الحافلات السياحية الفاخرة تضيق الخناق على «الكوتشي» في مراكش

السياح هم من سيقررون بين «الأصيل الرومانسي» و«العصري المريح»

من مميزات حافلات النقل السياحي المكشوفة أنها مجهزة بنظام استماع فردي متعدد اللغات («الشرق الأوسط»)
TT

يلخص التنافس الشديد بين عربات النقل المجرورة بفرس واحد أو اثنين، أو ما يعرف باسم عربات «الكوتشي» (الحنطور) وحافلات النقل السياحي وسيارات الأجرة، صورة مصغرة عن طبيعة وشكل التحولات المتسارعة التي تعيش على إيقاعها مدينة مراكش، عاصمة السياحة في المغرب. وتجر عربات «الكوتشي» خلفها تاريخا، كما تتميز بشكلها الجمالي وترتبط في أذهان السياح بصوت حوافر الخيل وصهيلها، وهي تجول بركابها في شوارع ودروب وساحات المدينة، حيث لا تخلو الجولة من طابع رومانسي.

وتلبي الحافلات المكشوفة، المخصصة للنقل السياحي، رغبات السياح لزيارة الأمكنة السياحية المعروفة والمشهورة بالمدينة، وذلك عبر خطين ومدارين، هما «مراكش رومانتيك»، عبر سبع نقط للتوقف أو الانطلاق، تقود السائح عبر حدائق «ماجوريل» ومنطقة النخيل، و«مراكش مونيمانتال»، تشمل ثماني عشرة نقطة انطلاق ووصول، تقود السائح عبر أسواق المدينة وساحاتها، وصولا إلى حدائق «المنارة» و«الكتبية» و«ساحة جامع الفنا» و«قصر البديع» و«قبور السعديين» و«المامونية» و«شارع جليز».

ومن مميزات حافلات النقل السياحي المكشوفة أنها مجهزة بنظام استماع فردي متعدد اللغات يقوم على صوت رقمي من ثماني لغات، هي العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية والإيطالية واليابانية والبرتغالية. ويبلغ ثمن الجولة 130 درهما، بالنسبة للكبار، و65 درهما بالنسبة للصغار.

ولا ينظر أصحاب عربات «الكوتشي» بعين الارتياح لحافلات النقل السياحي، ولذلك تجدهم يشتكون ويتذمرون، مشددين على أنهم وجدوا أنفسهم يخوضون غمار منافسة غير متكافئة مع وسائل النقل العصرية، خاصة حافلات النقل السياحي.

ودفعت هذه المنافسة المحمومة وغير المتكافئة بأرباب عربات «الكوتشي» إلى المبادرة والتحرك، من خلال الاعتناء بعرباتهم وتزيينها، وإبراز مزايا ركوبها، مقارنة بحافلات النقل السياحي وسيارات الأجرة، مع الحرص على تعلم اللغات لتسهيل تواصلهم مع السياح، وضبط جغرافية وتاريخ المدينة، وتوزيع الابتسامة على الركاب، وذلك بشكل يعطي للجولة السياحية طابعا إنسانيا واجتماعيا خاصا، يميزهم عن الحافلات التي تقدم تاريخ المدينة ومآثرها السياحية عبر وسائط تكنولوجية باردة.

ويقول عبد اللطيف باعلي، الأمين العام لـ«الجمعية المهنية للعربات المجرورة بالخيول» بمراكش، لـ«الشرق الأوسط» إن دخول الحافلات السياحية في مجال نقل السياح، ومع الإمكانات التي تملكها، خاصة على مستوى الإعلانات والخدمات والتقنيات، التي توفرها للركاب، جعل منافستها أمرا صعبا، الشيء الذي قلص من العائد الذي يمكن أن تدره المهنة على أصحاب العربات المجرورة، وهو ما هدد مئات الأسر في مصدر عيشها الوحيد.

وأشار باعلي إلى أن عدد العربات المجرورة في مراكش يفوق 150 عربة، أي ما يمثل دخل أكثر من 300 أسرة، مشددا على أن «القيمة التاريخية والحضارية للعربات المجرورة تتطلب دعم الجهات الحكومية»، مبرزا أن عربات «الكوتشي» تبقى موروثا حضاريا وجزءا من ذاكرة المدينة الحمراء ينبغي الاعتناء به والدفاع عنه.

وتوسع باعلي في الحديث عن تاريخ عربات «الكوتشي»، فقال إنه يرجع إلى أكثر من 250 سنة، مشددا على أن «أرباب العربات المجرورة، الذين حافظوا على هذا الموروث التاريخي والحضاري، على مدى عقود طويلة، وجدوا، في عز الازدهار السياحي الذي تعرفه المدينة الحمراء، ما ظلوا يحلمون به من خير ذهب أدراج الرياح، فقد استفادت وحدها من عائدات الطفرة السياحية، ولم تترك لأرباب العربات التقليدية إلا الفتات».

ولاحظ باعلي أن «الطاقة الاستيعابية الخاصة بكل حافلة من حافلات النقل السياحي تجعلها تحصل على ما يعادل دخل ثلاثين عربة مجرورة في جولة واحدة»، مؤكدا أن «الغلاء، الذي طال الأعلاف، ومتطلبات الاعتناء بنحو 700 فرس، جعل هامش الربح يضيق أكثر فأكثر»، مبديا تبرمه من «بعض الشكاوى المجانية أو الملفقة» التي يرفعها ضدهم بعض السياح المغاربة والأجانب، إلى السلطات المحلية.

وكانت السلطات المحلية بمدينة مراكش حددت أثمان الجولات على متن عربات «الكوتشي»، انطلاقا من ساحة جامع الفنا، في ثمن يتراوح بين 20 و70 درهما (ما يعادل دولارين ونصف دولار، وتسعة دولارات)، وذلك حسب الوجهة، كأن يؤدي الراكب 20 درهما للتوجه نحو «باب دكالة» أو «باب أغمات»، و30 درهما للتوجه نحو «قصر البديع» و«قصر الباهية» و«قبور السعديين»، مثلا. أما الجولة السياحية فتم تحديد ثمنها في 90 درهما، سواء أكان الراكب فردا واحدا أو مجموعة من ثلاثة أو أربعة أفراد.