السكن العشوائي في دمشق موضوع جديد للمسلسلات التلفزيونية

تشكل مجتمعات متكاملة يغلب على سكانها الفقر ومعظمهم أتوا من الأرياف

إحدى الحارات العشوائية في دمشق («الشرق الاوسط»)
TT

لا تشبه غيرها.. وحتما ليست كتلك التي نسمع عنها وتسمى «مدن الصفيح»، أو «أحياء الصفيح» داخل أو في أطراف الكثير من مدن العالم. ومع هذا، فإنها تحمل أسماء تدل على المعنى ذاته، مثل «حارات السكن العشوائي» أو «مناطق المخالفات السكنية».

ولأن هذه التجمعات السكانية في دمشق وضواحيها فقد بنيت من الإسمنت والحديد، وارتفعت شققا سكنية في بنايات من عدة طبقات، تتوافر فيها كل الخدمات من مياه وصرف صحي وكهرباء وهاتف.. ولكن لأنها ولدت عشوائيا، أي من دون تخطيط هندسي وفوق أراض كانت زراعية قبل أكثر من ثلاثين سنة في غفلة من البلديات ومراقبي البناء فيها.. تكاثرت وتنامت كالفطر.

ثم، نظرا لحاجة المواطنين المتزايدة لمساكن رخيصة الثمن الرخيصة، ولا سيما، بالنسبة للوافدين المحدودي الدخل إلى العاصمة السورية، دمشق، والمدن الكبرى، كحلب وحمص واللاذقية، بهدف العمل، شكلت هذه العمالة النازحة من الأرياف في هذه الحارات مجتمعات متكاملة تعج بالحياة.. حلوها ومرها.

وبالتالي، فإن منتجي المسلسلات للتلفزيونية السورية ومخرجيها الذين لم يترددوا في السنوات الماضية بالبحث عن كل ظاهرة جديدة لتقديمها للمشاهد، سرعان ما تنبهوا لجانب تصوير الحياة في هذه التجمعات العشوائية. وحقا، بعدما تسابقت الفضائيات العربية، خصوصا مع تألق الدراما السورية، على تقديم البيئة الشامية التراثية والدراما التاريخية وسورية في فترة الإقطاع وخمسينات القرن الماضي.. انتقل أصحابها إلى تصوير حارات السكن العشوائي وتقديمها في أعمالهم. وهكذا ظهرت مجتمعات هذه الحارات في الكثير من الأعمال الدرامية خلال الموسم الحالي، ومنها ما عرض في «سلة» رمضان هذا العام على شاشات عدد من الفضائيات. فتعرف المشاهد العربي، بدوره، على هذه الحارات كظاهرة وحياة مجتمع وأسر في بيوت فقيرة تعيش كل يوم أحداثا جميلة وسيئة، فرحة وحزينة، وتخضع لضغوط كثيرة.. القاسم المشترك بينها ضيق ذات اليد والبحث عن دخل مادي مقبول، بجانب هواجس الفتيات والشبان وأحلامهم ومشكلاتهم وسط أسرهم في هذه الحارات الفقيرة.

ومن المسلسلات البارزة التي تناولت هذه الحارات، وعرضت في رمضان هذا العام، مسلسل «قاع المدينة» للمخرج سمير حسين، الذي قدم نماذج بشرية لأناس يعيشون في الحضيض ماديا ولآخرين يرفلون في النعيم بالقمة، وحاول في هذا العمل الولوج إلى القاع النفسي والقاع البيئي لهذه الشخصيات، كما حاول ـ كما ذكر في غير مناسبة ـ عبر تناوله مجتمع مناطق السكن العشوائي تسليط الضوء على واقع الفقر ومحاولات تغييره.

كذلك من الأعمال التلفزيونية التي كانت حارات السكن العشوائي مسلسل «زمن العار» للمخرجة رشا شربتجي التي كانت قدمت قبل ثلاث سنوات مسلسلها الجريء «غزلان في وادي الذئاب».. وكان أحد محاوره موضوع مجتمع الحارات العشوائية والفقر وطموحات بعض سكانها في بلوغ وضع مادي جيد. وهي في «زمن العار» أثارت عددا من القضايا الاجتماعية من خلال مجموعة من الفقراء الذين يعيشون في هذه الحارات، من دون أن تنسى مقابلتها بنماذج من الطبقة الوسطى في مسلسلها.

