«متروبول».. أعرق فنادق الإسكندرية يقف على أطلال مسلة كليوباترا

من أشهر رواده كفافيس وليلى مراد ونجيب محفوظ وأمل دنقل

إطلالة الفندق من الخلف حيث تمثال سعد زغلول شاخص إلى البحر («الشرق الأوسط»)
TT

في الإسكندرية، أينما وليت وجهك، تجد التاريخ حاضرا بكل عبقه، لكن لو أمعنت النظر سترى طبقات الزمن، وتكتشف أنك في أول الدهليز وأن ما خفي كان أعظم، وفندق «بارادايز إن متروبول» حالة نموذجية، فهو تحفة معمارية فريدة، يربض وسط الإسكندرية، في قلب «محطة الرمل» الشهيرة، منذ بدايات القرن الماضي، ويخفي أطلال الموقع الذي استضاف مسلتَي كليوباترا. يقول عالم الآثار الفرنسي الشهير جان إيف إمبرور لـ«الشرق الأوسط»: «إن المسلة كانت تقع في نفس المكان الذي بُني فيه الفندق، وبالأخص مكان المصعد الخاص به. لكن أول عملية لنقل المسلات في التاريخ كانت في فترة العصر البطلمي، حيث نُقلت المسلتان الخاصتان بالملك تحتمس الثالث من هليوبوليس (عين شمس) بعد أن قضت 15 قرنا بالقاهرة إلى الإسكندرية لتظل بها ألفي عام أمام معبد كليوباترا، وقد أطلق عليهما اسم (مسلتا كليوباترا) تخليدا لذكرى الملكة المصرية التي قامت ببناء المعبد القيصري تمجيدا لمارك أنطونيو. ويرجح أن تكون قد انتحرت في هذا المعبد عام 30 ق.م. وما زال الشارع المجاور للفندق يطلق عليه اسم «شارع المسلة». استمرت المسلتان في الإسكندرية حتى وقع زلزال أسقط إحداهما عام 1301، بينما تحدته الأخرى وبقيت شامخة، ولما بدأ شامبليون في فك رموز اللغة المصرية القديمة، زادت الأطماع الإنجليزية في نقل المسلتين، وحاول اللورد كافان عقب نزول الجيش الإنجليزي إلى الإسكندرية عام 1801 نقل المسلة الساقطة لكنه لم ينجح، ولكن حصل القنصل الإنجليزي بالإسكندرية على موافقة من محمد علي باشا لنقلها إلى بريطانيا، لكن البرلمان الإنجليزي لم يقرر المال اللازم لعملية النقل. ويقول الدكتور خالد هيبه أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة الأزهر، مؤلف كتاب الخطط السكندرية: «لما نجحت فرنسا في نقل إحدى مسلات معبد الأقصر إلى ميدان الكونكورد بباريس عام 1833، أصبح نقل المسلة إلى إنجلترا مطلبا إنجليزيا قوميا، فقاد الجنرال جيمس ألكسندر حملة بين الأوساط الثقافية والعلمية البريطانية مبينا جدوى المسلة حضاريا وثقافيا، وقابل الخديوي إسماعيل في مارس (آذار) 1875، حيث فاتحه في أمر المسلة، ووافق الخديوي قائلا: «لقد أهديت هذه المسلة إلى الأمة البريطانية من لدن جدي محمد علي باشا عن خدمات أُديت لمصر، وهي ملك لبريطانيا، وأنا أقدمها طواعية».

ومن أطلال هذا التاريخ استمد فندق «متروبول» شهرته العريقة، فقد كانت الأرض التي تحتضن المسلات ملكا لثري يوناني يُدعى ديميتري، شيّد عليها فندق «متروبول» عام 1902. وصمّم الفندق المعماري الإيطالي كورادو بيرغولسي على الطراز الفلورنسي الشهير، وهو مكون من أربعة طوابق ويطل من خلفيته على تمثال الزعيم سعد زغلول الشاخص للبحر، وقد صممه النحات الشهير محمود مختار في عام 1938، ويتوسط التمثال حديقة غنّاء تتسم بالبساطة والجمال.

