العام الدراسي يؤجج رعب الأسر المصرية من إنفلونزا الخنازير

البعض فضل متابعة الدراسة في المنزل

الخوف من انفلونزا الخنازير فرض إجراءات وقائية لدى المصريين («الشرق الاوسط»)
TT

بعد جدل محموم جلدت فيه نفسها بأسئلة معقدة بلا إجابات حسمت وفاء حيرتها وقررت إعفاء طفلها الوحيد زياد (6) سنوات من الذهاب إلى المدرسة هذا العام، فالخطر يدق الأبواب بقوة وإنفلونزا الخنازير لا تفرق بين صغير وكبير. الشعور المؤقت بالراحة والأمان عززته وفاء (35) عاما، موظفة بأحد قطاعات وزارة الثقافة، بخطوة، اعتبرها كثيرون ضربا من الجنون، فقد أخذت وفاء إجازة من عملها لمدة عام لرعاية طفلها، وحتى ينقشع غبار هذه الكارثة قررت أيضا أن تعوضه دراسيا، وتتحول إلى مُدَرسة خصوصية، تذاكر له منهج هذا العام الدراسي، وتختبر قدراته، وتقيم له الامتحانات في المنزل.

لا تخفي وفاء سعادتها بقرارها المباغت وتقول: «زياد طفلي الوحيد، وهو هبة من الله سبحانه، بعد معاناتنا أنا وزوجي على مدار عشر سنوات، ولو تركته يذهب إلى المدرسة وسط ظروف وتداعيات هذا الوباء اللعين، لن يهدأ لي بال، بل سأجن بالفعل من الخوف عليه».

تتابع وفاء وكأنها تهمس إلى نفسها «على الرغم من أنه التحق بمدرسة خاصة، إلا أن قلبي لن يطمئن، ففيروس إنفلونزا الخنازير، وكما يقول المختصون ينتشر في الهواء، على عكس فيروس إنفلونزا الطيور الذي يأتي من التعامل مع الطيور بشكل مباشر.. أنا حزينة وخائفة، لكن الحمد لله بالي ارتاح أخيرا». أما زوج وفاء «طارق»، محاسب بأحد البنوك، فهو الأوفر حظا، وربما الأكثر سعادة بقرار زوجته، فقد ضمن استقرارا منزليا طالما حلم به، ولم يعد يقلقه تلقي اتصال هاتفي مباغت بضرورة الذهاب فورا إلى المنزل، واستقبال ابنه زياد لدى عودته من الحضانة، أو حين يفاجأ بسفر زوجته المربك في مهمة عمل بإحدى المحافظات، والأجمل من كل هذا تناول وجبة الإفطار معا، فهو يخرج إلى عمله مبكرا قبلها بنحو ساعتين.. يقول طارق: «سعدت بقرار زوجتي، وأرى أنه قرار صائب جدا، فلا شيء مضمونا بعد انتشار فيروس إنفلونزا الخنازير بشكل مرعب، وما يثير الرعب أكثر تصريحات المسؤولين نفسها، وعدم توافر المصل الواقي بالشكل الكافي، ناهيك عن أوضاع المستشفيات المتردية».

سألته: لكن لو اتبع الجميع هذا الحل ستغلق المدارس.. يضحك طارق ويجيب بنبرة حماس: «حين فكرت في الأمر مليا، وجدت أن زوجتي أهدت الحكومة أحد الحلول السحرية للوقاية من هذه الكارثة.. فماذا لو وزعت الحكومة الكتب الدراسية على شريحة معينة من التلاميذ، وليكن تلاميذ المرحلتين التمهيدية والابتدائية، وتتم الدراسة منزليا خلال هذا العام، وتجري الامتحانات لهم بشكل رسمي في المدارس آخر العام.. تصور كم التكاليف والمصاريف التي ستوفرها الحكومة من جراء ذلك، وعلى فكره المدرسون لن يضاروا، بل ستنشط الدروس الخصوصية».

