الدراسة الصيفية.. حل لا مفر منه وعقاب لذنب لم يرتكب

تقدمها المعاهد التي حلت مكان مدرسي الدروس الخصوصية

تتحول المعاهد إلى محطة مهمة ولا سيما للتقوية في اللغة الأجنبية لاجتياز امتحان الجامعة (أ.ف.ب)
TT

ما أن تقفل المدارس أبوابها وتصدر نتائج التلاميذ المدرسية حتى تفتح أبواب مؤسسات تربوية أخرى لتحتضن من كان قدرهم عدم الخروج من دوامة النظام المدرسي صيفا وشتاء. هم تلاميذ الفصول الأربعة الذين لا يختلف عندهم برنامج فصل الشتاء عن فصل الصيف كثيرا لا سيما لناحية الدراسة. منهم من لا يجد أهلهم مفرا إلا الاستفادة من هذه العطلة لوضعهم على السكة التعليمية السليمة بعدما أظهرت نتائجهم ضعفا في مواد معينة، ومنهم من يرى أهله في هذه المعاهد منفذا لتحقيق ما يكمن في داخلهم من «عقد تعليمية» مفادها أن على التلميذ أن يبقى في «جو المدرسة» وإلا كانت العطلة كفيلة بدفعه إلى نسيان كل ما خزنته ذاكرته خلال السنة الدراسية. إذن وفي موازاة النشاطات الترفيهية التي تتنافس المؤسسات الاجتماعية والتربوية على تقديمها في فصل الصيف، تنشط على خط آخر المعاهد الصيفية التعليمية. وظاهرة هذه المعاهد التي حلت إلى حد كبير مكان أساتذة الدروس الخصوصية الذين اعتادوا تقوية التلاميذ في المنازل صيفا، تحولت بدورها إلى عبء يثقل كاهل التلاميذ وان ترافق ذلك مع محاولات من المسؤولين للتخفيف من هذا الهاجس الذي يبقى حلا لا بد منه أمام من لم يحالفه حظ النجاح في الشتاء وواقعا لا مفر منه في عطلة الصيف لمن ارتأى أهله ذلك. لكن في الوقت عينه قد تتحول هذه المعاهد إلى خشبة خلاص الناجحين الذين ينتقلون من مرحلة الدراسة إلى المرحلة الجامعية، حين تتحول إلى محطة مهمة ولا سيما للتقوية في اللغة الأجنبية لاجتياز امتحان الجامعة. تقول أماني الجردي مديرة معهد ATC في لبنان: «نكثف جهودنا في فصل الصيف لاستقبال التلاميذ من كل الأعمار، ونخصص لهذا الهدف برامج تعليمية خاصة تناسب كل حالة على حدة، مع التأكيد على تأمين أفضل المعلمين القادرين على القيام بهذه المهمة في هذه الفترة من السنة، لا سيما أن معظم التلاميذ لا يحبذون فكرة الدراسة في الصيف ويقبلون عليها مرغمين».