بمجرد الدخول إلى بهو الفندق الرئيسي ستجد لمسات فنية وجمالية وضعها أهم فناني القرن التاسع عشر تتجسد في ديكورات مستوحاة من توسكانيا الإيطالية، ويحتشد بهو الفندق بالتماثيل اليونانية والتحف العتيقة واللوحات الزيتية ولوحات الزجاج المعشَّق.

والفندق كان ملاذا لعشاق الأجواء الرومانسية والكلاسيكية بالإسكندرية، من كتاب وشعراء وفنانين، على رأسهم نجيب محفوظ وأمل دنقل ونجيب الريحاني وليلى مراد ومحمد عبد الوهاب. وكان الشاعر كفافيس من أهم رواد الفندق حيث كان يعمل في البداية في مقر وزارة الري التي كانت تتخذ مقرا لها في ذات المبنى، وكان يجلس في مقهى الفندق لاحتساء القهوة وكتابة ما يتوارد إلى ذهنه من أشعار، مما جعل إدارة الفندق تحرص على تخليد ذكراه بإطلاق اسمه على الجناح رقم 310. وقد تم تصوير بعض مشاهد الفيلم البريطاني الشهير «Ice Cold in Alex» في حانة الفندق، وتدور أحداثه حول الحرب العالمية الثانية وذلك عام 1958. يقول إسلام محمد بكار مسؤول التسويق في الفندق: «يحظى الفندق بزوار من مختلف جنسيات العالم، ولكن أكثرهم لا يعلمون بحكاية المسلة عدا المتخصصين في التاريخ، والذين يحدقون بألم تجاه مصعد الفندق الذي حل محل المسلة، ومعظم النزلاء ممن يعشقون الإسكندرية والذين يشعرون بالحنين إلى عصرها الذهبي، فمعظمهم ممن كانوا يعيشون في المدينة أو وُلدوا فيها، ويعطيهم موقع الفندق في وسط الإسكندرية ميزة التجول والتعرف على إسكندرية القرن التاسع عشر، فما زالت معظم المباني المحيطة بالفندق محتفظة بطرازها المعماري».

الفندق يحمل أجواء القرون الماضية، ونلاحظ ذلك في كل أركانه وديكوراته الكلاسيكية الدافئة التي تتخذ من اللون الأحمر القاني رمزا للفخامة والعراقة، ويضم 66 حجرة تطل على ميدان سعد زغلول والميناء الشرقي، على خلفية اتساع البحر. بينما يطل باقي الغرف على أهم شوارع المدينة وأعرقها، شارع سعد زغلول.

ويضم الفندق عددا من المطاعم منها «إمباسادورز»، وهو يمنحك تناول الإفطار أو الغداء أو العشاء في أجواء تشبه أجواء القصور التاريخية على أنغام الموسيقى الكلاسيكية الحالمة. ومطعم «الملك إدوارد»، ويقدم أكلات دول الأبيض المتوسط على الطريقة الإنجليزية الأنيقة. بالإضافة إلى مقهى «الأمير تشارلز» حيث يمكن للزائر تناول الوجبات الخفيفة والتمتع بمشهد الميناء القديم والقوارب الصغيرة التي تجوبه.

كما يمكنك تناول القهوة أو العصائر المنعشة في «لو غراند باليه» للاستمتاع بالحركة الصاخبة في قلب المدينة. أما قاعة «فرساي» فتمنحك إحساسا قويا بألوانها الزرقاء والذهبية كأنك مدعو لحضور اجتماع ملكي على طاولة كلاسيكية عتيقة. بينما تضم قاعة «الملكة إليزابيث» تحفا أصلية تعود إلى القرن السادس عشر.