بيت زمان يعيد السياح لطقوس الحياة الدمشقية قبل مئات السنين

أقام فيه وزير خارجية فرنسا كوشنير

بيت زمان كما يشاهد من الشارع المستقيم في الخارج («الشرق الأوسط»)
TT

في منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي لفت انتباه أصحاب محلات سوق مدحت باشا والشارع المستقيم الشهير بدمشق القديمة، تجول وزير الخارجية الفرنسي (برنار كوشنير) وبرفقته مجموعة سفراء فرنسا لدى دول الشرق الأوسط الذين عقدوا مؤتمرهم السنوي في العاصمة السورية دمشق، والذين جالوا في الشارع المستقيم والسوق القديم مشيا على الأقدام قبل أن يتجه الجميع لتناول طعام العشاء في أحد مطاعم الشارع التراثية، حيث أقام كوشنير في فندق تراثي كان قد افتتح قبل حوالي عام في نهاية الشارع المستقيم قرب باب شرقي ويدعى (بيت زمان) وانطلق منه متجولا في أقدم شارع دمشقي وأجمل سوق تراثي تحول بمحلاته الـ400 بعد ترميمه في السنتين الأخيرتين إلى معرض حي ودائم لجميع مهن دمشق اليدوية التراثية المعاد إحياؤها والمستمرة وحتى تلك المهددة بالانقراض.

وقد استقبل كوشنير وصحبه لدى وصولهم للفندق بعادات الترحاب الشامية وطقوس الاستقبال الدمشقية العريقة. وكان قد استقبل قبله وبأيام قليلة (أواخر شهر يونيو) مندوب البابا مع ممثلي 30 كنيسة كاثوليكية في العالم في اختتام احتفالية عام القديس بولس الرسول التي استمرت سنتين.

وبيت زمان هو واحد من البيوت والقصور الدمشقية القديمة التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى فنادق تراثية ويتميز بأنه يتموضع مباشرة في الشارع الرئيسي المستقيم ويمكن للزائر والصاعد لسطحه العلوي أن يشاهد الشارع بشكل بانورامي جميل من القوس الروماني غربا وحتى باب شرقي شرقا، كما يمكنه مشاهدة جبل قاسيون فيما لو نظر جنوبا من سطح الفندق الذي كان قبل خمس سنوات عبارة عن أربعة بيوت دمشقية، وكل واحد منها يضم طابقين، تم وصلها مع بعض وترميمها بشكل فني وافتتاحها كفندق جهد أصحابه على جعله يقدم الصورة الحقيقية لما كانت دمشق وعادات أهلها أيام زمان، فعمل أصحابه على استثمار الحمام العربي القديم الذي يقع في الفندق ورمموه بشكل جميل وأعادوا من خلاله إحياء طقوس وعادات حمام السوق التي اشتهر بها الدمشقيون. وكذلك عمل أصحاب الفندق على إحياء طقوس عشاء الحواضر الدمشقي الذي كانت تعده المرأة الدمشقية لزوجها وأولادها بشكل يومي في المساء ويتضمن أصنافا بسيطة ولذيذة من الحواضر، حيث غابت هذه العادات حاليا مع دخول الشاورما والهامبورغر والفطائر والمناقيش وساندويتش الفلافل في قواميس عشاء الدمشقيين اليومي، فأعاد الفندق التذكير بها وتقديمها بشكلها الفلكلوري للسياح والزوار من نزلائه أو من مرتاديه.

وحول هذه البيوت الأربعة التي أصبحت بيتا واحدا، قال مدير عام فندق بيت زمان (هاني مالك) لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أطلقنا على الفندق بيت الزمان بقصد جعل السائح الأجنبي يعيش البيئة التي كان يعيش بها الدمشقي من خلال المنزل الشامي بمواصفاته المميزة وأرض دياره وغرفه، والفندق يتموضع على أربعة بيوت دمشقية افتتحناها على بعضها واستغرقت عمليات ترميمها خمس سنوات متواصلة حتى تمكنا من إظهار الطابع التراثي الأساسي فيها مع مراعاة كل التفاصيل حتى الصغيرة منها ومنها فرش الفندق، فحرصنا أن تتوافق مع ما كان عليه البيت الدمشقي القديم، ففرشت غرف الفندق بأثاث قديم اشتريت من بيوت قديمة وقام الحرفيون الدمشقيين اليدويون بترميمه وأعادوا تأهيله بشكل يدوي، وزودت كل غرف الفندق وأجنحته وأواوينه بهذه المفروشات، بحيث حرصنا على تكامل الصورة مع الإحساس والمراحل الطويلة من الإعداد جعل الفندق يحي أيام زمان».

