لوحات تشكيلية تباع في مراكش كالمأكولات والجلديات والأواني الخزفية

«رسامون» يقدمون لوحاتهم بأسعار زهيدة من أجل متعة بصرية رخيصة

معروضات فنية بأحد حوانيت بيع اللوحات التشكيلية بساحة جامع الفنا بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

هناك من عشاق الفن التشكيلي العالمي مَن يستهويه اقتناء لوحة للإسباني بابلو بيكاسو أو الفرنسي هنري ماتيس أو الهولندي فان غوخ، فيدفع ثمنا لها ملايين الدولارات، قبل أن تنتهي معلقة على هذا الجدار أو ذاك، في هذا القصر أو ذلك المتحف، ما دام منطق الأشياء يقول إن الذي يدفع الملايين لاقتناء لوحة لن يسكن إلا قصرا يساوي الملايين، أو هيئة تمتلك متحفا موجوداته تقدر بعشرات الملايين.

الوضع مختلف، في مدينة مراكش، عاصمة الجنوب المغربي، حيث محلات وحوانيت بيع اللوحات التشكيلية أكثر من أن تحصى. فهنا، لم يعد شرطا أن يكون عاشق الفن التشكيلي ثريا لكي يقتني لوحة تشكيلية. وتتجاور، في محيط ساحة جامع الفنا الشهيرة، محلات وحوانيت، يمكن أن تجد فيها الأواني الخزفية والمصنوعات الجلدية والأثواب التقليدية وأشكال المأكولات والمشروبات، كما يمكنك أن تساوم على لوحة تملأ العين في انتظار أن تغطي جانبا من حائط بيتك.

وعلى الرغم من أنه يصعب على من لا يتذوق الفن أن يتفهم كيف يدفع أحدهم ملايين الدولارات ثمنا للوحة ملونة، فقط، لكي يعلقها في صالون أو على جدران غرفة نومه، فإن «نزول» الفن التشكيلي إلى الأزقة ودروب المدينة العتيقة وعرض اللوحات في محلات تتجاور مع محلات بيع المصنوعات الجلدية والألبسة التقليدية، مكن الكثيرين من فرصة تزيين بيوتهم بأعمال تشكيلية، حتى وإن بدا الفارق بينها وبين أعمال أمثال بيكاسو وفان غوخ في بُعْد السماء عن الأرض.

وإذا كان بعض مقتني اللوحات يفعلون ذلك عشقا في الفن، فإن بعض الفنانين يريدون للوحاتهم أكثر من فتنة الديكور. ويمكن التمثيل لذلك بلوحة «البيت المقبرة» لبيكاسو التي تذكّر بالحرب الأهلية الإسبانية، والتي ينقل فيها صاحبها بشاعة الحرب وقسوتها والخراب الذي تخلفه وراءها. وكان نُقل عن بيكاسو قوله «إن اللوحات لا ترسم من أجل تزيين المساكن، إنها أداة للحرب ضد الوحشية والظلمات». وما بين عشق المقتنين ورغبة الفنانين، يتفق الجميع على أن الحياة لا تدبّ في اللوحة إلا إذا عُلقت على الجدران.

وداخل محل لبيع اللوحات بجامع الفنا، أغرق سائح عينيه في لوحة خرج من مشاهدتها بجملة إنجليزية تتضمن مفردتين تذكران «مراكش» و«تشرشل». وعرف عن ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني السابق، حبه للرسم. وكان من آخر اللوحات التي رسمها لوحة «مراكش» التي أهداها لاحقا لابنة الرئيس الأميركي السابق هاري ترومان عام 1951. و«مراكش» لوحة مرسومة بالألوان الزيتية تصور مشهدا لجبال الأطلس كخلفية لأحد أبواب المدينة الحمراء.

عبد الله الشنتوفي، وهو بائع لوحات بأحد محلات ساحة جامع الفنا، قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن زبائن المحل يميلون إلى اللوحات التي تتناول مواضيع الفروسية التقليدية أو تصور صومعة الكتبية أو تنقل للقصبات المغربية أو الفولكلور. أي أنها تبقى، في غالب الأحيان، لوحات تذكارية تركز على ألوان المدينة وغروب الشمس قبل القيمة الفنية. وهو ما يعني أن تناسق اللوحة مع صالون البيت من ناحية الديكور يبقى هو الهدف والغاية الأولى بالنسبة لمعظم الزبائن».

وأضاف الشنتوفي أنه يتعامل مع نحو 25 رساما في المدينة. وجوابا على سؤال عما إذا كان من يتعامل معهم من الرسامين يعتبرون أنفسهم فنانين أم مجرد «صناع تقليديين (صنايعية)»، خصوصا وأن هناك من يقنع منهم ببيع لوحته بـ5 دولارات، أو أن يرسم بناء على طلب محدد ومسبق، يتناول الألوان والموضوع، قال الشنتوفي «إن الرسم يبقى فنا، وهؤلاء الرسامون يعتبرون أنفسهم فنانين، حتى ولو بدا الفارق بينهم وبين الفنانين العالميين كبيرا وشاسعا».

وعن علاقة الرسم بالبيع، وإن كان بيع اللوحات يتطلب من البائع حدا أدنى من المعرفة بالفن، قال هشام لحسيكي، الذي يدير محلا مجاورا لبيع اللوحات، لـ«الشرق الأوسط»: «إن بيع اللوحات يتطلب خلفية فنية. فإذا كان الفنان ينطلق من حس فني بالريشة، فإن البيع يتطلب من البائع حسا فنيا بالتجارة. وبالتالي فلا بد من أرضية فنية للتعامل والتواصل والتفاهم بين الرسام والبائع، من جهة، والبائع والمشتري، من جهة ثانية».

وعن علاقة اللوحات، التي يعرضها للبيع، بالديكور المنزلي، قال لحسيكي إن «هناك من الزبائن من يفتقر إلى الحس الفني العالي، ولذا يتعامل مع اللوحة كديكور، أو كأثاث يزين بيته، في انتظار أن يتفجر في داخله عشق للألوان ولموضوع اللوحة، فيتحول من مرحلة الديكور إلى لحظة التذوق الفني. وهناك، بالمقابل، زبائن يتميزون بدرجة عالية من التذوق الفني، وتجدهم مستعدين لدفع ثمن اللوحة دون مساومة بعكس النموذج الأول الذي يساوم على ثمن اللوحة كما لو أنه يشتري حذاء تقليديا أو فواكه جافة».

وحول الأثمان، يذكر الشنتوفي أن «أسعار اللوحات تتراوح بين 5 و100 دولار»، في حين ترك لحسيكي ذلك لمنطق البيع والشراء، معترفا بأنه زاول مهنا عديدة قبل أن يستقر به الحال في محل بيع اللوحات التشكيلية. وجوابا عن سؤال تناول الفارق بين بيع اللوحات وبيع الزّرابي (السجاد) والتوابل والأحذية التقليدية، قال لحسيكي: «المهم هو راحة بالك كبائع، حيثما كنت. المهم هو أن تضمن رزق يومك».

في هذه الأثناء، سأل أحد زبائن المحل عن ثمن لوحة تصور عالم ساحة جامع الفنا. في البداية، طلب لحسيكي مبلغ 800 درهم (70 دولارا)، فاقترح الزبون 300 درهم (25 دولارا). ورغم أن البائع خفض الثمن إلى 500 درهم (40 دولارا) فإن الزبون ظل مصرا على الثمن الذي عرضه في البداية، قبل أن يواصل جولته بين باقي المحلات والحوانيت المجاورة.