الباحة: الأثواب القديمة تنافس أهم الماركات على ذوق السعوديات

تتراوح أسعارها بين ألف وألفي ريال.. وتصنع بناء على الطلب

الرباعي، أحد أقدم الخياطين في منطقة الباحة يعمل على خياطة أحد الثياب القديمة (تصوير: عبد الله غريب)
TT

يبدو أن أكثر من 200 محل تجاري من المحلات التي تبيع الملابس النسائية الجاهزة من «الماركات» العالمية المعروفة والدارجة باتت تواجه تهديدا حقيقيا في منطقة الباحة بجنوب غرب المملكة العربية السعودية. أما السبب المثير للاهتمام فهو تزايد إقبال السيدات، وبشكل لافت على شراء الملابس التقليدية ذات الطراز الأثري، والتي يصنعها في الغالب أصحاب محلات خاصة من كبار السن وكبيرات السن.

والحقيقة أن الملابس التقليدية القديمة الطراز، التي يطلق عليها في مناطق الجنوب مسميات مثل «الثوب العسيري»، أو «الثوب المكلف» أو «الثوب المحبوك»، تعتبر من أبرز ما يميز أزياء سكان الجنوب، وبالأخص منطقة الباحة، إذ تحظى بحضور لافت.. ومتزايد هذه الأيام. بل لقد سجلت حضوراً قوياً في مناسبات الأفراح والزيجات فباتت «موضة» مرغوبة جداً تتنافسن عليها الفتيات.

الطريف أن أعدادا من العمالة الأجنبية التي أحضرت للعمل في محلات الخياطة لم تجد مفراً من التوجه إلى تعلم هذه الصنعة من دون النظر إلى صعوبتها... لعل وعسى أن تنجح في إثبات وجودها. غير أن المنتصر في السوق هم في الغالب كبار السن باعتبار أن أهل المنطقة يعرفون أنهم الأوفر خبرة والأعمق معرفة. وهنا يعلق المواطن عبد الله محمد الرباعي، أحد أبرز وأقدم العاملين في مجال الخياطة من كبار السن، وهو من قرية الحبشي في منطقة بالباحة، ويبلغ من العمر 60 سنة، إذ يقول في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المهنة لازمتني طوال حياتي، برغم تأثيرها على نظري وصحتي من حيث وضعية الجلوس التي تستغرق ساعات طويلة».

ويتخذ الرباعي من محل منحته إياه أمانة الباحة ليكون مقراً له ولبقية الحرفيين الآخرين في مجالات أخرى، وسط السوق الرئيسي. وهو يؤكد أن خياطة الثوب الواحد يستغرق منه نحو خمسة أيام، لعجزه عن المواصلة بحكم السن وضعف النظر. متابعاً «ولكن في الماضي، أيام الشباب، كنت لا أحتاج لإنجاز الثوب الواحد أكثر من يوم واحد فقط».

من ناحية ثانية، يفاخر الرباعي بأن لدى زبائنه كامل الاستعداد لانتظاره حتى ينتهي من عمله مهما طال الوقت، بل يصرون على أن يخيط ثياب نسائهن وفتياتهن. ثم يشير إلى أن موسم الصيف الذي يشهد معظم المناسبات والأفراح يعد الأكثر ازدحاماً وإقبالا «مع أن النساء يحجزن ملابسهن مبكراً قبل الموسم».

وعن الخيوط التي يستخدمها في صناعة الثياب العسيرية وأسعار هذه الثياب يوضح الرباعي أن «خيوط العمل بعضها من صنع سويسرا والبعض الآخر صناعة فرنسية وهندية». ويستطرد قائلا إن أسعارها تعتمد على نوعية الخيوط ومستوى التطريز المطلوب وتتراوح في الغالب بين ألف وألفي ريال سعودي.

ولأجل حماية المهنة والمحافظة على تراثها الأصيل، يدعو الرباعي بنك التسليف والجهات الحكومية إلى إيجاد قروض لمساعدة أصحاب هذه المهن التي يقول إنها «توشك على الانقراض نتيجة صعوبة العمل فيها»، ثم يوضح «إننا نحتاج إلى دعم من الجهات الحكومية للحؤول دون انقراض هذه المهنة وتراثها، ولا بد من تدريب الشباب والفتيات على إتقانها والسير قدماً فيها، قبل أن يسيطر عليها الأجانب.. أو تذهب كما ذهب غيرها من فنون تاريخ مناطقنا العريق».

على صعيد آخر، من اللافت أيضا أن أصحاب المحلات التجارية التي تبيع «الماركات» العالمية المألوفة اضطروا مكرهين إلى شراء كميات كبيرة من هذه الأثواب التقليدية التي باتت تتصدر محلاتهم بجوار الملابس العصرية. والشيء الأكيد، أن السيدات هن الطرف الأكبر خبرة في مجال الموضة وتقييم جاذبية الماركة وأهمية التراث أيضا. وتقول أم ناصر، وهي سيدة في العقد الرابع من العمر «إن العودة إلى هذه الملابس أمر طبيعي في ظل دقة تصميمها بالإضافة إلى جمالها وصناعة خيوطها الجميلة، بعيدا عن الماركات المستوردة التي تشعرك بأنها لا تصلح مقارنة بهذه الملابس».

غير أنها تضيف مستدركة «ولكن بالرغم من الحضور الكبير المتجدد للملابس التقليدية القديمة فإن الموضات الحديثة ستحافظ على حضورها القوي، وكثيرات ممن تعجبهن الملابس القديمة ويطيب لهن ارتداؤها في بعض المناسبات.. سيواصلن ارتداء هذه الموضات العصرية الحديثة».