إضراب سائقي النقل العام يشل حركة الحياة ويثير غضب المصريين

القاهرة دون حافلات عامة

إضراب سائقي النقل العام في القاهرة كان الأكثر مساساً بمصالح الناس (ا.ف.ب)
TT

«أكل العيش مر يا أستاذ.. هانعمل إيه يعني.. مرتبي أول عن أخر 500 جنيه وعندي 3 عيال، وبرضه عايزين يخصموا مني 3 آلاف جنيه مخالفات مرور طب إزاي؟ قالوا لي هانقسطهم من مرتبك، بالذمة هو دا اسمه مرتب؟».. هكذا برر طه أحمد، أحد سائقي النقل العام المصريين المضربين مشاركته لزملائه في الإضراب، موضحا أن الإضراب كان هو الحل الوحيد أمامه وزملائه للمطالبة بتحسين ظروف عملهم ورواتبهم.

وعلى غير العادة، شهدت العاصمة المصرية أمس اختناقات مرورية، فاقمها ارتفاع درجة حرارة الجو، واحتقان عم معظم شوارع العاصمة المكتظة بنحو 18 مليون نسمة، أمس «الثلاثاء»، الكل يسأل عن السبب، ولا أحد يجيب، ومع منتصف النهار ظهر السبب.. لا توجد حافلات عامة (أوتوبيسات) في شوارع القاهرة اليوم.. فأغلبية السائقين والمحصلين مضربون، وعلى الكل أن يبحث عن وسيلة مواصلات أخرى.

ورغم أن القاهرة شهدت العديد من الإضرابات على مدار الفترة الماضية فإن إضراب سائقي النقل العام كان الأكثر مساسا بمصالح الناس، لأن ملايين المصريين يعتمدون على الحافلات العامة في تحركاتهم، خاصة أن أمس هو منتصف الأسبوع الذي يعج بالحركة، كما أن شهر رمضان على الأبواب والكل يحتاج لشراء مستلزماته.

فذلك الأوتوبيس الذي كان لونه أحمر، وكان ينفث غلالة من الدخان الأسود في السماء، ويكتظ بالركاب، وكان سعر تذكرته لا يتجاوز الخمسة قروش (الجنيه يساوي 100 قرش) حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي، تحول بعد مراحل من التطوير إلى اللون الأخضر، واختفى دخان العادم الأسود، وصار يعمل بالغاز الطبيعي بدلا من السولار، أصبح سعر التذكرة يتراوح بين 50 قرشا و250 قرشا، وأصبح مكيفا «ولو بالاسم» كما يقول ركابه.

مجتمع الأوتوبيس في مصر لم يختلف كثيرا منذ عقود، السائق والمحصل يبدآن يومهما في الخامسة فجرا، يتوجهان إلى المرآب العمومي، يستقلان السيارة، ليشقا طريقهما وهما يسابقان الزمن ليجوبا شوارع العاصمة المصرية وهي تنفض عن نفسها النعاس، لتبدأ يوما جديدا.

يضيف طه: «أعمل في وردية عمل 8 ساعات قد تصل إلى 10 ساعات بسبب الزحام، وهي ورديات متغيرة، مرة الصبح ومرة الظهر ومرة بالليل، في عز الشتا وفي عز الحر، والدنيا زحمة، حتى الأعياد بنقضيها ورا الدركسيون (عجلة القيادة)، دا غير مضايقات رجال المرور وخناقات الركاب، وكمان القعدة طول النهار دي بتجيب أمراض، لو مش أمراض في العمود الفقري يبقى ضغط وسكر من الخناقات طول النهار، أو أمراض صدرية من ريحة عوادم العربيات في الشوارع طول النهار».

ربما كل ما ذكره طه وغيره كان السبب في أن 15 ألفا من سائقي ومحصلي هيئة النقل العام بمصر نفذوا أمس «الثلاثاء» إضرابا عن العمل في 12 مرآبا رئيسيا في القاهرة، الأمر الذي أدى إلى شلل مروري بالعاصمة المصرية، ساهم في زيادته الزحام المعتاد في مثل هذا الوقت من العام، قبل شهر رمضان من كل عام، حيث تكتظ الشوارع بالمواطنين الراغبين في شراء مستلزمات الشهر المبارك.

عبد المنعم سيد على، محصل يعمل على خط إمبابة ـ المنيب، وهو من أكثر خطوط النقل العام ازدحاما في القاهرة لأنه يربط بين منطقتين شعبيتين شديدتي الكثافة السكانية، قرر مشاركة زملائه اعتراضا منه على «رفض الهيئة صرف بدلات غذاء وعدوى وطبيعة عمل لموظفيها إضافة إلى اقتطاع جزء كبير من الرواتب تحت اسم التأمينات».

