كهف الهوتة.. منحوتة في قلب الطبيعة في عمان

به أنواع نادرة من العناكب والأسماك العمياء

يقدم الكهف لزواره تجربة أشبه بمغامرة استكشاف منحوتة في قلب الطبيعة («الشرق الأوسط»)
TT

كثيرة هي القصص التي تحكى عن كهف الهوتة في سلطنة عمان، إحدى روائع الطبيعة العمانية المفتوح أمام الزوار منذ ثلاثة أعوام تقريبا. يقدم الكهف لزواره تجربة أشبه بمغامرة استكشاف منحوتة في قلب الطبيعة. وقد نسج السكان المحليون منذ مئات السنين حوله الأساطير بسبب غرابة الأشكال بداخله، وكثرة الخفافيش والعناكب ذات الـ8 عيون، والأسماك العمياء التي تعيش في داخله. ويقع الكهف في قرية الهوتة في المنطقة الداخلية في عمان وهو يبعد قرابة ساعتين عن العاصمة مسقط ونحو نصف ساعة عن مدينة نزوى. وهو يتوسط منطقة صخرية بالكامل، فالأودية والجبال الصخرية تحيط بالزائر من كل جهة وهو في طريقه إلى باب الكهف. يضفي هذا الأمر نوعا من الرهبة والقساوة على المكان، لكنه يظل عنصرا مكملا للتجربة التي يقدمها الكهف.

يمتد هذا الكهف مسافة 5 كيلو مترات تحت الأرض، غير أن المسافة التي يمكن الدخول إليها هي 860 مترا فقط، تبدأ من بعدها البحيرة، التي تمتد لمسافة تصل إلى 5 كيلو مترات، وتتطلب لاجتيازها تجهيزات خاصة، لذا يمنع على الجميع دخولها. فالصخور قريبة جدا من سطح المياه في أماكن عدة، وعمق المياه يصل إلى 20 مترا، وهناك أجزاء أعمق من ذلك. وهي بالتالي غير مفتوحة أمام الزوار.

الرحلة إلى الكهف تبدأ بقطار يقل الزوار من منطقة الاستقبال إلى فم الكهف في رحلة تقترب من 5 دقائق بين الجبال والوديان الصخرية، لنتابع من بعدها الرحلة في الداخل مشيا على الأقدام باتجاه دائري يقودنا للخروج من المدخل نفسه مرة أخرى. وهي تستغرق نحو 40 دقيقة. وفور الوصول إلى الكهف تشعر بأن الهواء بدأ يتغير، ويصبح ثقيلا بفعل الرطوبة في الداخل، لتشتم من بعدها رائحة المكان العتيقة، وتسمع أصداء لوقع الأقدام. وعلى الفور يوجه المرشد السياحي الأنظار إليه معلنا بدء الجولة داخل كهف الهوتة. تعتبر «الصواعد والهوابط» من الخصائص الطاغية على الكهف، والأكثر جذبا للأنظار هي الأعمدة الصاعدة. وتخال وأنت تمشي على الجسور والممرات الإسمنتية والأدراج التي تم شقها داخل الكهف، وكأنك تمشي في مدينة تحيط بك مبان صخرية من كل جانب. إحدى هذه الصخور على شكل رأس أسد «من هنا اخترنا الأسد شعارا للكهف» يقول المرشد السياحي، وسريعا أشار إلى صخرة أخرى على شكل رجل طاعن في السن. وإذا أردت أن تمعن النظر أكثر وتطلق العنان لمخيلتك؛ فستجد الكثير من الصور في كل مكان وزاوية. ولإبراز معالم الكهف أكثر أدخل نظام إلكتروني للإضاءة والصوتيات على تشكيلات الصخور المختلفة، مما أضاف على الجو الساحر داخل الكهف. وداخل الكهف هناك الكثير من الخفافيش. ويوضح المرشد السياحي أن «الذي يميز الكهف أيضا وجود نوع نادر من العناكب ذات 8 عيون و8 أرجل. هذه العناكب قليلة الوجود اليوم، ومن يحب أن يراها فعلا بإمكانه الذهاب إلى متحف الكهف». كن متأكدا أنه من الصعب مغادرة الكهف من دون أن ترى هذه العناكب. في نهاية الجولة تصل إلى بحيرة الكهف، وفيها نوع نادر من الأسماك العمياء، شأنها في ذلك شأن معظم الأسماك التي تعيش في الكهوف. وهي ذات لون شفاف لدرجة يمكن معها رؤية الهيكل العظمي لتلك الأسماك الصغيرة. بعضها تظهر من دون أعين، ولكنها تملك شعيرات طويلة لتلتمس الطعام، وبعضها الآخر تملك عيونا صغيرة جدا. وأسماك الكهف كغيرها من الأنواع التي تقطن الكهوف تكون شاحبة، وأجسادها تفتقد للألوان نتيجة عيشها في بيئة مظلمة أو إضاءتها خفيفة. وتعتبر هذه الأسماك نجوم الكهف، التي يتطلع كل الزوار إلى رؤيتها، والتدقيق في تفاصيلها على الرغم من أنها صغيرة جدا. في الكهف فتحتان يدخل من إحداهما ماء الوادي المتحدر من أعلى الجبل، وتسمى هذه بـ(الهوتة)، أما الأخرى (الفلاح) فيخرج الماء عبرها بعد توغله داخل أروقة الكهف ودهاليزه المتصلة. كما يتميز الكهف بدرجة حرارته المعتدلة، والناتجة من تنفس الكهف لتيارات الهواء الخارجي عبر فتحتيه، مرورا بالبحيرة الواقعة في منتصفه. ولكن هذا لا يمنع من وصول درجة الرطوبة إلى حدود 90% ولاسيما في فصل الصيف، الأمر الذي قد يمنع العديد من السائحين من التمتع بزيارته إذا كانوا يعانون مشكلات في التنفس. ويستخدم حاليا في الكهف نظام لضخ المياه لموازنة مستوى سطح الماء داخله للحؤول دون أن تغطي المياه أجزاء كبيرة منه، ولا سيما في موسم الأمطار. لا يسمح بالتصوير داخل الكهف حفاظا على الحياة الطبيعية داخله، فلا يبقى أمام الزوار إلا شراء البطاقات البريدية التي تباع في متجر الكهف وتحمل صورا رائعة لمكان جدير بالزيارة.

وبسبب وجود كهف الهوتة في مكان بعيد عن المدينة (يبعد نحو 35 دقيقة عن أقرب مدينة وهي نزوى) تم تصميم هذا الموقع السياحي كمجمع يحتوي على مطعم (زجل) يقدم بوفيه منوع، وعلى مقهى (الهوتة). كما تفرض إدارة الكهف الحجز مسبقا بهدف تنظيم الأعداد الوافدة من السائحين والمقيمين، وتجنبا لأي ازدحام ونظرا لضيق المكان في الداخل يتم تقسيم الزوار على مجموعات لا يتجاوز عدد الواحدة الـ 15 شخصا.