اللجاه.. أول محمية بيئية سورية تدخل «قائمة اليونيسكو العالمية»

سكانها الوحيدون الذين يستخلصون منذ مئات السنين زيت البطم النادر

امرأة ريفية في محمية اللجاه تصنع بعض المشغولات اليدوية من القش («الشرق الاوسط»)
TT

جرى خلال الاجتماع الأخير للجنة الدولية لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو»، الذي انعقد مؤخرا في العاصمة الكورية الجنوبية سيول وضع محمية «اللجاه» السورية ضمن «قائمة اليونيسكو العالمية للمحميات الطبيعية». وجاء في بيان المنظمة أن «محمية اللجاه الواقعة في جنوبي سورية تتميز بالمناظر الطبيعية الأكثر جمالا في المنطقة، وتتيح فرصا هامة لتطوير نشاطات إنسانية وبيئية مستدامة من خلال ترميم أوضاعها الطبيعية والأثرية». كما أورد البيان أن المحمية «تتيح فرصا تربوية لشرح أهمية الحيوانات والنباتات في الحياة والاقتصاد المحليين، بالإضافة إلى الاعتماد المتبادل بين التنوع الثقافي والبيولوجي».

وحول ما تتضمنه محمية «اللجاه»، وهي المحمية البيئية الأولى في سورية التي تدخل «قائمة اليونيسكو للمحميات الطبيعية»، من كنوز طبيعية وبيئية، وحول أهميتها الاجتماعية والتراثية والتاريخية، قال الدكتور أكرم درويش مدير المحميات والتنوع الحيوي في وزارة الدولة لشؤون البيئة في سورية: «تتميز اللجاه بالتراث الطبيعي المتميز والتنوع الحيوي الغني الذي يترافق مع تشكيلات جيولوجية رائعة، إضافة إلى التراث الثقافي التاريخي». وتابع درويش: «اللجاه منطقة صخرية وعرة في محافظة السويداء ناتجة عن مقذوفات جبل العرب، خاصة من بركان تل شيحان القائم في طرفها الشرقي بارتفاع 1140م. وتبلغ مساحتها ما يقرب من 2000 هكتار (من دون القرى)، كما يبلغ متوسط ارتفاعها عن سطح البحر 800م، وهي تتسم بتضاريس وعرة ومتنوعة ويمكن ملاحظة الشقوق والجروف الحادة والأحواض المنخفضة يحيط بها شيء من الوعر الذي يفصلها عن الأرض العادية ويسمى «اللحف»، ويسود فيها الصخر بشكل كلي يتخلله بعض الجيوب الترابية المحدودة. أما عن تسميتها، فقد سميت «تراكون» وأطلق عليها الرومان اسم «تراخونيتيس» بمعنى وعرة. وعرفت في العصور القريبة باسم «اللجاه» لكونها تمثل ملجأ مثاليا للثوار الذين يمكنهم الاختباء في شقوقها الصخرية الكبيرة ومغاراتها وكهوفها الممتدة إلى مسافات شاسعة».

ثم يشرح: «لم يعرف حتى اليوم زمن الاستيطان البشري الأول في اللجاه، لوعورتها وقلة الدراسات المتعلقة بها. وقد اكتفى الرحالة والمستكشفون بزيارة المناطق السهلة منها التي استطاعوا بلوغها، لكن ذلك حال دون تمتعهم بمناظر اللجاه الخلابة من تشكيلات صخرية صعبة وجروف ومغارات يرجح أنها سكنت في العصور الحجرية. هذا وقد اكتشفت بعثة سورية ـ فرنسية خاصة بالمسح الأثري ركزت أعمالها في صيف 2003 بمنطقة اللجاه موقعا من العصر الحجري النحاسي (الكالكوليت) ـ نحو الألف الخامس قبل الميلاد ـ وفق معطيات ميدانية. ولدينا أدلة ومعطيات هامة وكثيرة من العصور السابقة للميلاد نجدها تتجسد في معابد دينية وبيوت سكنية وبعض الظواهر الأخرى، ولقد حملت بعض اللوحات أسماء عربية، مما يؤكد الاستيطان العربي فيها. ودخلت اللجاه عام 20 ق. م. في حكم أغسطس قيصر الذي ولى عليها أحد قادته لكنه لم يستطع السيطرة عليها، ولم يتحقق الأمن للرومان إلا بعدما أنشأ الإمبراطور تراجانوس فيلقا في بصرى. وفي القرنين الثاني والثالث ازدهرت مواقع اللجاه ومدنها بشكل ملحوظ، لكن لا تزال الأسرار كامنة بين طيات اللجاه الصخرية التي تحتاج إلى حملات استكشافية مستفيضة لكل صخرة من صخورها الصلدة». وتطرق درويش إلى التنوع الحيوي في اللجاه، فقال إنه يوجد فيها كميات هائلة من المياه الجوفية تحت الصخور. كما أنها تميزت بالتنوع البيئي، وكان فيها غابات خضراء كثيفة، لكن ظروفا متعددة أزالت الغطاء الأخضر زمن الاحتلال العثماني، فلم يبق سوى الأشجار والنباتات التي تأقلمت مع طبيعتها الصعبة كونها تأخذ كميات كافية من الماء عبر تغلغل جذورها بين الصخور كالبطم واللوز البري والسويد والزيتون الروماني والتين، بجانب الوزال المتعايش مع السويد، إضافة إلى النباتات العشبية العديدة الرعوية منها والطبية المتعددة (نحو 42 نوعا نباتيا متوعا). أما عن الحياة البرية الحيوانية، فإن اللجاه غنية بأنواع من الطيور المستوطنة (حسب التسمية المحلية) كالدوري والحسّون (الشويكي) والحجل والفرّي وأبو عباءة والجعيطي والباشق والبوم وأبو الفار والبلاقي وأبو الحن، والطيور المهاجرة كالسمّن والمطوق والوروار والزرعي والبط واللقلق والسنونو والترغل، وكذلك بالحيوانات الثديية كالضبع وابن آوى (الجقل) والغرير (اليغر) والسنجاب الرمادي والنمس وابن عرس والأرنب البري والقنفذ والنيص (الدلدل) والقط البري والذئب، والزواحف كالأفاعي والضب والحراذين والسحالي والسلاحف، بجانب الحشرات والعقارب.

أما على صعيد السكان، فتقطن اللجاه تجمعات بشرية متباينة الكثافة في بلدات وقرى تزداد أراضيها وعورة كلما اتجه الزائر إلى العمق، بحيث يقل الاعتماد بشكل أساسي على الزراعة. الأمر الذي يفسر الوضع المعيشي المتدني لأهالي المنطقة الذين يسعون جاهدين لتحسين مستوى معيشتهم من خلال تنويع مصادر دخلهم بالاعتماد على تربية المواشي خاصة الأغنام، بالإضافة إلى الاستفادة من بعض النباتات البرية المنتشرة بأرجاء المنطقة في استخدامات متعددة في التغذية والتداوي، كاستخدام زيت البطم. وللعلم، تعد اللجاه، كتجمع بشري، المنطقة الوحيدة في سورية التي يستخلص سكانها زيت البطم المهم وبطريقة يدوية، كما أنهم يعملون على إحياء كثير من المهن اليدوية الريفية منها صناعة القش والقصب وغيرها. وأما أكبر بلدات اللجاه فبلدة عريقة، «عاصمة» اللجاه، ومنها مجادل وصُمَيد والخرسا ووقم ولبّيَن وجُرَين وحرّان وداما، وبعضها يتميز بمبان وأبواب حجرية لها قيمة أثرية كبرى.