الكليم المطروحي يقفز إلى العالمية

تتفنن في صنعه النساء.. ويغري السياح

بعض السياح يفضلون اقتناء الكليم الذي يصلح للتعليق على الجدران، وهذا لم يكن موجودا في بيئة مطروح («الشرق الأوسط»)
TT

تجلس سلمى على الأرض. تنظر إلى خيوط الصوف الطويلة الملونة الممتدة أمامها. تبدأ أصابعها في العزف. تنسج السَّدى باللُّحمة، فتخرج من بين يديها مقطوعة كليم متناغمة. لكن هذا الأمر لا يتم في يوم أو أسبوعين، بل أشهر.

وفي الآونة الأخيرة أصبح السياح الأجانب يقبلون على شراء واقتناء هذا النوع من الكليم اليدوي المطرز بأشكال هندسية بديعة مستوحاة من البيئة المحلية. ومع شعورهن بالرضا عن المقابل الذي أصبحن يحصلن عليه، مقارنة بالسابق، أصبحت النساء والفتيات يتفننّ في صنع الكليم وتنويع خاماته وجمالياته، ليقفز الكليم المطروحي إلى العالمية.

باستخدام خيوط الصوف والشعر، تحافظ صانعات السجاد اليدوي في محافظة مطروح، غربي مصر، على الدقة والخبرة التي تمكنهن من تقديم إنتاج يبهر زوار تلك المحافظة السياحية المطلة على البحر المتوسط، «اهتمام الأجانب بالكليم البدوي أصبح حافزا لمزيد من التعب والإنتاج»، تقول سلمى. ولم لا، وقد أصبحت تتقاضى عن قطعة من الكليم طولها ثلاثة أمتار وعرضها متران، نحو 200 دولار (نحو 1200 جنيه مصري)، بعد أن كان سعر بيعه للمشترين المحليين لا يزيد على 100 جنيه؟

وورثت سلمى حرفة صناعة السجاد من والدتها. ومع ظهور آلات الغزل الحديثة، تخلت عن رحلة نسج الكليم اليدوي، ظنا منها أن زمانه قد ولّى، واشترت ماكينة نسج للعمل عليها وبيع إنتاجها في السوق. لكن اتضح لها أن هذا غير صحيح، حين زارها أحد الأدلاّء السياحيين مصطحبا خمسة سياح من أميركا وفرنسا. «قالوا لي إنهم لا يريدون مشاهدة السجاد الذي أصنعه بالماكينة الكهربائية، وأبيعه في السوق، ولكن طلبوا أن أعرض عليهم ما سبق وصنعته من أكلمة يدوية».

وقبل أن ينصرفوا، كانوا قد اشتروا منها 12 قطعة من الكليم اليدوي، وتعاقدوا معها على صناعة 15 قطعة أخرى. ولهذا أصبحت سلمى تستعين بمراكز تدريب، كانت أُنشئت حديثا للحفاظ على النسيج التراثي، في إنجاز صفقتها الصغيرة. «الفتيات اللائي حصلن على قسط من التدريب على صناعة الكليم اليدوي كُنّ غير راغبات في العمل لعدة أسباب، منها ارتفاع أسعار الخامات، خصوصا صوف الأغنام، وشعر الماعز والألوان، إضافة إلى طول المدة التي يستغرقها الانتهاء من نسج قطعة كليم، نحو شهر». منذ العام الماضي، ومع ازدياد رحلات السياح الأجانب لمحافظة مطروح، بسبب ظهور منتجعات سياحية كبيرة ورحلات طيران «شارتر» من أوربا إلى سواحل المحافظة، وجدت آلاف السيدات والفتيات، مثل سلمى، فرصا في إحياء صناعة يدوية كادت تنقرض، وكذلك وجدن منفذا لكسب العيش، في ظل ظروف معيشية متدنية.

«كثير من الأجانب يفضلون الألوان القاتمة كالأسود والرمادي والبني، مع اللون الأبيض طبعا، لكن البعض الآخر يحبذ الأصفر والأحمر»، هكذا تقول الحاجة علياء وهي عجوز ذات خبرة في نسيج الأكلمة، وهي تراجع عمل فتيات يجلسن أمام منزلها، لإنجاز صفقة جدية من عشرة أكلمة لأحد رجال الأعمال المصريين يريد أن يضفي على منتجعه الجديد في الساحل الشمالي طابعا بدويا.

