نساء يقدن حركة الحفاظ على الحرف التراثية في البلقان

أروع ما يلاحظ في المعرض آيات قرآنية منقوشة على السيراميك

الفنانة التشكيلية ألماسة سنانوفيتش («الشرق الأوسط»)
TT

ليست هذه هي المرة الأولى التي تقام فيها معارض لصناعة تقليدية في البلقان، ولكنها المرة الأولى التي تعرض فيها مجموعة من إعداد وإشراف نساء نذرن أنفسهن للحفاظ على الأعمال التراثية التقليدية.

أقيم المعرض في العاصمة البوسنية سراييفو، إحدى أهم حواضر المنطقة ثقافيا وتاريخيا وسياسيا، والمدينة التي تعد الخط الفاصل بين الشرق والغرب، بل النقطة التي يلتقي فيها الشرق والغرب ويتعايشان فيها بحذر بعد الصراعات الدامية المدمرة.

وشمل المعرض الكثير من التحف التقليدية، من الخزف إلى النسيج بما فيه السجاد البوسني، ومن النقش على النحاس إلى النحت على السيراميك. وشرحت الحرفية الفنانة خالدة أمريتش، التي تعد رائدة صناعة الخزف في المنطقة، لـ«الشرق الأوسط» أنها أتت مع زوجها وأحد أبنائها الأربعة، وتابعت «لأول مرة نشارك في معرض جماعي، فقد أقمنا العام الماضي معرضا خاصا للسيراميك، وحملنا هذه المرة للمعرض أشياء جميلة تعبر عن الحياة على ضفاف نهر أونا.. زرقة الماء وذهبية التراب وخضرة الأرض». وعن تقييمها لمستوى الإقبال قالت خالدة «السكان المحليون، في معظمهم يأتون للمشاهدة، والقليل منهم من يشتري بعض القطع، وأحيانا يكسرون بعض الأواني أثناء التقاط الصور. في حين أن الأجانب، وأعني بالخصوص الألمان والفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين، يقدرون العمل اليدوي والصناعات التقليدية، ولذا يقبلون على الشراء».

مع هذا شكت خالدة من انخفاض المبيعات مقارنة بالعام الماضي، وذلك في ردها على سؤال بخصوص تأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية على مبيعاتها، إذ قالت «العام الماضي كان أفضل.. عدد السياح كان أكبر، والرغبة في الشراء كانت أعلى». وذكرت خالدة أنها أقامت معارض في 44 مدينة في جمهوريات يوغوسلافيا السابقة، من بينها سراييفو وسريبرينتسا وزفورنيك وبوغوينو وكلوتش ولوبليانا وزغرب. وأردفت أنها قطعت 350 كلم لتشارك في المعرض الكبير للصناعات التقليدية «الذي يشكل انتفاضة في وجه النسيان وتذكيرا بالإرث التاريخي بلمسات حديثة لا غنى عنها، وإضافة نوعية لتلوين الحياة المعاصرة المستسلمة للآلة ومعلباتها المختلفة».

بين الأواني الخزفية التي عرضتها خالدة آنية للخضار ولوحات جدارية من الخزف أو السيراميك، ومزهريات غاية في الروعة وعقود نسائية للزينة، لا يخطر ببال من لا يدري أنها خزفية. وأوضحت خالدة أن أعمالها «تتعرض للشوي في النار تحت درجة حرارة تزيد على ألف درجة حرارية، وبإمكانها أن تبقى لألف سنة ما لم تتعرض للكسر بشكل مقصود».

أيضا توجد في المعرض بعض الهدايا الصغيرة للذكرى، كالشعارات المنقوشة على دوائر خزفية يمكن وضعها على أبواب الثلاجات وجدرانها، وقطع أخرى لتزيين المطابخ. غير أن أروع ما يُشاهد في المعرض بلا ريب الآيات القرآنية المنقوشة على السيراميك. وللعلم، تتراوح أسعار المعروضات من السيراميك بين 3 و55 يورو حسب الحجم والقيمة الفنية والجهد المبذول في إنتاجها. من ناحية ثانية، تعاني الحرف والصناعة المنتجة في البوسنة من سرقة إنتاجها وترويجه في البلاد العربية، لا سيما دبيّ، على إنه إنتاج سلوفيني. وهنا تقول خالدة أمريتش «هناك شركات سلوفينية تشارك في معارض بالبلاد العربية، أزودها أنا بإنتاجي من السيراميك، وهم يبيعونه هناك في أماكن كدولة الإمارات على أنه إنتاج سلوفيني، ولكن بأضعاف أضعاف سعره». وأضافت أنها مستعدة لتنظيم معارض في الدول العربية إذا ما تلقت دعوات في هذا الخصوص، مشيرة إلى أنها كانت قد تلقت وعدا من السفير الماليزي السابق في سراييفو، لكن انتهاء مهامه أحبط المشروع.

بين معروضات السيراميك اللافتة أيضا كانت معروضات رحيمة تشوريتش، من مدينة موستار، عاصمة الهرسك، وقد بدت معالم موستار واضحة في معرضها، لا سيما جسر موستار الشهير، الذي قالت إنه «رمز ثقافي، وإن شئت فقل إنه رمز سياسي، فالعالم بحاجة للجسور وليس للجدران العازلة، والجسور رمز للحوار أيضا ونحن أحوج ما نكون للحوار».

وفضلا عن الرسوم، ومنها ما أبدعته الفنانة التشكيلية ألماسة سنانوفيتش، كانت هناك النحاسيات. وقد بيعت إحدى التحف النحاسية المنقوشة قبل مدة في معرض أقيم بنيويورك بـ35 ألف دولار. وتقول إحدى المميزات في هذا الفن سينادا غلاوزفيتش لـ«الشرق الأوسط» إنها تعمل في «هذا الفن الحرفي منذ 15 سنة، أما زوجي فهو في هذا الميدان منذ 20 سنة». وعن الفارق بين عملها وغيرها من الحرفيين قالت إن «الفارق كبير، فنحن نعمل على الجهتين من صفائح النحاس، أم هم فيعملون وفق الخرائط». وحول طغيان الآثار الثقافية على جميع الأعمال الفنية سواء الرسم العادي أو الفن التشكيلي أو السيراميك وحتى اللوحات النحاسية قالت «هذا ما قد يبدو للزائر للوهلة الأولى، ولكن لدينا أعمال أخرى». وأشارت سينادا إلى عدد من اللوحات الجميلة لزهور وأهلّة (بتشديد اللام ونصبها)، وكذلك لمنازل عتيقة ذات أبواب خشبية. وعن سر هذا الإبداع، أجابت «90 في المائة من العمل الفني يأتي نتيجة التدريب، و10 في المائة فقط مصدره الموهبة».

وكانت صورة النفق المجسدة على النحاس أبلغ شهادة لقدرة الفن على حفظ تاريخ الشعوب وصون الذاكرة وملفات الأحداث التاريخية من الاندثار. فالثقافة في أحد وجوهها بل أبرز وجوهها، هي التاريخ والتقاليد والعادات.