يقول عبد المنعم «أعمل في هذه المهنة منذ عام 1990 ومرتبي لا يتجاوز 450 جنيها، وطالبنا أكثر من مرة بصرف بدلات وحوافز إضافية لنا أسوة بالمهن الأخرى والهيئة ترفض بلا مبرر فقررت المشاركة في الإضراب».

أما مجدي المصري، وهو سائق على خط ترعة الجبل ـ الحي السابع، فقد شكا من تهالك السيارات التي يعمل عليها، وقال «لا توجد صيانة دورية للسيارات، الفرامل لا تعمل في كثير من الأحيان، زيت المحرك لا يتم تغييره، وعندما نشكو يحرر لنا المهندس في الجراج (المرآب) مذكرة رفض العمل، وأتعرض لجزاءات عديدة منها الخصم والإحالة للتحقيق، وإذا خرجت للعمل على تلك السيارات ووقعت حادثة بسبب عدم وجود صيانة أكون أنا المسؤول الأول».

ويضيف مجدي «مخالفات المرور تبالغ في أرقامها، فالمخالفة الواحدة قد تصل إلى 3 آلاف جنيه، ومطلوب من السائق سدادها رغم أن مرتبه لا يتجاوز بأي حال من الأحوال 500 جنيه.. أتحدى أي خبير اقتصادي أن يجد حلا لتلك المشكلة».

وأوضح أن مشكلات العمل بهيئة النقل العام دفعت العديد من السائقين العاملين بها للهجرة إلى مشروع النقل الجماعي والشركات الخاصة، لأن الرواتب فيها تبلغ 3 أضعاف رواتب السائق بالهيئة، مع عدم إضافة المخالفات المرورية على سائق النقل الجماعي.

ورغم أن المواطنين هم الأكثر شكوى وتضررا من حال أوتوبيسات النقل العام في مصر، فإنهم أمس صبوا جام غضبهم على الحكومة التي رفضت تنفيذ مطالب السائقين فأضربوا، لتتعطل مصالح الناس».

نبيل عبد الباقي، موظف في إحدى الشركات الخاصة بحي المهندسين ويسكن في مدينة نصر ويستقل يوميا أوتوبيس رقم 700 من الحي السابع بمدينة نصر إلى مقر عمله بميدان لبنان، لكنه أمس لم يكن يعرف أن هناك إضرابا فتأخر عن عمله وفي النهاية استقل سيارة أجرة ودفع مبلغ 20 جنيها، رغم أنه يدفع في الأوتوبيس جنيها وربع الجنيه فقط. يقول نبيل «عندما أضرب الصيادلة أعلنوا ذلك ليتخذ الناس احتياطهم، ولكننا فوجئنا بإضراب سائقي النقل العام».

من جانبه، أكد صلاح فرج رئيس هيئة النقل العام، أنه تم حل معظم مطالب السائقين والمحصلين المضربين، ومنها تأجيل تحصيل قيمة المخالفات المرورية من السائقين إلى نهاية العام الحالي، للانتهاء من إنشاء «صندوق المخالفات» لمن يرغب من السائقين في المشاركة فيه وسداد قيمة شهرية قدرها جنيهان، مشيرا إلى أن الهيئة ستدفع ضعف المبلغ للتخفيف عن أعباء 5 آلاف سائق بالهيئة.

وأقر فرج بوجود بعض المخالفات المرورية التي يتم تقديرها بشكل جزافي بسبب خلافات بين بعض السائقين وبعض رجال المرور، موضحا أنه تم التنسيق مع إدارة المرور لوقف تلك الخلافات، وقال «في حالة ارتكاب السائق مخالفات مرورية سيتم تحصيلها عن طريق قسط شهري لا يتعدى 5% من قيمة راتبه». كما أشار إلى أن الهيئة تسعى حاليا لتوفير قطع الغيار اللازمة لإصلاح الأعطال التي تعاني منها الأوتوبيسات حرصا على راحة الركاب والسائقين.

ومن جانبه اعتبر جورج إسحاق المنسق العام المساعد لـ«الحركة المصرية من أجل التغيير» (كفاية)، أن الاعتصامات والإضرابات كلها وليدة نمو ثقافة الاحتجاج لدى الشعب، وقال «إنها ثقافة مطلوبة في المجتمع المصري، وهي بدأت تنمو أخيرا، ورأينا عددا من الإضرابات التي حققت أهدافها مثل إضراب الصيادلة وإضراب موظفي الضرائب العقارية».

وحمل إسحاق الدولة مسؤولية زيادة الإضرابات بسبب ما سماه «غياب دور الدولة»، مشيرا إلى أن تلك الإضرابات تؤثر في صانع القرار وتجعله يرضخ ويحقق أهدافها.

وقال إسحاق: «الناس في مصر، خاصة الكادحين، لا تُضرب ولا تحتج إلا عندما يتعلق الأمر بلقمة العيش، وهذا هو ما حدث في إضراب النقل العام والضرائب العقارية وخبراء وزارة العدل».