امرأة أخرى تُدعى نوَّارة، وتعمل على إنجاز ثلاثة أكلمة، وحدها، لحساب سائح إنجليزي سيمضي أسبوعا في منتجع جديد في شاطئ خليج الزيات القريب من بيتها.. تشكو هذه المرأة من مغالاة بعض السماسرة والوسطاء في طلب نسبة من المبيعات؛ «بعضهم كان يطلب 5% نظير الاتفاق مع أحد السائحين على مجموعة من الأكلمة. اليوم وصلت النسبة إلى 15%، بسبب تزايد النساء المنخرطات في هذا العمل». وتضيف قائلة إن أحدا لم يكن ليتوقع قبل ثلاث سنوات أن يزيد العرض على الطلب.

لكن الطلب ما يلبث أن يرتفع مجددا، مع وصول أفواج سائحين لمنتجع تم افتتاحه حديثا في شاطئ الأبيض، يعتمد في الأساس على السياح الأجانب. ويقول محمد جمعة، الذي يعمل وسيطا بين رواد عدد من الفنادق والمنتجعات السياحية، وصانعات الأكلمة اليدوية، إن لكل نوع من السياح مزاجا خاصا، وهذا جعل بعض السيدات يترددن في الاستجابة للطلبات الجديدة، لكن مع تزايد الطلب، انخرطن، طوَّعن معداتهن وأدواتهن لتتلاءم مع حاجات المشترين.

بعض السائحين الأجانب يفضلون اقتناء الكليم الذي يصلح للتعليق على الجدران، وهذا لم يكن موجودا في بيئة مطروح، حيث نشأ الكليم البدوي أساسا، بغرض فرش خيام البدو الرحل في الصحراء قبل مئات السنين.. ويوضح جمعة: «هذا النوع (كليم للتعليق على الجدار) أصبح ينتج هنا، وعرضه يتراوح حسب رغبة المشتري، من 15 سم إلى 50 أو 60 سنتيمترا». أما النوع الثاني، وهو الأقدم، فعبارة عن كليم كبير يكفي لفرش غرفة بمساحة 16 مترا مربعا. بل تمكنت إحدى النساء البدويات من إنجاز كليم يغطي مساحة 72 مترا مربعا لأحد السائحين الأثرياء. ويقول جمعة أيضا إن الكليم يُصنع من خيوط صوف الخراف المغزولة مع شعر الماعز. وبسبب الإقبال عليه من السياح، انتشرت مراكز لتدريب السيدات على نسج الكليم وتسويقه، منها «مركز الأسر المنتجة بمطروح» و«جمعية سيوة لتنمية المجتمع وحماية البيئة»، وكذا «مشروع تنمية الخدمات غير التمويلية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة». وأصبح ينخرط في مثل هذه المراكز والجمعيات آلاف الفتيات والسيدات، بهدف عام هو استعادة الاهتمام بالحرف والصناعات اليدوية التي كادت تندثر، وهدف خاص هو خلق فرص عمل جديدة اعتمادا على الخامات المتوفرة في البيئة المحلية، وعدم الاكتفاء بانتظار السياح الأجانب للتعاقد على أكلمة جديدة، بل العمل على تصدير الكليم البدوي إلى الأسواق الخارجية.

وفي الشهرين الماضيين تمكنت مراكز التدريب لصناعة السجاد اليدوي في كل من مطروح وواحة سيوة وقرية بهي الدين من تدريب أكثر من مائتي فتاة على صناعة الكليم اليدوي، قبل أن ينخرطن في العمل بمنازلهن أو منازل قريبات لهن.

ويوضح محمد علي المشرف على التدريب في واحدة من جمعيات التدريب: إذا تمكنّا من الاستمرار على هذا المنوال فيمكن أن نقول إن الكليم المطروحي يقفز إلى العالمية، فمع توفير الخامات للسيدات المتدربات، أمكن التوسع في صناعة الكليم اليدوي، لحمايته من الانقراض، وتعزيز استمرار بقاء الأصول الفنية لتلك الصناعة التقليدية وخبراتها عن طريق التعلم، وكذلك عن طريق تطويع هذه الصناعة لتتوافق مع حاجة المشترين المستهدفين، بما يحقق دخلا ثابتا لأسر عديدة كانت تفتقر إلى العمل والدخل والمادي.