الحجامة الإسلامية في البلقان ترنو للاعتراف بها دوليا

حرمها البابا في القرن الثاني عشر مما أدخل الحلاقين في ذلك الزمان في محنة

الدكتور ميريم عمر هوجيتش («الشرق الأوسط»)
TT

عرفت الحجامة في حضارات وثقافات كثيرة سابقة، لكنها تختلف عن الحجامة كما مارسها المسلمون.. فقد عرفت في الصين والهند وأوروبا، وأول وثائق مكتوبة عن الحجامة عثر عليها في مصر القديمة، كما يقول الدكتور ميريم عمر هوجيتش، الذي يعتبر واحدا من أهم الأطباء في جراحة الدماغ والأعصاب والعمود الفقري على مستوى أوروبا. ولا توجد أي حضارة أو ثقافة بإمكانها أن تقول إنها التي اخترعت الحجامة، بل إنها عرفت بشكل متزامن في أماكن مختلفة. ويعتقد المؤرخ البريطاني سيغاريست أن العلاج بإسالة الدم وجد تلقائيا «ريفليكس». ويعتقد الكثيرون أن عملية حك الظهر دليل على وجود أوساخ، ولكن في معظم الحالات لا تكون هناك علاقة بين الحك ووجود أوساخ، وإنما هو إحساس طبيعي، لإخراج ما تحت الجلد أو تهدئته وهو الدم. ومن هذا المنطلق فإن أكثر مكان تتجمع فيه الأوساخ هو الظهر، ولكنها أوساخ داخلية وليست خارجية، وحك الظهر دليل على أهمية الحجامة لإخراج الأوساخ الداخلية.

الدكتور ميريم، الذي يعمل رئيسا للأطباء في بعثات الحج البوسنية منذ 12 عاما، وأسهم في إعداد كتاب الحج المرجع الأساسي لحجاج البلقان، وأسهم في الإعداد لندوات دولية حول استخدام التقنيات العالية في المجالات الطبية وتطبيق التكنولوجيا الرقمية في العمليات الجراحية، هو من وضع منظومة المعلومات للكثير من مستشفيات الأعصاب، ومنها المستشفى الجامعي بسراييفو. وهو واضع جدول الطعام للمرضى الذين يعانون من العلل المزمنة والعنايات المركزة. ومتخصص في العلاج بالإبر الصينية، ومؤسس أول موقع صحي على الإنترنت في منطقة البلقان وذلك منذ 10 سنوات. وأثناء الحرب كان برتبة نقيب في الجيش البوسني، وأكسبته خبرته في إجراء العمليات الجراحية لضحايا القصف شهرة واسعة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، كما يشار إليه كأحد أمهر أطباء الحروب دوليا.

الدكتور ميريم متحمس جدا للحجامة على الطريقة الإسلامية، لعدة أسباب يشرحها لـ«الشرق الأوسط» التي سألته ابتداء عن سر اهتمامه بالحجامة وهو البروفسور المشهور المتخصص في أدق العلوم الطبية وهي جراحة الدماغ والأعصاب والعمود الفقري، فقال «جدي كان حلاقا وفي الوقت نفسه كان يمارس صنعة الحجامة التي ورثها هو الآخر عن أجداده، فقد كان الحلاقون في السابق يقومون بهذا العمل الطبي كجزء من تخصصهم، إلى جانب ذلك كانوا يقومون بخلع الأضراس والختان أيضا» وتابع «العلاج بإخراج الدم من الجسم قديم جدا، وقد اهتدى الإنسان إلى ذلك بالطبيعة. وهناك طرق كثيرة لذلك ومنها استخراج الدم بوضع العلق على الجسم ليمتص الدم من اليدين أو الظهر وغيره، وهو معروف في جميع الثقافات، أي العلاج عن طريق إخراج الدم من الجسم، وكان ذلك من الأساليب الطبية في اليونان، وكان الرومان يستخدمون العلاج نفسه الذي كتب عنه أبوقراط في القرن الرابع قبل الميلاد».

وأضاف «في القرن التاسع استخدم الأوروبيون الحجامة، نقلا عن العرب عبر الأندلس وصقلية، وقد حرمها بابا الفاتيكان في القرن الثاني عشر، مما أدخل الحلاقين في ذلك الزمان في محنة. وحرم الطب من خدمات الحجامة لتظل في إطار العمل الحرفي أي صنعة».

