عوائل تسكن مقبرة النجف: ليالينا مليئة بالكوابيس.. وأطفالنا يلعبون فوق القبور

فتاة لـ«الشرق الأوسط»: أنتظر فرصة زواج لأغادر المكان إلى الأبد

أطفال يلعبون قرب قبور في مقبرة النجف («الشرق الأوسط»)
TT

علي، ذو الثلاثة عشر ربيعا، لم ير بيته منذ أكثر من ثلاث سنوات بسبب الخوف والذعر من موقع البيت الذي توسط مقبرة النجف القديمة، فقرر السكن في بيت جده لإكمال دراسته.

بيت علي يقع في إحدى مقابر الميسورين، ويتكون من غرفة واحدة مع ملحقاتها وتتوسطه شجرة السدر المعمرة، وتحيط بالبيت القبور والسراديب من كل جانب، لكن أكثر ما يؤلم الناظر هو وجود 3 أطفال في عمر الزهور لا يمكنهم الخروج من هذا القفص، كما يسمونه، إلا للعب فوق قبور الموتى خوفا من سقوطهم في أحد السراديب المفتوحة والمتهدم أغلبها.

علي جابر، طالب في الصف السادس الابتدائي، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «سبب عدم زيارتي لأهلي في المقبرة هو خوفي من المكان التي تكثر فيه السراديب والقبور المتهدمة، إضافة إلى سماعي قصصا مخيفة تحدث في المقبرة، فضلا عن أنني طالب ولدي الكثير من الزملاء وأخشى أن أخسرهم إذا عرفوا أن أهلي يسكنون في المقبرة»، مضيفا «قررت السكن في منزل جدي وسط مدينة النجف القديمة حتى أكمل دراستي وللابتعاد عن أجواء المقبرة».

«الشرق الأوسط» زارت المقبرة ووجدت عائلتين تسكنان بها، فطرقنا بيت أم علي فأذنت لنا بالدخول، وبدأت في سرد حكايتها قائلة «منذ أكثر من 3 سنوات عجزنا عن تسديد الإيجار لصاحب البيت، فقام بإنذارنا لإخلاء المنزل، وبعدها طردنا ورمى أغراضنا، وجلسنا في الشارع بانتظار رحمة الله، حتى مر شخص ونصحنا بالسكن في مقبرة يعرفها فيها غرفة واحدة فقط، حينها تردد أبو علي في الأمر، وبعد جدال طويل مع أبنائنا قررنا الذهاب، أما ولدي علي واثنتان من أخواته فرفضوا الأمر وذهبوا إلى بيت جدهم».

وتابعت أم علي ودموعها تتساقط على رأس ابنها الصغير الذي يجلس في حضنها «عندما وصلنا إلى المقبرة وجدنا المكان موحشا جدا، أما أطفالي فأصابهم الذعر والخوف، لكني كنت أتظاهر بالفرح لأننا وجدنا بيتا نسكن فيه، وبمساعدة بعض الخيريين رممنا المكان لنعطيه صبغة البيت».

وتضيف أم علي أن «أصعب الأوقات عندما يأتي وقت المغيب، حيث يصمت كل شيء ما بين القبور، ولا نسمع سوى أصوات الحيوانات وهي تمر من أمام البيت، فأغلب الأيام أقوم بسرد الحكايات لأولادي حتى لا أشعرهم بما يدور حولنا»، وتضيف والقشعريرة تسري في جسدها «في أغلب الليالي أسمع أصواتا غريبة في المقبرة، إضافة إلى الكوابيس التي لا تفارقني أثناء نومي، أما أولادي فدائما يستيقظون مفزوعين في الليل».

وتقول أم علي إن «أبو علي يعمل في المدينة القديمة لكي يوفر قوتنا اليومي، أما أولادي فهم صغار ولا يستطيعون العمل، وحتى الدراسة حرموا منها».

وناشدت أم علي المسؤولين في الدولة أن يجدوا لها حلا للخلاص من المأساة التي تعيشها عائلتها، وقالت «كيف يقبل مسؤول أن تسكن عائلته في وسط مقبرة مثل مقبرة النجف التي تكثر فيها السراديب والقبور العالية والحيوانات المفترسة؟ كيف يستطيع أن يشاهد مناظر الدفن يوميا؟».

أما ابنتها سلمى جابر (18 سنة) فقد قالت وهي تجلس في إحدى زوايا الغرفة مرتدية نقابا، «إنني على مدى ثلاث سنوات لم أخرج من هذا المكان سوى عدة مرات، أما أمل الخروج منه نهائيا فمرهون على قدوم أحد الأشخاص لخطبتي».

وقالت سلمى «لي أختان تسكنان في بيت جدي ودائما أدعوهما إلى المجيء إلى هنا فترفضان ذلك بسبب الخوف من المكان».

أما العائلة الثانية فقد اتخذت من مقبرة البحراني، التي شيدت عام 1996، مسكنا لها. ويقول أبو فاضل الذي يعمل في المقبرة كقارئ للقرآن الكريم إن «عدد أفراد عائلتي 9 أشخاص وبسبب ارتفاع الإيجارات وعدم اهتمام الدولة بالفقراء التجأنا إلى هذه المقبرة للسكن فيها».

وقال أبو فاضل لـ«الشرق الأوسط» إن «كل ما يقلقني هو مصير أبنائي وبناتي، فهل سيقضون عمرهم في هذا المكان؟ ومتى ستلفت الدولة لنا؟».

فيما تقول أم فاضل «دائما أحرص على تنظيف المقبرة، لكن أمورا كثيرة تقف عائقا أمامي، ومنها عند دفن الموتى في السرداب تنبعث رائحة كريهة تبقى لعدة أيام، لكننا نصبر رغم أنها لا تطاق».

ومن جانبه، قال عضو مجلس محافظة النجف محمد الموسوي «مجلس المحافظة اتخذ قرارا بإحصاء جميع العوائل الفقيرة التي تسكن في البادية أو المقابر، وقد وصل العدد إلى الآن لأكثر من 100 عائلة»، مضيفا لـ«الشرق الأوسط» أن «المجلس قام بتخصيص منطقة خاصة لهؤلاء الفقراء لتخفيف الصعوبات التي تواجههم في حياتهم اليومية».

وتعد مقبرة النجف واحدة من أكبر المقابر في العالم، ونظرا لكثرة الأبنية والقبور والسراديب فيها تحولت خلال مراحل متعددة إلى ملاذ للمقاتلين الهاربين من السلطة ومدفنا للسلاح والكتب الممنوعة إبان النظام العراقي السابق.