لبنان: خان الصابون في طرابلس ينتج أكثر من 1400 نوع

بناه والي طرابلس عام 1480 وخلال الحرب الأهلية أصبح مرتعا للخارجين عن القانون

ينتج نحو 1400 منتج من الصابون وأشكال العناية بالصحة الخارجية («الشرق الأوسط»)
TT

في قلب سوق الذهب في مدينة طرابلس، عاصمة الشمال اللبناني، يقع بناء من طابقين يعود إلى القرن الخامس عشر يطلق عليه اسم خان الصابون. وقد أطلق عليه اسم الخان لأن التجار، لبنانيين وأوروبيين، كانوا يربطون خيولهم فيه ليأخذوا أحمالهم أو حاجاتهم من الصابون الذي كان يصنع في الخان الذي بناه والي طرابلس يوسف بك سيفا عام 1480، وما لبث أن أوقفه وقفا ذريا لزوجته، ثم تحول في القرن التاسع عشر إلى أملاك خاصة.

يقول صاحب الخان بدر حسون لـ«الشرق الأوسط»: «في ذلك الوقت، بدأت الآلة تحل محل العمل اليدوي، وبدأت الصناعة تحل محل الحرفة، والمادة الكيميائية محل المادة الطبيعية، فتوقف إنتاج الصابون اليدوي لينتشر الصابون الصناعي.. لكنني رفضت التخلي عن إرث العائلة، فعدت إلى نفض الغبار عن مصبنة العائلة في الخان عام 1998، وانصرفت إلى إحياء الحرفة التي خرّجت أهم وجهاء طرابلس الميسورين، تماما كما خرّجت تجارة الصابون أبرز متمولي العائلات الطرابلسية أمثال آل المنلا، وآل عدرة، وآل غندور، وآل حسون، وآل أديب وسواهم».

يضيف بدر: «لقد كان الخان قبل عودتي إليه، وطوال فترة الحرب الأهلية، مرتعا للمنحرفين والمدمنين على المخدرات، والخارجين عن القانون الذين يعمدون إلى إطلاق النار بسبب ومن دون سبب، وضرب الموس (الطعن بالسكاكين). وكاد أن يتحول إلى حي مقفل وساحة تدور فيها أبشع الأحداث مع أنه مبنى تراثي وله رمزيته في المدينة، ولا يزال باب المدخل الخشبي، الوحيد الذي يوصلك إلى داخل الخان، والوحيد الباقي من الأبواب الخشبية، وهو، من دون شك، يمثل جزءا حميما وعريقا من تاريخ المدينة».

ويؤكد صاحب المعمل العمل ليل نهار وعلى مدى 15 سنة من أجل إعلاء اسم الخان والصابون الطرابلسي الذي كان مضرب المثل، وهو اليوم يأخذ طريقه إلى أوروبا والخليج بأنواعه وأشكاله وألوانه المختلفة، ويقول: «لم أنغمس في الصناعة بل آثرت إحياء الحرفة الطرابلسية النادرة عبر المحترف الصغير الذي أملكه في الخان، والمعمل الأساسي الذي يقوم في محلة (أبو سمرا) على مساحة ألفي متر مربع تحيط بها حقول الزيتون. وفي هذا المعمل والمحترف كل العمل يدوي، وكل المواد الأولية زهور وأعشاب ونباتات طبيعية، وكل ما ننتجه يتواءم مع البيئة. فهناك الصابون العلاجي ـ والفرنسيون أول من استخدموا الصابون الطرابلسي للمعالجات الجلدية ـ والصابون الملكي، والصابون البلدي العشبي، والصابون العطري، والصابون الزيتي. ولا أغالي إذا قلت إننا ننتج نحو 1400 منتج من الصابون وأشكال العناية بالصحة الخارجية».

ويشير حسون إلى «أن معظم الإنتاج يصدر إلى الخارج، ولا سيما إلى أوروبا والخليج، ونتهيأ للدخول إلى الولايات المتحدة قريبا».

لكن خان الصابون الذي له الفضل الكبير على كل أبناء طرابلس وعائلاتها وسمعتها تحاول البلدية اليوم «خطفه» من أصحابه تحت ذريعة تحويله إلى تراث. وحسون لا يمانع في تكريس هذا التراث «بشرط ألا يكون على حساب جهدنا وكرامتنا وسمعتنا ودورنا في الحرفة الطرابلسية المميزة». وهو يقول في هذا المجال: «لقد وعدوني بادئ الأمر بتوفير بديل لي أو التعويض عليّ، لكنني فوجئت منذ خمسة أشهر بإرسال شرطي يطلب مني ضرورة إخلاء المستودع حالا وبلغة لا تنم عن احترام ولا عن نية سليمة، فثارت ثائرتي، ورحت أستنجد بالوزراء المعنيين. والإعلاميين وحتى بالسفراء، وتقدمت بدعوى إلى مجلس الشورى، فصدر حكم بعدم التوقف الكامل عن العمل ووقف معاملات الاستملاك بانتظار حصول المجلس على المستندات اللازمة من الطرفين خلال مهلة ستة أشهر. ومنذ شهرين أصدر وزير السياحة ايلي ماروني قرارا قضى باعتباره قيما على خان الصابون، وهذه خطوة يشكر عليها، لأن الأهم من استملاك الخان إعطاء الحقوق لأصحابها وحفظ كرامات الذين صانوا المبنى المؤلف من خمسة آلاف متر مربع ومن طابقين والعديد من المحال التجارية».