وعن أسباب بقاء الحجامة خارج الإطار الطبي المعترف به قال «في السابق كان الطبيب حكيما، أي كان يتعامل مع الإنسان بشكل متكامل الجسم والروح والنفس والعقل، ولذلك كانوا علماء في الدين وفي الوقت نفسه أطباء وعلماء فلك ومهندسين ورياضيين، وليس لأن العلوم تفرعت في زمننا فحسب». وضرب مثلا بعلماء المسلمين مثل ابن سينا والفارابي وابن الهيثم وابن رشد وابن خلدون وغيرهم، من الذين كانوا علماء في الدين وفي الوقت نفسه علماء في الطب والفلك وفلاسفة وغير ذلك.

وكشف عن وجود سعي من قبل عدد من العلماء في الوقت الراهن للنظر للإنسان بشكل متكامل، أي بصفته جسدا وروحا ونفسا وعقلا، «لأن هذه العناصر متشابكة وتعمل بطريقة تؤثر إحداها في الأخرى، فهناك علاقة بين الأمراض النفسية والجسدية وتأثير متبادل على بعضها البعض، والعلاج يجب أن يشمل الأمرين أو الأمور كلها، وليس فقط التركيز على جانب وإهمال الجانب الآخر الذي قد يكون السبب والعلة سواء في المرض أو الشفاء».

وقال الدكتور ميريم «اليوم تسمى أمراض كقرحة المعدة والسكتة القلبية وغيرها بالأمراض «العضونفسية»، فالقرحة يتسبب فيها القلق وعدم الأكل، والوضع العقلي والنفسي يؤثر على الجسد» وضرب مثلا على ذلك بطبيب كان يعالج مريضا من الإنفلونزا، وحصل له إرهاق وأصيب بالفيروس، فسأل نفسه هل الإرهاق وراء إصابته أم الفيروس؟.. وكانت النتيجة هي أن نقص المناعة في الجسم أدى إلى الإرهاق ومن ثم أصيب بالمرض. وقال «كطبيب لاحظت في جميع العمليات البيولوجية أنه عندما تخرج الروح من الجسد يتوقف النشاط البيولوجي والكيميائي، لذلك لا يمكن فصل الروح والجسد عن بعضهما البعض بطريقة صناعية».

وعما تختلف فيه الحجامة في الإسلام عن غيرها من الثقافات الأخرى أشار الدكتور ميريم إلى أن «الإسلام وضع ضوابط للحجامة، وأخرجها من العشوائية إلى ما يوصف حاليا بالعلمية، وقد سبق دفاع ابن سينا عن ذلك، وأنا كجراح استفدت كثيرا من الحجامة على الطريقة الإسلامية، وهي جراحة تجرى في فترات زمنية محددة وليست لها مضاعفات.. وهناك الحجامة الوقائية والحجامة العلاجية، وللأسف الشديد لا تزال الحجامة في الإطار الحرفي وليس الطبي، ونحن نبذل قصارى جهدنا على المستوى الدولي للاعتراف بالحجامة كطريقة طبية للعلاج كما هو الحال مع الإبر الصينية».

وقال إنه أجرى المئات من عمليات الحجامة بعد تلقيه دورات في المدينة المنورة داخل مركز الحجامة هناك. ولديه ملفات عن جميع الذين أجروا عمليات حجامة في عيادته الخاصة. وللبروفسور ميريم كتاب مع عالم الفيزياء ليوبو يستوفسكي سيصدر قريبا حول الحجامة، وهو ما سيقدم كوثيقة لمنظمة الصحة العالمية لاعتماد الحجامة كطريقة للعلاج الطبي العلمي. وكان قد عقد ندوة علمية هي الأولى من نوعها في أوروبا العام الماضي، شرح فيها فوائد الحجامة من الناحية الفيزيونفسية، والبيولونفسية، مستعينا بأبحاث أجريت في العالم الإسلامي لا سيما مصر وسورية.

وأعرب البروفسور ميريم عن أسفه لتأخر عرض الحجامة كطريقة في الطب، في حين تم الاعتراف بالإبر الصينية سنة 1979. فالحجامة لها فوائد كثيرة من بينها القضاء على الدهون في الدم، والكولسترول السلبي، والمساعدة في علاج الروماتيزم، والصداع، وضغط الدم، والدورة الدموية، وتقوية المناعة. كما أكد على أن الحجامة «طب تقليدي وفي الوقت نفسه جراحة صغيرة تتطلب أخذ جميع السبل الوقائية كالتعقيم وغيره كأي عملية جراحية صغيرة».