ويضم بيت زمان 28 غرفة في طابقين وبمساحة تصل لـ 1500 مترا مربعا وتم المحافظة على وترميم الفسقيات التي توجد في الغرف على شكل بحيرة صغيرة مزينة بصنبور ماء تراثي. والبيوت تتميز بزخارف معمارية تعود لمئات السنين حيث عمر هذه البيوت يتعدى الـ300سنة وأثناء الترميم تم إظهار الكثير من زخارف الجدران التي كانت مغطاة بجدران إضافية من قبل سكانها القديمين وتم إظهار رسومات تراثية ومنها بشكل خاص ما يسمى بشجرة الحياة وعمرها مئات السنين، حيث تم في أعمال الترميم إعادة الأصل لما كان عليه وإزالة كل ما هو مضاف في العصور الحديثة وتسيء لهذه الزخارف التراثية. وتتوزع الزخارف بشكل مميز وجميل في الغرف والليوان والأواوين وسقوف الغرف الخشبية ومنها سقوف مصنعة من قماش الكانفا مع مرايا في السقف وهناك أيضا سقف مصنع من العجمي في غرفة (جلق وهو اسم دمشق القديم) التي تضم شجرة الحياة والمكتبة الخشبية التي كانت من ضرورات البيت الدمشقي. يضيف مالك «من الأمور المميزة في بيت زمان والتي حرصنا على إحيائها هناك الحمام العربي التقليدي والذي يستخدم للنزلاء وحتى من خارج الفندق ويتميز بمواصفات الحمام العربي القديم وأقسامه المعروفة وهي البراني والوسطاني والجواني والمكيس والجرن والجدران المبنية من أحجار نافرة متكاملة المواصفات، وهو مثل حمام السوق الذي كان الدمشقيون يذهبون للاستحمام فيه. وكما كان يحصل في كل حمامات السوق حددنا فترة من الصباح حتى بعد الظهر للنساء، ومن ثم وحتى المساء للرجال وبحيث يعيش المستحم فيه هذه الطقوس كما كانت قبل مائة عام (حتى طقوس حمام النساء أعيد إحياؤه حيث كانت النساء وبعد الاستحمام يعقدن حلقات رقص تراثية ودبكة مع الزلاغيط (ترديد عبارات تراثية على شكل العراضة الشامية) إذ كان الدمشقي يذهب للحمام وكأنه في سيران دمشقي فيأخذ طعامه معه وخاصة أكلة (المجدرة) الشهيرة ولذلك في الحمام أعدنا كل هذه الطقوس ليشاهدها السائح والزائر حية أمامه، فنقدم للمستحم بعد أن ينهي استحمامه المشروبات الساخنة من زهورات وشاي في البراني وبعدها نقدم له وجبة المجدرة مع البندورة والخيار والنعنع والبصل واللبن كما كان يقوم بها الدمشقيون». وفي بيت زمان أيضا هناك المقهى التراثي المطل على الشارع المستقيم مباشرة والتي تشابه مقاهي أيام زمان الموجودة على الشوارع الرئيسية حيث أطلق عليها (دردشة كافيه) وهناك العريشة التي كان يجلس تحتها أهل البيت الدمشقي في فصل الصيف. وهنا يضيف مالك «المميز في عريشة بيت زمان طولها الشاهق قياسا لمثيلاتها، حيث تخرج من أرض البيت وتتطاول صعودا حتى السطح لتظلل سطح البيت في طابقه الثاني وكما كانت أيام زمان حرصنا على إحياء العادات الدمشقية تحت العريشة من خلال الجلسة العربية تحتها وتقديم العشاء الدمشقي (الحواضر) حيث كان رجل البيت الدمشقي يعود لبيته فتكون زوجته قد حضرت له العشاء الدمشقي وهو عبارة عن صحون على صينية من النحاس تضم: (المكدوس واللبنة المكبتلة وخبز التنور والشاي الخمير وهناك الشنكليش ـ السوركي ـ مع البصلة الخضراء والبصلة المدورة والجبنة البلدية). وفي عودة للسيد كوشنير واختياره بيت زمان للإقامة فيه ليعيش الحياة الدمشقية التراثية، يتذكر مدير بيت زمان هاني مالك أن كوشنير وعند عودته للفندق بعد انتهاء لقاءاته الرسمية تجول في بيوت زمان، وجلس تحت شجرة الليمون وقطف ثمرة منها وعصرها وشم رائحتها الذكية، فكما هو معروف أنه لا بد من وجود شجرة الليمون والنارنج والكباد والعنب والياسمين في كل بيت دمشقي تقليدي.