الأعلام واللافتات صناعة مزدهرة في تونس

سعرها مرتبط بعدد الألوان.. وعلم البرازيل أغلاها ثمنا

ازداد الطلب على الأعلام التونسية خلال فترة الإعداد للانتخابات التي ستجرى يوم 25 أكتوبر الحالي، وبعض المصانع أصبحت تعمل على مدار الساعة لتلبية الطلبات وكلفت بعض النساء بصناعة الأعلام واللافتات في المنازل («الشرق الأوسط»)
TT

قطعة القماش العادية التي تدخل إلى مصنع صناعة الأعلام واللافتات تخرج منها بعد لحظات مرفوعة فوق السواعد، عندها نتحدث عن علم يصبح رمزا لرقعة أرضية معينة. وللعلم رمزيته فإذا نكس ونزل إلى الأرض وديس بالأقدام فتلك دلالة على الغضب الشديد أما إذا أضرمت فيه النيران فتلك علامة على أن الحالة استشاطت ولم يبق فيها إلا إعلان الحرب على الآخر. وللأعلام أدوار أخرى فإذا كانت ملونة تحمل ألوان الفرق الرياضية فهي تؤدي أدوارا أخرى وتعطي هوية اجتماعية لمن لا هوية له، وإذا كانت ذات لون أبيض فذال دليل على السلام أو كذلك الاستسلام.

وتشارك الأعلام واللافتات في الاحتفالات فترفرف الأعلام من أحجام متنوعة في السماء إعلانا عن الفرحة والسعادة في الأعياد والمناسبات السعيدة وتنكس تلك الأعلام نفسها عند إعلان الحداد والحزن في مناسبات أخرى.

صناعة الأعلام في تونس تجد لها الكثير من المريدين خلال هذه المناسبة حيث لا تخلو الشوارع التونسية ولا أعمدة الكهرباء والهاتف وكل المحامل من حمل الأعلام واللافتات تعبيرا عن الحدث المهم الذي تعيشه البلاد من انتخابات رئاسية وتشريعية ستعرفها تونس يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

«الشرق الأوسط» دخلت تعاريج المدينة العتيقة في تونس العاصمة بحثا عمن له القدرة على الحديث عن الأعلام برمزيتها ومن له القدرة على صياغة الفرق بين قطعة القماش العادية والعلم المفدى. الحديث عن صناعة الأعلام واللافتات في تونس لا يختلف كثيرا عن الخوض في المواضيع السياسية وعليك أن تتفاوض وتقنع الصانع بأن غايتك ليست سياسية وأن نيتك حسنة حتى وأنت تتطرق لرمز مشحون بالسياسة. البداية كانت مع محمد الحاج الذي يشتغل في ميدان صناعة الأعلام واللافتات منذ 27 سنة وعائلته تتوارث هذه المهنة أبا عن جد. فأكد صعوبة هذا الميدان المتأتية أساسا من ضرورة احترام المقاييس بصرامة، فالدائرة في العلم التونسي على سبيل المثال يجب أن توزع بين ثلثين للون الأبيض وثلث للون الأحمر.

ولاحظ الحاج أن دخول عالم البلاستيك إلى الأعلام واللافتات قد اثر بصفة مباشرة على هذه الصناعة فهؤلاء مزاحمون أشداء على سوق تسير على الدوام نحو الاتساع بفعل الأنشطة السياسية المتنوعة والمقابلات الرياضية الحماسية.

وقال لسعد كمون من جانبه إن الطلبات على الأعلام واللافتات قد زاد على الأقل بنسبة 20 في المائة خلال هذه الفترة وذلك لارتباط المسألة بالمواعيد السياسية التي تعيشها البلاد. وأكد أن معظم معاملات مصنعه مع المؤسسات العمومية والبلديات وهو يواصل النشاط منذ سنة 1950، إلا أنه كذلك يصنع الأعلام ويصدرها إلى فرنسا وإيطاليا كأكبر حرفاء للمؤسسة من الخارج.

وقال إن العلم التونسي الواحد بقياس متر على متر ونصف يقدر ثمنه بـ7,5 دينار تونسي (نحو 6 دولارات أميركية)، أما بالنسبة للأعلام الأخرى وخاصة الموجهة للسفارات الأجنبية في تونس فإن سعرها مرتبط بعدد الألوان التي تكونها، فعلم البرازيل كما ذكر لا يقل ثمنه عن 50 دينارا تونسيا (نحو 40 دولارا أميركيا) وذلك بسبب ألوانه الكثيرة.

وأكد ياسين السعيدي من ناحيته، على الطلب المتزايد على الأعلام واللافتات خلال فترة الإعداد للانتخابات التونسية، حتى أنه أكد أن بعض المصانع أصبحت تعمل على مدار الساعة لتلبية الطلبات وكلفت بعض النساء بصناعة الأعلام واللافتات في المنازل. ولم ينف بالتالي وجود حركة اقتصادية ملحوظة طالت قطاعات الأقمشة والصبغ وقطاع الطباعة والعديد من المواد الأولية الأخرى الضرورية لصناعة الأعلام واللافتات. كما أن اليد العاملة المتخصصة مثل الخطاطين وجدت لها ملاذا من خلال هذه الحركية المميزة. ولم يخف السعيدي الصعوبات العديدة التي ترافق هذه الصناعة والتي من بينها على وجه الخصوص الأخطاء التي قد تتسرب إلى اللافتات مما يستدعي التدخل السريع، فتلك اللافتات تتابعها الأعين وتحدق فيها بإمعان خاصة إذا كانت المواضيع ذات طابع سياسي.

وأطنب السعيدي في الحديث عن المشكل الذي تسببت فيه إحدى اللافتات التي نقصت في حروفها نقطة مما قلب المعنى رأسا على عقب، ولولا المراجعة الحازمة لتلك اللافتة لكانت ذات مخلفات وخيمة.

وقال السعيدي: كلما زاد عدد الألوان كلما زادت التكلفة ويقدر ثمن العلم بنحو 5 دنانير تونسية (نحو 4 دولارات أميركية) وتعتمد الصناعة على الدقة، فالدائرة والنجمة والهلال الموجودة في العلم التونسي على سبيل المثال تتطلب مقاسات محددة لا يمكن التغافل عنها باعتبار أن العلم سيتحول في لحظات من قطعة قماش عادية إلى رمز من رموز الدولة. ويكثر الطلب على العلم التونسي بصفة كبرى طوال السنة باعتبار حاجة كل المؤسسات التونسية لرفعه فوق مبانيها، والطلبات زادت بطبيعة الحال خلال هذه الفترة.