اللبناني نزيه غضبان: العود والبزق شقيقان يختلفان في كل شيء

أول من جمع بين الفلسفة والعزف والحرفة

في المقارنة بين العود والبزق يقول غضبان: الحجمان مختلفان. أطوال الوتر المهتز مختلفة. ويمكن أن يكون البزق
TT

اللبناني نزيه غضبان، ابن بلدة رأس بعلبك في أقصى البقاع الشمالي، جمع بين تعليم الفلسفة والعزف الموسيقي وتصنيع البزق والعود يدويا. وعندما يسأل عن علاقة الفلسفة بالموسيقى يجيب على الفور أن معظم فلاسفة العرب كانوا موسيقيين، من الفارابي الذي أعد «كتاب الموسيقى الكبير»، والكندي فيلسوف العرب الذي وضع أول نوتة موسيقية بالأحرف الأبجدية، و«إخوان الصفا» الذين نشروا الرسالة الخامسة في الموسيقى، وغيرهم.

ويقول غضبان لـ«الشرق الأوسط»: «بحكم دراستي وتدريسي تاريخ العلوم عند العرب، ومنها علم الموسيقى، واطلاعي على التراث العربي، تبين لي أن العرب تركوا 45 كتابا عن الآلات الموسيقية، منها ما طبع، ومنها ما زال مخطوطات في المكتبات العربية والعالمية، منها كتاب (حاوي الفنون وسلوة المحزون) لابن الطحان، و(الرسالة الخامسة) لإخوان الصفا التي تتحدث عن الآلات الموسيقية وكثير غيرهما ممن تحدثت عن الآلات الوترية عموما والعود خصوصا».

يضيف: «حاولت أن أغْني دراستي وتدريس الفلسفة بالعزف، فدخلت المعهد الموسيقي، وانكببت على العود، لكن ذلك دفعني إلى استكمال المغامرة، فرحت أنكب على مراجعة الكتب التي تتحدث عن صناعة الآلات الموسيقية بما فيها صناعة الغيتار والكمان، وهو ما خولني أن أنصرف إلى تصنيع العود والبزق كهواية في بادئ الأمر، وعندما اكتسبت ما يكفي من الخبرة والمعرفة قررت الجمع بين تدريس الفلسفة والموسيقى، والعزف، وتصنيع العود والبزق».

أما كيف بدأ غضبان هذه الحرفة، فيقول: «عندما تملكت العزف وتمليت من تاريخ الموسيقى لحنا وتصنيعا انصرفت إلى تصنيع العود والبزق يدويا لما بينهما من شراكة وتمايز. بدأت القصة في البداية كهواية، فجئت بالعدة اللازمة، عدة النجارة، وأدوات صنعتها بنفسي مثل السكاكين المتنوعة، والملزمات والمكابس مختلفة الأحجام والأشكال، وأدوات لي الخشب غير المتوافرة في السوق، بالإضافة إلى بعض الآلات الكهربائية كالمثاقب والمناشير. ومع اكتمال العدة قررت خوض هذا الغمار حتى النهاية».

ويستورد الخشب اللازم للحرفة الفنية من أوروبا وكندا وأميركا والشرق الأقصى وأفريقيا. «وهناك أنواع من الأشجار تنبت على ضفاف نهر العاصي ما زال بعضها موجودا ونستعين به بعد أن نخزنه لمدة تزيد على خمس سنوات كي لا تتعرض الآلة المصنعة منه لتغيرات»، على حد قول غضبان، الذي يضيف: «ما نستورده وما نصنع به العود والبزق هو خشب الورد، والأبانوس، والسبروس، والماهوغاني، فضلا عن خشب الجوز والأرز، وقد تستغرب إذا قلت لك إننا نستخدم خشب المشمش والتوت في تصنيع البزق، لأنه ذو تردد عال ومثل هذا الخشب متوافر عندنا». وبالمقارنة بين العود والبزق يقول غضبان: «الحجمان مختلفان. أطوال الوتر المهتز مختلفة. ويمكن أن يكون البزق بثلاثة أو أربعة أوتار بحسب طلب العازف. طريقة العزف مختلفة، والصوت مختلف. فللعود شكلان رئيسيان؛ التقليدي، ويمتاز بالفرس الثابت (مربط الأوتار)، والحديث («بشير ستايل» نسبة للموسيقار العراقي منير بشير) ذو الفرس المتحرك. وفي حوزة المطرب الكبير وديع الصافي خمسة أعواد من صنع يدي.

