بعد السينما.. السعوديون يعبرون إلى البحرين من أجل الكتاب

وزارة الثقافة والإعلام لـ «الشرق الأوسط»: خففنا الإجراءات ولا مشكلة مع الكتب الشخصية

المكتبات في البحرين أصبحت عامل جذب للسعوديين يقصدونها لشراء الكتب المتوفرة فيها (تصوير: هادي فقيهي)
TT

ارتبطت البحرين في ذاكرة الشباب السعوديين بالسينما. ففي الوقت الذي لا توجد دور للسينما في بلادهم لا يبدو الطريق أمام تحقيق هذه الرغبة لدى هواة الفن السابع أمرا عسيرا، فالمسافة بين الرغبة وتحقيقها في هذه الحالة ليست سوى 25 كيلو مترا هي طول جسر الملك فهد الذي يربط بين السعودية والبحرين مع قليل من الصبر في انتظار طوابير الواقفين أمام بوابات العبور. حيث يشهد هذا الجسر حركة كثيفة جدا تصل إلى 90 ألف سيارة يوميا في مواسم الأعياد. الصورة النمطية التي تتشكل في ذاكرة المجتمع حول العابرين إلى البحرين تتلخص في متابعة العروض السينمائية والتي تحظى بإقبال كبير من السياح السعوديين الراغبين في كسر حاجز الفضول حول عالم السينما الذي يمثل قضية جدلية بين مختلف التيارات الفكرية في السعودية. إلى جانب تصور آخر يبرز اختلاف درجة الانفتاح بين البلدين على أنه دافع لهؤلاء العابرين بصورة متكررة للبحث عن اللذة في صور عدة. بينما يعتبر تصور ثالث أن الطابع الاجتماعي الأقل حدة في البحرين يمثل بيئة جاذبة للبعض لزيارة البلد بصورة متكررة وربما قد يدفع بالكثير إلى اتخاذ قرار بالعيش في البحرين. غير أن هذه الصورة النمطية لا تعبر بالضرورة عن الدوافع المختلفة التي تجعل من البحرين البلد التي تصغر السعودية مساحة بقرابة ثلاثة آلاف مرة مقصدا لعشرات الآلاف من السعوديين في نهاية كل أسبوع وفي مواسم الإجازات والأعياد. فإلى جانب السينما والطابع الاجتماعي والثقافي المختلف برهنت الفعاليات الثقافية التي تشهدها البحرين هذه الفترة ومن أهمها مهرجان الأيام الثقافي على أن الفعاليات الثقافية تجد نصيبا كبيرا من الإقبال ولها جمهورها الذين يعبرون إلى البحرين بحثا عن معرض كتاب أو مكتبة أو مسرحية أو فرق الموسيقى العالمية. ويقول مشاري الغامدي وهو من مرتادي المكتبة الوطنية في البحرين بصورة متكررة إن الكتاب يعتبر بالنسبة له مقصدا أساسيا في أي زيارة يقوم بها إلى هذه الجزيرة. حيث يشير إلى أن اختلاف سياسة الرقابة على النشر لدى البحرين عن ما هو معمول به في السعودية يسمح بهامش أكبر من الحرية في العثور على عناوين لم يكتب لها أن تفسح من قبل الرقيب. مبينا أن اختلاف الخطوط الحمراء بين المؤسستين الرقابيتين في البحرين والسعودية يعطي للمثقفين أمثاله فرصة العثور على كتب لم يجدها في المكتبات السعودية. ويضيف الغامدي قائلا «في المرة الأخيرة قمت بشراء مجموعة «مدن الملح» لعبد الرحمن بن منيف والتي لا تباع في المكتبات السعودية، بالرغم من السماح ببيعها في معرض الكتاب الأخير الذي أقيم في مارس (آذار) من هذا العام في مدينة الرياض إضافة إلى العديد من الروايات والكتب التاريخية التي لا أجدها سوى في هذا المكان».

