الأطفال، رغم أنني اكتسبت شيئا من منطقهم، لأنني لا أريد الابتعاد عن الإبداع الطفولي وإلا تفقد اللوحات نكهتها البريئة».