وواحد لمارسيل خليفة منذ عام 1982، وكذلك إيلي شويري وغيرهم من الفنانين، بالإضافة إلى كثير من أساتذة المعهد الموسيقي. أما البزق فهو عبارة عن طاسة صغيرة مع زند طويل ورفيع، وله وتران مزدوجان أو ثلاثة أو أربعة. مفاتيحه آلية مصنوعة إما من المعدن أو الخشب، وفيه دساتين (أربطة) على الزند تحدد العلامات الموسيقية الشرقية أو العربية، وقد اشتهر البدو بالعزف على هذه الآلة لأن ألحانها مفعمة بالحنين ومن أشهر عازفيها السوري محمد عبد الكريم، واللبناني المجنس مطر محمد، ونجله من بعده. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الفنان الكبير عاصي الرحباني كان يلحن أغانيه على البزق، ومنذ فترة قصيرة أرسلت إليّ السيدة فيروز آلتي بزق خاصتين بالمرحوم عاصي لأصلحهما لأنهما غاليان على قلب الفنانة الكبيرة.

وإلى جانب العرب، مارس اليونانيون العزف على آلة شبيهة أطلقوا عليها اسم «بوزوقي» ولكنها تعزف الألحان الغربية.. والأتراك لديهم آلة مشابهة اسمها «الساز» ذات الزند بالغ الطول، الذي اشتهر بالعزف عليها جميل بك الطنبوري. وإذا عدنا إلى التاريخ القديم نجد أن السومريين أول من استعملوا «آلة شبيهة بالعود»، أي البزق، شاعت عند الكنعانيين الذين سموها القيثارة التي أخذها اليونانيون عن السوريين. وإذا كان «كتاب الموسيقى السورية» للحداد يعتبر أن الطنبور هو نفسه البزق، فإن البعض الآخر يعتبر أن الآلتين تختلفان تماما، وإن تشابهتا صوتا وشكلا. ويذهب فريق ثالث إلى القول إن البزق هو طنبور مطور وذو صندوق أصغر».

وفيما يشير غضبان إلى أن أكثر مشتري البزق هم من الفلسطينيين، بالإضافة إلى معهد «الكمنجاتي» في فرنسا وفلسطين لتدريب الأطفال عليها، يكشف عن إنشائه موقعا إلكترونيا www.oudnazihgadhan.com لتبادل المعلومات حول كل ما يتعلق بالعود والبزق، «ولطالما تلقيت رسائل من جامعات أميركية وعربية وغيرها»، كما يقول، ويضيف أنه يتلقى كثيرا من الدعوات لإلقاء المحاضرات عن صناعة الموسيقى والآلات، منها مشاركته في «الملتقى الدولي لصانعي الآلات الموسيقية في العالم» الذي أقيم في الجزائر في 14 و15 يونيو (حزيران) الماضي، حيث ألقى محاضرة حول صناعة آلة العود. وفي 26 من الشهر نفسه ألقى محاضرة في جامعة الكسليك حول صناعة العود بين الماضي والحاضر في إطار مسابقة العود الدولية التي نظمتها الجامعة مع معهد الموسيقى العربي. وتلقى دعوة من وزارة الثقافة السورية للمشاركة في مسابقة الأطفال حول آلتي العود والبزق بين 5 و8 أغسطس (آب) المقبل. يبقى أن نشير إلى أن نزيه نشأ في بيت طغت عليه الموسيقى حيث كان والده مولعا بالعزف، وكذلك شقيقه.