وتضيف: «لا شك أن حاجات هؤلاء التلاميذ الذين يتلقون دروسا في معهدنا في فصل الصيف تجتمع تحت عنوان واحد هو تقوية من يعانون ضعفا في مواد معينة ولا سيما اللغات والرياضيات، إضافة إلى أولئك الذين يتحضرون للخضوع إلى «امتحان إكمال» في نهاية الصيف أو امتحان الجامعة. وأهم ما نقوم به هو توزيع التلاميذ بحسب مستوياتهم وحاجاتهم للوصول إلى النتيجة المرجوة بأقل وقت ممكن كي لا يشعر الأهل أن وقت ابنهم وعطلته وأموالهم ذهبت هدرا». وعن تفاعل الأولاد الإيجابي مع هذه الدروس الصيفية وقدرتهم على تحمل عبء إضافي بدل تمتعهم بعطلتهم الصيفية، تجيب الجردي «بعد خبرة أربع سنوات في هذا المجال وصلنا إلى نتيجة مهمة مفادها أن تكثيف المواد والوقت، ولا سيما في فصل الصيف، لا يساهمان في تقدم مستوى التلميذ، بل على العكس قد يشكلان السبب الأساسي في عدم تقبله هذا الواقع بل رفضه، لذا نحرص على تقديم المعلومات وفقا لمبدأ «التعليم الترفيهي» والأهم هو عدم إطالة فترة التدريس التي لا يجب أن تزيد على ساعة ونصف يوميا وثلاثة أيام في الأسبوع للصغار و4 أيام للكبار، وذلك بما يتناسب مع موعد النشاطات الصيفية التي يقوم بها التلميذ، مع عدم إغفال نقطة مهمة وهي أنه في بعض الأحيان قد لا نصل إلى النتيجة المطلوبة في هذا الوقت القصير، لذا نعمد إلى مصارحة الأهل عن حالة أبنائهم». وفي حين يقبل محمد (17 عاما) ورفاقه بكامل إرادتهم على دراسة اللغة الانجليزية للخضوع إلى امتحان الجامعة، بعدما نجحوا في الامتحانات الرسمية ولا يجدون مشكلة في تخصيص ثلاث ساعات من وقتهم يوميا للدراسة بهدف السير قدما في مسيرتهم التعليمية، لا يقنع هذا الواقع «التعليمي الوردي» ناديا (13 سنة) بعدما خبرته مجبرة في الصيف الماضي رغم أنها لا تعاني ضعفا في المواد التعليمية. وتقول «في الصيف الماضي شعرت أنني أعاقب على ذنب لم أرتكبه ومرت العطلة ولم أشعر بفرحتها. أما هذا العام فلم أقبل أن أكرر التجربة نفسها ووعدت أهلي أن أدرس بمفردي في البيت. لا يمكن أن أقتنع بفكرة الدرس في فصل الصيف. أنتظر هذه العطلة بفارغ الصبر وهي من حقي بعد سنة دراسية كاملة، فكيف لي أن أقبل أن أمضيها في الدراسة؟. أما محمد (9 سنوات) فيعبر عن رأيه بلغة بريئة. يقول: «لا أحب المدرسة في الصيف، أشعر أنني مسجون، وكيف يمكن أن أحتمل الدرس في عز الحر؟. أحب أن أخرج وأتنزه وأن أنسى الدرس وكل ما يمت إلى المدرسة بصلة في هذه العطلة. يكفي أن أنجز دروس العطلة الصيفية التي طلبتها مني المدرسة». بعيدا عن النظام المدرسي ولكن من دون الخروج عن التعليم، تدخل الدراسة الدينية على خط الدروس الصيفية وتبقى إلى حد ما مقبولة من التلاميذ الذين اعتادوا التذمر من كل ما يمت إلى الدراسة بصلة ومن بينهم محمد الذي شارك في إحدى الدورات التي تنشط المؤسسات الدينية على تنظيمها في فصل الصيف. وتتمحور هذه الدورات حول إعطاء الدروس الدينية والنشاطات الترفيهية المرتبطة بالثقافة الدينية كما يقول نبيل الخطيب، أحد المسؤولين في الدورات التي تنظمها جمعية الإرشاد والإصلاح الإسلامية. ويقول «سنة بعد سنة نلاحظ تزايدا في نسبة المشاركة في هذه الدورات التي تتوجه إلى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و13 سنة، وتتوزع برامجها بين الثقافة الإسلامية والحديث والفقه والأخلاق الدينية والاجتماعية». من جهته، يستفيد مجدي ملاك، أستاذ العلوم من موسم الصيف ويفيد في الوقت عينه التلاميذ الراسبين، ويشرح عن مشروعه «نحن مجموعة من الأساتذة ندرس مواد أساسية للمرحلة المتوسطة، اجتمعنا في مبنى من ثلاث غرف لمساعدة التلاميذ الراسبين ومن يعانون ضعفا في بعض المواد على التقدم والنجاح». ويقول: «بعدما حقق تلاميذنا في الدورة الأولى في الامتحانات الرسمية نجاحا بنسبة 100 في المائة، تهافت علينا التلاميذ الراسبون لتقويتهم للخضوع لامتحانات الدورة الثانية». وعن مدى تقبل هؤلاء التلاميذ عبء الدراسة الصيفية، يؤكد ملاك أن «التقدم التعليمي يشكل عاملا مساعدا لتشجيع التلميذ على تقبل فكرة الدراسة في الصيف، حتى أننا ضاعفنا ساعات الدراسة في المرحلة الأخيرة ووصلت إلى ست ساعات يوميا، وذلك نظرا إلى ضيق الوقت قبل موعد الامتحانات الرسمية، ولم نشعر من تذمر التلاميذ الذين نحرص على إراحتهم نفسيا وجسديا وتقديم لهم كل ما يمكن أن يشجعهم على الدراسة».