ويوافقه في الأمر السيد فاروق عبيد مدير المكتبة الوطنية بالبحرين والذي يقر بأن الرقابة هي كلمة السر في إقبال السعوديين على مجموعة من الكتب التي توفرها مكتبته. حيث يرى أن تأخر إجراءات فسح أي كتاب في السعودية مع وجود هالة إعلامية حوله يصنع له سوقا رائجا لدينا بصورة دراماتيكية. ويستشهد في ذلك برواية «بنات الرياض» التي تم فسحها رقابيا في البحرين قبل أن يتم هذا الأمر في السعودية مما مكنهم من بيع آلاف النسخ منها قبل أن تصبح متاحة في المكتبات السعودية. ويؤكد فاروق أن المؤسسات الثقافية البحرينية لا تقبل بأي منتج ثقافي معاد للسعودية أو مشوه لصورتها فهذا خط أحمر بالنسبة لهم، غير أن اختلاف السياسات الرقابية بين البلدين أيضا يحدث فرقا فيما هو متوفر في السوق السعودي ونظيره البحريني. مشيرا إلى أن كل ما في الأمر هو عملية الإجراء الرقابي وليست السياسة ذاتها. فهو لا يعتقد أن هامش الحرية مختلف بصورة كبيرة عما هو موجودة في السعودية ولكن الأمر يتعلق بأن إجراءات الرقابة والفسح لدى البحرين أقل تعقيدا مما هو موجود في السعودية. من جانبه يعلق الدكتور عبد الرحمن الهزاع المتحدث الرسمي باسم وزارة الإعلام والثقافة السعودية على هذا الأمر بإشارته إلى أن الفترة الأخيرة شهدت تعاملا أقل صرامة من قبل مكاتب الوزارة في المنافذ البحرية والبرية والجوية في ما يتعلق بمسألة الكتب التي يجلبها السياح معهم أثناء عودتهم، قائلا «الكتب التي تجلب من أجل الاستخدام الشخصي وليس التجاري ولا تحمل عناوين صارخة لا مشكلة لدينا معها»، معتبرا أن ثالوث الدين والسياسة وثقافة المجتمع هي خط أحمر يحول دون السماح بدخول هذه الكتب. معتبرا أنه «ليس من رفع سقف الحرية أن نسمح بتداول كل ما هو خادش لثوابتنا».

وعلى عتبات مركز البحرين الدولي للمعارض بضاحية السيف والذي يستضيف هذه الأيام معرض الأيام للبحرين ضمن فعاليات مهرجان الأيام الثقافي السابع عشر بدا جليا من خلال لوحات السيارة المصطفة في مواقف المعرض أن السعوديون سجلوا حضورهم وبكثافة في هذه الظاهرة الثقافية كما هو حضورهم في دور السينما على الجانب الآخر مباشرة من الطريق السريع في وسط ضاحية السيف بالمنامة. ومن داخل المعرض يقول خالد الزهراني إن حضوره لهذا المعرض يأتي للمرة الرابعة على التوالي حيث يرتبط في ذاكرته بأيام جميلة قضاها مع زملاء في هذا المكان. ويعتبر الزهراني أن سقف الحرية لم يعد هو الدافع الأساسي بالنسبة له لحضور المعرض بعد أن شهد معرض الكتاب الدولي بالرياض في موسمه الأخير سقوطا للكثير من الخطوط الحمراء على حد قوله غير أن العلاقة الثقافية التي تجمعه بالبحرين من خلال معارض الكتاب والمسرح البحريني وحفلات الموسيقى العالمية كلها عوامل تجعل زياراته المتكررة للبحرين رحلة من أجل الثقافة. معتبرا أن الفعاليات الثقافية في السعودية من الممكن أن تكون أكثر جاذبية للمثقفين باختلاف هواياتهم إذا نجت من عامل الرقابة الشعبية لدى بعض الأوصياء كما يصفهم بأنهم خطر أكبر من عامل الرقابة الرسمية الذي يرى أنه تغير كثيرا خلال الفترة الأخيرة بينما ظل الأوصياء على خطوطهم الحمراء متمرسين بشكل أكثر صلابة. وحول نوعية الكتب التي يقبل عليها السعوديون في معرض الأيام يقول أحمد شريف وهو بائع مصري في إحدى الدور المشاركة في المعرض إن الروايات وخصوصا تلك التي تتناول طرحا مثيرا وجديدا على القارئ السعودي هي المطلب الأول لزوار المعرض، مبينا أن العناوين التي تتضمن اسم السعودية أو تقترب من مواضيع تمس خصوصيات المجتمع السعودي تجد طريقها مباشرة إلى سلة التسوق لدى الزائرين السعوديين. مشيرا إلى أن دور النشر التي تعرض كتبا لم تفسح رقابيا في السعودية تحظى بإقـبال أوسع من غيرها.