وأيضا من الأعمال التلفزيونية التي تناولت مجتمع هذه الحارات، في الموسم الحالي، مسلسل «سحابة صيف» للمخرج مروان بركات الذي ذكر في تصريح له أن «هناك مجتمعا كاملا في تلك المناطق ينبغي أن نسلط الأضواء عليه.. وهذه مهمتنا». ويمكن أن يضاف إلى الأعمال السابقة الذكر مسلسل «بكرا أحلى» للمخرج محمد شيخ نجيب، ومسلسل «مشاريع صغيرة» للمخرج المثنى صبح، ومسلسل «الانتظار».. وغيرها، وثمة من يعتقد في أوساط متابعي الدراما السورية أن هذه الحارات قد تتحول إلى ظاهرة تلفزيونية كما يحصل حاليا مع مسلسلات البيئة الشامية كـ«باب الحارة»، و«بيت جدي»، و«الحصرم الشامي»، و«أولاد القيمرية»، و«أهل الراية» وغيرها.

والواقع أننا لو جلنا في هذه الحارات، التي يصل عددها إلى 14 حارة تنتشر على أطراف مدينة دمشق من مختلف الاتجاهات وتختلف في اتساعها وفي عدد السكان المقيمين فيها ـ وكما سبق، معظمهم من المدن والأرياف السورية ومن الفلسطينيين والعراقيين المقيمين في سورية ـ نلاحظ أن من أكبر هذه الحارات «الدويلعة» الواقعة شرق دمشق، وتضم مئات الألوف من الناس، وهناك «الطبالة»، و«الدخانية»، و«الكباس»، بالقرب منها، و«المزة 86» جنوب دمشق، و«نهر عيشة»، و«الدحاديل»، و«الزهور»، و«عش الورور»، وغيرها من مناطق السكن العشوائي التي يعرفها المختصون والمهندسون بأنها مناطق سكنية بنيت وسكنت من دون أي مخطط تنظيمي اهتدت به أو أخذ في الاعتبار عند الإنشاء والسكن.

من ناحية ثانية، تلقى هذه الحارات الاهتمام من الجهات الحكومية كوزارات الإدارة المحلية والبيئة والإسكان والشؤون الاجتماعية والعمل ومحافظتي دمشق وريفها، في محاولات لتحسين الحالة العامة فيها، خصوصا الخدمات المدنية والتعليمية ووضع خطط وبرامج لتنظيم لها.

ولقد أقيم الكثير من المؤتمرات والندوات بالتعاون مع منظمات دولية معنية بالسكن والمدن، ومع الاتحاد الأوروبي لدراسة أوضاع هذه الحارات ووضع مقترحات لتنظيمها، كان آخرها، وليس الأخير بالتأكيد، «المؤتمر العربي الدولي الأول حول التنمية المستدامة بين المدن السورية»، الذي استضافته جامعة دمشق في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. وكان من محاور المؤتمر دراسة ظاهرة العشوائيات والهويات العمرانية، ومعالجة هذه الظاهرة.

كذلك كان لهذه المناطق العشوائية نصيب كبير في دراسات المتخصصين، ومنها محاضرات جمعية العلوم الاقتصادية السورية التي استضافت في إحدى ندواتها، التي تعقدها كل يوم ثلاثاء أسبوعيا، الباحثة الدكتورة ختام تميم التي ذكرت أن السكن العشوائي أحد أهم المشكلات التي تواجه الحكومة السورية، خصوصا أن هذه المناطق تضم نحو 1.2 مليون مسكن تحتاج إلى 1.2 مليار ليرة لمعالجتها، وتبلغ مساحتها في دمشق وضواحيها 1430 هكتارا، لكنها تفتقر إلى الشوارع والحدائق وأبنية الخدمات العامة، وإلى ملامح الهندسة المعمارية.

من جهته المكتب المركزي للإحصاء في دمشق كان قد أجرى مسحا عشوائيا لحارات السكن العشوائي في العام الماضي 2008، توصل إلى نتيجة أن نسبة الشقق الطابقية في هذه المناطق 27% والمساكن الشعبية 37.9% والدور العربية 34.4%، وأن معدل التزاحم فيها 1.9 وأن نسبة كبيرة من مساكن هذه الحارات متصلة بشبكة الكهرباء العامة، وبشبكة المياه والصرف الصحي ولكن فقط 4.5% من مساكن هذه الحارات تتخلص من مخلفات الصرف الصحي في حفر فنية. وخلصت دراسة المكتب الإحصائية إلى ظاهرة السكن العشوائي في سورية لا تعتبر ظاهرة لها خصوصية مميزة، بل إنها مناطق سكنية تتمتع بكل الخدمات المقدمة للمساكن النظامية وتتوفر فيها المشافي والمراكز الصحية والمدارس.