الخنجر العماني.. زينة الرجال ورمز للدولة

صناعته محلية بالكامل وقوانين مشددة للحفاظ على هويته

يعمل اليوم في صناعة الخنجر العماني نحو ثلاثمائة شخص فقط موزعين على عدد من الورش في مختلف أنحاء السلطنة («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبر الخنجر رمزا أساسيا من رموز سلطنة عمان التي تصدرت العلم الوطني وباتت جزءا من الهوية، كما أنه ليس عنصرا مكملا للزي الرسمي فحسب، بل يدل على انتماء صاحبه والمنطقة التي يتحدر منها. ولذلك يحرص العمانيون على ارتدائه، لا سيما في المناسبات الرسمية والأعراس والحفلات. ويتوارثه الأبناء عن الآباء مع حرص شديد على المحافظة على شكله وتفاصيل النقوش التي تزينه.

هذا الواقع ساعد في المحافظة على صناعة الخناجر التي استفادت من الطلب المستمر عليه من جهة ومن إدخال المكننة في جزء من التصنيع من جهة ثانية، مما قلص من الوقت الذي يتطلبه إنجاز الخنجر الواحد من نحو شهرين إلى أيام معدودات. وتبدو الهيئة العامة للصناعات الحرفية في السلطنة، منهمكة في المحافظة على هذه الصناعة من خلال تدريب وتأهيل الشباب من جهة والمحافظة على خصوصية الخنجر العماني من جهة ثانية.

يقول سليمان الهاشمي مسؤول العلاقات العامة والإعلام في الهيئة العامة للصناعات الحرفية إن بعض الصناعات الحرفية قد تعرضت لغزو صناعي، كما امتهن الكثير من الوافدين هذه الصناعات، فيما أخذ البعض الآخر في استيراد الخناجر بطريقة غير قانونية من الخارج، إذ إن قوانين السلطنة تحظر استيراد الخنجر حتى لا يتم العبث بالشكل الأساسي له. ولهذا تقوم الهيئة بتشكيل لجان متخصصة بتدريب الشباب حفاظا على هذه الصناعة ومستقبلها كما تم عام 2008 تسجيل هذا المنتج ضمن حقوق الملكية الفكرية العمانية بحيث تضمن حقوقه ويحافظ عليه. ويعمل اليوم في هذه الصناعة نحو ثلاثمائة شخص فقط موزعين على عدد من الورش في مختلف أنحاء السلطنة.

وهناك عدة أصناف من الخنجر العماني، فهناك الخنجر السعيدي أو الخنجر الطمس، وهو عبارة عن قطعة كاملة من الفضة عليها نقوش مختلفة، وهو الخنجر الذي اتخذته السلطنة شعارا للدولة. وهناك الخنجر الصوري نسبة إلى مدينة صور، والخنجر النزواني نسبة إلى ولاية نزوى، والخنجر العماني وجميعها تختلف عن بعضها بعضا لناحية النقوش أو المواد المستعملة أو شكل المقابض. ويقول سيف بن ناصر الطيواني الذي امتهن صناعة الخناجر عن أجداده في مدينة نزوى المعروفة بهذه الصناعة: «إن المميز في صناعة الخنجر أن له أجزاء عدة يتم تصنيعها كل على حدة، وكل شخص يمتهن جزءا محددا. فهناك من يقوم بحياكة الحزام، وهناك من يقوم بتصنيع المقبض، وشخص آخر يقوم بالحفر، وهكذا نجد أن ثلاثة إلى أربعة أشخاص يعملون في الخنجر الواحد».

