شبان سوريون يحترفون مهنة الصدف والفخاريات اليدوية

عليها تصاميم جديدة وخطوط وعبارات تراثية

الشاب علي كركوش.. حِرفي الحفر على الصدف («الشرق الأوسط»)
TT

يعمل عدد من الشباب السوريين الذين يمتلكون الهواية والصبر وطول البال على تحويل الصدف البحري والنهري إلى أعمال فنية يدوية ذات أشكال متنوعة يمكن الاستفادة منها في تزيين المنازل والأماكن العامة. ويعمل بعض هؤلاء أيضا على تطوير حرفة الفخاريات ـ يدويا أيضا ـ ليقدموا أشكالا جديدة مستوحاة من التراث العربي والإسلامي والفلكلور السوري.

وحاليا لا يتأخر هؤلاء عن تلبية أي دعوة للمشاركة في معرض سياحي أو تراثي هنا، بل يبادرون إلى الأجنحة لعرض منتجاتهم اليدوية في المهرجانات والمعارض التي تنظمها معظم المدن السورية سنويا، وبشكل دوري. وكثيرا ما يشاركون في معارض خارج سورية، في حال وجهت إليهم دعوات.

أحد هؤلاء الشبان، وهو يمتلك ويدير ورشة صغيرة في مدينة اللاذقية على شاطئ المتوسط، يقول: «العمل اليدوي، رغم صعوبته وضعف المردود المادي منه، يحقق لنا استقلالية اقتصادية عن أسرنا، وكذلك يساعدنا على تكوين شخصية عملية منتجة في مجتمعاتنا، لا سيما أن المواد الأولية من صدف بحري ونهري وتراب وغيرها متوفرة في بلدنا.. فلماذا لا نعمل على الاستفادة منها جماليا وتراثيا؟».

إلى ذلك، تحدث الشاب علي كركوش لـ«الشرق الأوسط»، الذي يمتلك ورشة للتصديف اليدوي على الخشب في مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري، وورشة ثانية مع والده في منطقة برزة بالعاصمة السورية دمشق، فقال: «مهنة التصديف والفخار قديمة وتراثية، لكننا نعمل حاليا منذ أربع سنوات فقط كجيل شاب على تطوير هذه الحرفة بتصميم نماذج جديدة، منها نماذج كبيرة الحجم، مثل الشلالات الفخارية التي تتضمن في داخلها ناعورة تدور على غرار (نواعير حماه) الشهيرة.. وهذه أسعارها مرتفعة نسبيا، كونها تستخدم في البيوت الواسعة والفيلات كمنظر جمالي، ولترطيب الجو داخل هذه البيوت والفيلات. وهناك الصدفيات الطبيعية ذات الألوان والمصادر المختلفة.. فمنها ما هو مستخرج من البحر، ومنها ما كان مصدره نهر الفرات. ومن الأشياء الجديدة في هذا المجال أننا نقوم بحفر الأسماء وبشكل يدوي على الصدف.. وعلى الرغم من أن هذا العمل متعب، فإنه مسلٍّ وله زبائنه من الشباب الذين يرغبون مثلا في اقتناء علاقة مفاتيح، مثلا، من الصدف الطبيعي مكتوب عليها اسم الشاب واسم خطيبته، أو كلمات مأثورة وأبيات شعر وجمل معينة للتسلية وغيرها، مثل عبارة (رضاكِ يا حماتي)، التي يشتريها صهر يحب حماته ويهديها هذه الصدفية، أو كنّة تحب حماتها فتشتريها لتحملها كعلاقة مفاتيح أو تعلقها في صالون منزلها!!».

وتابع كركوش: «إننا نكتب على الصدف، وبطريقة الحفر، أسماء الله الحسنى، وهناك أشكال أخرى، إذ نرسم أيضا على الصدفيات مناظر رمزية تجذب الشباب بشكل خاص مثل رسوم أبراج الحظ. ومن الأشكال التي نصممها وتلقى روجا علب المحارم المصدّفة التي توضع في داخلها المحارم الورقية وتعرض في صالون المنزل بشكل جميل، ثم هناك علب مكياج السيدات التي تأخذ شكلا تزيينيا ونماذج مختلفة متنوعة، وكذلك الكؤوس والأباريق المصدفة».

ولتميز ما يقدم في هذا المجال، وبالنظر إلى الإقبال على هذه المنتجات، يقول كركوش: «لدينا تصاميم لأشكال جديدة سنعمل على تنفيذها من الصدف والفخار قريبا، كما أننا نعمل على عرض منتجاتنا حتى خارج سورية، حيث شاركنا مؤخرا في معارض تراثية في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وفي اليونان، وألمانيا». وحول الفترة الزمنية التي تحتاجها عملية الحفر على الصدف، قال: «حسب العبارة والكلمات، فحفر الكلمة الواحدة على الصدفة يأخذ من الوقت نحو ثلاثة أرباع الساعة، ولا بد من الحفر بخط جميل، ولذا على من يعمل في هذه الحرفة أن تكون لديه هواية الخط العربي، وأن يتقن كتابته بأنواعه المختلفة المعروفة، كذلك فإنها تحتاج من الحِرفي، أو (الصنايعي)، أن يكون صبورا وصافي الذهن، بحيث لا يشغل فكره بأمور أخرى خاصة، ثم يوجد مجال واسع هنا للحرفي أن يترك خياله يحلق فيبتكر أشكالا وعبارات غير معروفة من قبل، أو كان قد شاهدها في مواقع طبيعية زارها، أو من خلال نماذج مصورة».

ويقر علي كركوش في حديثنا معه أنه تلقى المساعدة في البداية من والده، الذي عمل في مهنة الفخاريات اليدوية لسنوات طويلة، غير أن المساعدة ظلت محدودة، إذ سرعان ما تمكن من العمل وحده في ما بعد، وخاصة على الأصداف التي يشتريها من السوق، وعادة تكون مستوردة من البحر الأحمر أو من إندونيسيا.