«جسر فقرا» اللبناني نحتته الطبيعة منذ مليوني سنة.. ويهدده مشروع عقاري

على الرغم من ارتفاع أصوات وزراء ونواب وناشطين بيئيين استمر المطور في محاولته

الناشطون يتهافتون على الموقع («الشرق الأوسط»)
TT

«لو أتيح لشركة دراسات أن تختبر القضايا الخلافية الأطول عمرا في العالم لجاء لبنان في المراتب الأولى من حيث معاناته من هذا النوع من القضايا»، على حد قول أحد الناشطين الاجتماعيين، الذي يعطي مثالا على ذلك قضية جسر الحجر الطبيعي في منطقة «فقرا» الواقعة في أعالي منطقة كسروان، التي باتت تعتبر من أهم المراكز السياحية، صيفا وشتاء في لبنان، بصرف النظر عن القضايا الخلافية الأخرى ذات الطابع السياسي أو الاقتصادي أو الطائفي وحتى الإنمائي.

ولكي ندرك أهمية وحساسية هذه القضية لا بد من الإشارة إلى أن «جسر الحجر»، الذي تعارف اللبنانيون على تسميته، كونته عوامل الطبيعة بين فترة تراوح بين 500 ألف سنة ومليوني سنة، بحسب تقديرات الخبراء الجيولوجيين، وإن تفاوتت هذه التقديرات. وكانت لمياه «نبع اللبن» التي تمر تحته اليد الطولى في نحت هذا الجسر الذي يعلو قاع مجرى النبع بنحو 40 مترا، وطوله 60 مترا، وعادة ما يلجأ إليه الرياضيون في ممارسة تمارينهم التي تتطلب صعود ونزول الجبال، فضلا عن المتنزهين الذي يستمتعون بمنظره ومائه وإطلالته.

ويؤكد خبراء جيولوجيون أن معالمه لم تتغير منذ قرن، وهذا التغير هو ما يخشى فيه إصرار أحد المطورين العقاريين، منذ نحو 15 عاما، على أن يبني في حرمه وفوقه مدرجا وبيتا تراثيا ومطعما لبنانيا، رغم تصدي الإدارات الرسمية والجمعيات البيئية والتراثية له، كلما حاول ترجمة مشروعه على الأرض.

وتروي رئيسة جمعية «لبنان الخطى الصغيرة» الناشطة البيئية غلاديس نادر لـ«الشرق الأوسط» قصة هذا الجسر الطبيعي الذي أقام الأرض منذ عام 1994 ولم يقعدها حتى الآن، فتقول: «لم ينس اللبنانيون بعد الضجة التي أقيمت حول (جسر الحجر) قبل نحو 15 عاما، فظنوا أن المشكلة حلت وتم إنقاذ الجسر، منذ ذلك الحين، خصوصا، بعد اتخاذ محافظ جبل لبنان آن ذاك قرارا بوقف الأعمال في المشروع الذي كان أحد المطورين العقاريين يحاول تنفيذه في حرم الجسر وفوقه من دون أي ترخيص، خلافا لما يعتقده البعض. وعلى الرغم من ارتفاع أصوات عدد من الوزراء والنواب وكبار الموظفين والناشطين البيئيين، فإن المطور العقاري استمر في محاولته، لكن الأعمال لم تتوقف إلا عندما أصدر وزير البيئة آن ذاك، بيار فرعون، قرارا وزاريا يقضي بوقف الأعمال استنادا للقانون الذي يمنع إقامة أي أعمال في محمية الجسر».

وتضيف نادر: «وأمام الصرخات المتعالية من كل جهة استمر صاحب المشروع في التحدي فتقدم بدعوى ضد وزارة البيئة، فصدر قرار مجلس الشورى عام 2004 أحال الموضوع مجددا إلى وزارة البيئة التي استمرت في رفض السماح لصاحب المشروع باستئناف أعماله. غير أن هذا الرفض دفع المطور إلى التقدم بشكوى ثانية ما زالت أمام مجلس الشورى حتى الآن. علما بأن مديرية التنظيم المدني وبلدية كفر ذبيان، التي يقع الجسر في خراجها، دعمت، ولا تزال تدعم، قرار وزارة البيئة».

وإذ ناشدت نادر التي ساهمت في التحرك إلى جانبها نحو 30 جمعية بيئية وسياحية، وزارة البيئة ومديرية التنظيم المدني وبلدية كفر ذبيان، الإصرار على رفض المشروع العقاري التجاري، ناشدت في الوقت نفسه مجلس الشورى منح هذه المسألة البيئية الأهمية التي تستحقها من خلال الاستعانة بخبراء متخصصين، ودوليين إذا أمكن، في علم التراث، كي يأتي القرار واضحا شفافا ولا يحتمل عدة تفسيرات. ويفترض الاستماع إلى جمعية بيئية أو تراثية كطرف ثالث، يفضل أن تكون جمعية «ابساد» التي تستوفي كل الشروط اللازمة لمتابعة القضية إلى جانب وزارة البيئة، كي لا تترك وحيدة في مواجهة الموضوع».

ودعا النائب غسان مخيبر، الذي شارك في الاحتجاجات ضد تشويه اللوحة الطبيعية الرائعة، من جهته إلى «التحرك الجماعي لحماية هذا الأثر المدهش، بعيدا عن الحساسيات السياسية، وعدم ترك المصالح الشخصية أو السياسية تقرر مصير الجسر الوحيد من نوعه في لبنان والشرق الأوسط، علما بأن القانون ينص على عدم إقامة أي بناء حول الموقع المحمي بشعاع 150 مترا ابتداء من منتصف الجسر».

لكن صاحب المشروع أنطوان عقيقي يقول: «أنا ابن كفر ذبيان. وتهمني بلدتي كما تهم غيري، ولي مؤلف عن السياحة. وكل همي هو أن أجمل موقع جسر الحجر من خلال إنشاء مدرج وبيت تراثي يكون بمثابة متحف صغير للتراث اللبناني، ومطعم يقدم الطعام اللبناني. أما الفكرة فقد ولدت لدي بعد مشاهدتي جسر «فيرونا» الإيطالي الشبيه بجسر فقرا»، غير أن الناشطين البيئيين يعتبرون أن هناك فارقا بين جسر فيرونا وجسر فقرا. فالأول لا يعلو أكثر من 10 أمتار ولا يتجاوز طوله 17 مترا، ولا يستخدمه سوى السياح البيئيون، ويقع في سهل وليس في جرد صخري كما هي الحال في فقرا. ومن هنا كان الخوف من تحرك الشاحنات فوق جسر فقرا، ما قد يؤدي إلى تفكك الصخور، وهو ما أقنع، على ما يبدو، صاحب المشروع بالتخلي عن المدرج، والإصرار على البيت التراثي.. بانتظار صدور قرار مجلس الشورى.