وتتراوح تكلفة الخنجر بين مائة دولار وخمسة آلاف دولار استنادا إلى نسبة الفضة أو الذهب المستخدم، وإلى نسبة النقوش المحفورة، ونوع القرن المستعمل، أو الأحجار الكريمة، وكل ذلك بحسب الطلب. ويقول الطيواني إن الفضة تستحوذ على 70 في المائة من حجم الخنجر إجمالا، ولذلك فإن سعره يختلف باختلاف أسعار الفضة. لكنه يلفت إلى أن الطلب اليوم يتركز أكثر على الخناجر ذات التكلفة المتوسطة. ويعتبر الطيواني أن إدخال تعديلات على شكل الخنجر بدأ منذ نحو عقد تقريبا، وهذه التعديلات طالت على وجه الخصوص شكل المقبض، «كما تمت إضافة نقوش وألوان جديدة لم تكن موجودة في الخنجر سابقا. فأصبح هناك أكثر من لون، كأن نضيف على لون الجلد البني اللون الأسود أو حتى الأزرق بحسب طلب الزبون. كما يطلب البعض وضع أحجار كريمة أو أسلاك من الفضة أو الزري، وهي مادة لونها فضي أو ذهبي».

ويوضح الطيواني في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن طريقة صهر الفضة في السابق هي التي كانت تأخذ وقتا طويلا في عملية تصنيع الخنجر، إذ كانت تتم بطريقة تقليدية يدوية، بينما اليوم هناك آلات مخصصة لصهر الفضة مما قلص من الوقت الذي يحتاجه الفرد لإنجاز الخنجر من نحو شهرين إلى ما يقرب من الأسبوعين بحسب نوع النقوش المستخدمة. كما يلفت إلى أنه في الماضي كان شخص واحد يقوم بتصنيع الخنجر بجميع مراحله، بينما نجد اليوم أن هناك من يقوم بوضع النقوش فقط، وآخر بتجهيز المقبض، وهكذا يشترك ثلاثة أشخاص أو أكثر في صناعة الخنجر الواحد. ويقول إن الآلات أخذت نحو 30 في المائة من نسبة العمل في الخنجر، وما تبقى لا بد أن يتم إنجازه يدويا. لذلك لن يكون الخنجر أبدا من صنع الآلات فقط، وهذا ما سيبقيه قطعة مميزة لها قيمتها وجمالها الخاص على الدوام.

وينفي الطيواني أن تكون التغييرات التي طالت الخنجر العماني أساسية، ويقول: «النقوش تغيرت نوعا ما لكنها أخذت الهوية نفسها. فنلاحظ اليوم أن هناك نوعا من التنافس في نوعية وجمالية الخنجر المستعمل عكس ما كان في السابق. لكن الأشكال لم تخرج عن الشكل العماني المعروف، والتزيين فقط هو الذي اختلف وتنوع. كما أن بعض الإضافات التي كانت تستعمل في السابق مثل السلاسل لا نجدها اليوم على سبيل المثال، فيما الفضة باتت أكثر وضوحا واستعمالا في الخنجر حاليا. وهناك خناجر تصنع بطريقة تمكن الفرد من تغيير رأس الخنجر بحيث يستعل خنجرا واحدا ولكن بأشكال مختلفة».

وفي مقابل نجاح المسؤولين بالسلطنة في المحافظة على شكل وهوية الخنجر، أحد رموز الدولة، يبدو أن مشكلات من نوع آخر بدأت تهدد هذه الصناعة. ويقول الطيواني إن «استعمال الخنجر بدأ يقل تدريجيا في أيامنا هذه. ونجد أن كثيرا من الأشخاص باتوا يفضلون عدم ارتدائه أو حتى يتذمرون من ارتدائه، بينما في السابق كان من المعيب أن يخرج الرجل من دون الخنجر والعصا التي تعرف بالباكورة». ويشير الطيواني إلى ظاهرة لافتة بدأت في الانتشار في السنوات القليلة الماضية وهي ظهور محلات تقوم بتأجير الخناجر، فبدلا من شراء خنجر بـ200 ريال يقوم أشخاص كثر باستئجار واحد بنحو عشرة ريالات في اليوم. وهكذا نجد أن كثيرين باتوا لا يملكون خنجرا.

ويتذكر الطيواني، الذي ما زال متمسكا بمهنته ويصر على توريثها إلى أبنائه من بعده، على أنه في الماضي كان الأهل يقومون بتفصيل خناجر لصغارهم من أجل المباهاة وكان كل رجل يمتلك خنجرا، بينما شباب اليوم يفضلون عدم ارتدائه حتى في المناسبات الرسمية.