اقتراح طارق برغم دوافعه الشخصية، لا يخلو من ميزة واقعية بخاصة وسط حالة الهلع والارتباك، وتضارب الآراء والمقترحات، والحيرة التي تعم المجتمع والمسؤولين أنفسهم، حتى أن بعض المحافظات قررت تقليص الدراسة إلى ثلاثة أيام أسبوعيا، وكذلك تصريحات وزير الصحة المصري دكتور حاتم الجبلي، عن معايير إغلاق المدارس على مستوى المحافظات والدولة بسبب إنفلونزا الخنازير والتي حددها «بأن يصل عدد المصابين بالتهاب رئوي في المستشفيات إلى ما بين 5 أو 10 في المائة من مجموع المصابين بالإنفلونزا، وأن يبلغ عدد حالات الوفاة 2% منهم». أما إذا حدثت إصابة أو اثنتان في الفصل الواحد، فأكد الوزير أنه «سيتم إغلاق الفصل لمدة أسبوعين. لكن إذا ظهرت إصابة أو أكثر في عدد من الفصول فسيتم إغلاق المدرسة بالكامل لمدة أسبوعين». تصريحات الوزير برغم موضوعيتها، بالإضافة لتصريحات مسؤولين آخرين في مقدمتهم وزير التربية والتعليم الدكتور يسري الجمل عن «خطط لمواجهة الوباء في المدارس، والتنسيق مع مديريات الصحة، لتوزيع الملصقات والحقائب الإرشادية في المدارس، والكمامات الواقية على التلاميذ» لم تستطع أن تُرتق فجوة القلق والهلع التي باتت تتسع يوما بعد آخر لدى الأسر المصرية، على مختلف طبقاتها ومشاربها. في قلب هذا المشهد تصب حالة «انتصار» فهي أم لثلاثة أولاد، كلهم في مدراس حكومية، اثنان في المرحلة الابتدائية، والابنة الكبرى في المرحة الإعدادية.. تقول انتصار وهي موظفة في إدارة حكومية: «أين أذهب بأولادي، محمد الصغير أصيب منذ عدة أيام برشح وارتفاع حاد في درجة الحرارة، كدت أصاب بالشلل أنا وزوجي من الخوف والرعب، هرعنا به إلى المستشفى العام بمدينة الشيخ زايد، لكن الحمد الله ربنا ستر وطلعت إنفلونزا عادية».

وبالرغم من ذلك لا تحبذ انتصار فكرة عدم ذهاب أولادها إلى المدرسة خوفا من إنفلونزا الخنازير وتضيف «إحنا ما بنصدق إن الأولاد يجتازوا سنة من مراحل تعليمهم.. أكثر من نصف دخلي أنا وزوجي بيروح على مدارسهم والدروس الخصوصية.. ظروف الحياة صعبة وضغوطها في ازدياد مستمر.. لو قعد الأولاد في البيت مين هيرعاهم، لا أنا ولا أبوهم نقدر نستغنى عن العمل.. في الاجازة بيقعدوا شوية عند جدهم في الإسماعيلية، وبتمشي الأمور، لكن صعب ألا يذهبوا إلى المدارس».

ما يطمئن «انتصار» تصريحات المختصين بأن فيروس إنفلونزا الخنازير هش، وعلاجه سهل، وكفاءة اللقاح تصل إلى 98 %، وكذلك البيانات الأخيرة لوزارة الصحة والتي تشير إلى ارتفاع طفيف في معدل الإصابة بإنفلونزا الخنازير، حيث بلغ عدد الإصابات 932 حالة، شفي منها 905 حالات، باستثناء 27 حالة لا تزال تحت العلاج، وتوفيت حالتان فقط بسبب الفيروس.. لكن طه إبراهيم (45) عاما، يعمل مدرسا بإحدى المدارس الحكومية يرى أن خطط الوقاية من الأمراض في المدارس لا يجب أن تقتصر على إنفلونزا الخنازير، بل يجب أن تكون شاملة ومستديمة، يقول طه: «عملت حتى الآن في 5 مدارس حكومية، كلها تفتقر إلى الرعاية الصحية، ونادرا ما تجد بها صيدلية للطوارئ، وإن وجدت فهي فقيرة، خالية حتى من مواد الإسعافات الأولية، كما أن وجود وحدة صحية بها طبيب وممرض بالمدرسة يقتصر في الغالب الأعم، على بعض المدارس الكبيرة».

ولا يخفي طه، معلم الأجيال خوفه من وباء إنفلونزا الخنازير، ويقول: بالرغم من أن اثنين من أولادي يدرسان بالمدرسة التي أعمل بها، إلى أن القلق سيظل يلازمني طيلة تواجدهما بالمدرسة، خاصة أن هذا الفيروس ينتشر في الهواء، والعدوى به تتم عن طريق الرزاز.. أما ابني الطالب بالجامعة فقلقي عليه أقل لأنه كبير، وواع، ويعرف كيف يحافظ على نفسه من التعرض للعدوى بالمرض».

وعلى غرار «شر البلية ما يضحك».. يقول «علي» وهو طالب بالمرحلة الثانوية: «وعدني والدي بأن هدية نجاحي، ستكون «لاب توب» وكاميرا ديجيتال، لكنه، لظروف ما، لم يوف بوعده، وذات يوم ارتفعت درجة حرارتي بشكل مفاجئ، مع إسهال وكحة ناشفة، وبالرغم من الأدوية أبت الحرارة أن تهبط، وما كان من أبي إلا أن أسرع بي إلى المستسقى، ووسط حالة الحنان والقلق التي شملني بها الأهل والأصدقاء، وفي غمار تماثلي للشفاء من الإصابة بالفيروس داعبت أبي، وقلت له أمام الجميع «لو كنت وفيت بوعدك، مكانش ده حصلي»، وبعد خروجي إلى المنزل، فوجئت بوالدي يهديني «اللاب توب»، ويمازحني قائلا: أما الكاميرا الديجيتال فلها حرارة أخرى.. حمد الله على سلامتك يا بطل».