«الحلبوني» من سوق للوراقين إلى مركز لتجارة المستلزمات المدرسية والمكتبية في دمشق

أسّس قبل 100 سنة وشهد طباعة أول كتاب في العاصمة السورية

جانب من سوق الحلبوني في دمشق («الشرق الأوسط»)
TT

في وسط العاصمة السورية دمشق، وفي منطقة يتلاقى فيها عدد من الأسواق والأماكن التاريخية والتعليمية الهامة يقوم «سوق الحلبوني». هنا بجواره، ترى مباني التكية السليمانية وسوق المهن اليدوية ومحطة الحجاز ومنطقة البرامكة وجامعة دمشق وجسر فيكتوريا، أقدم جسر في دمشق إذ أنشئ قبل 100 سنة. ولقد اشتهرت محلات سوق الحلبوني منذ أكثر من ثلاثين سنة بتخصصها ببيع المستلزمات المدرسية والمكتبية، وهذا بعدما كان السوق الذي أسّس مع حي الحلبوني قبل 75 سنة معروفا ببيع المواد الغذائية، وتخصصت شقق الحي كدور نشر ومكاتب للخطاطين. فراس لبلوبي، الذي يدير محلا في الحلبوني منذ عشرين سنة روى لـ«الشرق الأوسط» جوانب من تاريخ السوق فقال: «كانت معظم محلات السوق قبل ثمانينات القرن الماضي تبيع الحلويات العربية الدمشقية والمكسّرات. وكان هناك سوق قديم معروف بتخصّصه ببيع المستلزمات المدرسية هو سوق المسكية المجاور للجامع الأموي في نهاية سوق الحميدية. غير أن المحلات في ذلك السوق هدمت في ذلك الوقت من قبل الجهات المعنية بقصد إظهار جدار الجامع الأموي الغربي وإقامة ساحة مجاورة للجامع. وهكذا اضطر مالكو المكتبات المدرسية فيه للبحث عن سوق بديل، ووجدوا ضالتهم المنشودة في منطقة الحلبوني، فاشتروا محلاتها من أصحابها وحوّلوها إلى مكتبات. وكان من أوائل من افتتح مكتبات هنا الخولي والأندلس وتبعهما الآخرون من المعروفين في المسكية بقدمهم في التعامل مع هذا النوع من البضاعة وبيعها.. ومنهم آل المهايني وآل القدح وآل القباني وآل الصباغ، وهؤلاء توارثوا هذه المهنة أبا عن جد منذ تخصّص بها سوق المسكية قبل 300 سنة. ومما يستحق الذكر أن سوق المسكية أنشئ مع سوق الحميدية الشهير».

وتابع لبلوبي روايته ساردا «ولم يلبث سوق الحلبوني أن تخصّص ببيع المستلزمات المكتبية والورق والحبر وغيرها، وبالفعل، وأصبحت كل المحلات في الحلبوني ويصل عددها لحوالي 100 محل، في غضون سنتين، متخصصة ببيع اللوازم المكتبية والمدرسية والقرطاسية. في حين تخصّصت بعض المحلات حصرا ببيع الكتب الثقافية والمراجع العلمية، فإن معظم المحلات تبيع المستلزمات المدرسية التي تُستورَد مباشرة لصالح أصحاب المحلات، ومنها أحدث ما توصلت إليه المصانع الأوروبية والصينية في مجال الأقلام والقرطاسية وأطقم المكاتب الجلدية الفاخرة». وهنا يشاهد وجود غنى في عرض هذه الأطقم التي تتألف بشكل رئيس من حافظة كبيرة تسمى في السوق الكارتابل ومن حاملة المفكرة اليومية وعلبة الأوراق الصغيرة لكتابة الملاحظات اليومية عليها ومن علبة اسطوانية أو مربعة لوضع الأقلام والسكين لفتح مغلفات الرسائل (الأظرف) ودفتر أنيق لتسجيل أرقام التلفونات وغيرها من مفردات الطقم.

هذه الأطقم ـ كما يقول فراس ـ تعرض بشكل متنوع ولكل منها زبائنها. «فهناك المستورد منها وهو عادة من الجلد الفاخر، أو المحلي الدمشقي المصنّع من الموزاييك مع زخرفة على الخشب والتصديف عليه وهذا يأخذ شكلا تراثيا.. وهو مرتفع الثمن كونه يصنع بطريقة يدوية من قبل الحرفيين الدمشقيين، ومعظم زبائنه من أصحاب الشركات التي تتميز مكاتبها بطراز شرقي، حيث يكون ديكور مكتب المدير بشكل خاص مصمما على نمط الأرابيسك. ولذلك لكي يكتمل المشهد التراثي في المكتب.. فلا بد من وجود هذه الأطقم المكتبية».

وعلى الرغم من أن محلات السوق تشهد ازدحاما شديدا في شهري سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) من كل عام مع عودة الطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، وبالتالي، اقتناء ما يحتاجونه للعام الدراسي من هذه السوق، «فإن السوق ـ يضيف فراس ـ يشهد إقبالا في صيف كل عام وقبل حوالي شهر من فتح المدارس من قبل أصحاب المكتبات والقرطاسية في المحافظات السورية. إذ يأتي هؤلاء إلى السوق من مدنهم لشراء القرطاسية بأسعار الجملة ويبيعونها في مناطقهم بأسعار أعلى. كذلك يحرص هؤلاء على زيارة السوق باستمرار للاطلاع على كل جديد من المستلزمات المدرسية التي يمكن أن يكون استوردها أصحاب المحلات من الخارج، وبخاصة، أن معظم محلات سوق الحلبوني تتعامل بالجملة وليس بالمفرّق (القطاعي)».

من ناحية ثانية، ولئن كانت معظم محلات الحلبوني تخصصت في تجارة المستلزمات المكتبية والمدرسية، فثمة عشرات الأبنية فيها تضم دور النشر الدمشقية، ولذلك يطلق البعض على السوق تسمية «سوق الوراقين»، ولا سيما أن أول مطبعة دمشقية ودار نشر أسست فيها، وطبعت هنا عيون الكتب. ومن أبرز دور النشر التي يصل عددها لحوالي 75 دارا، هناك دار ابن كثير التي أسست عام 1933. كذلك استقر في السوق العديد من خطاطي دمشق الذين فتحوا مكاتب لهم ليكونوا قريبين من دور النشر والمكتبات.

ولكن، ما هو أصل اسم هذه المنطقة، وكيف أطلق عليها قبل أكثر من قرن من الزمن؟

الشائع عند البعض أن مصدر الاسم شيخ زاهد وعلامة جاء من قرية حلبون، في ريف دمشق، عام 1250 هـ (1834 م) اسمه ذيب الحلبوني، وسكن الحي وكان الناس يزورونه ويتبركون به. وهناك من يقول إن التسمية إنما جاءت من شخص يدعى حسن الحلبوني سكن المنطقة وبنى قصره فيها كما بنى جامعا، وكان هذا الشخص ثريا وجمع من حوله أصحاب المطابع ودور النشر في السوق، وكان يلتقي بهم يوميا ثلاث مرات ليناقشهم ويتبادل معهم الأفكار.

على أية حال، تقوم أبنية حي الحلبوني في منطقتين يفصل بينهما شارع مسلّم البارودي الذي يوصل لشارع رضا سعيد ومبنى رئاسة جامعة دمشق ومشفى الغربا التاريخي. ويضم الحي العديد من المباني التاريخية، منها قصر متهدم حاليا كان يسكنه أحد ولاة دمشق العثمانيين، وأبنية قديمة جدا يشغل أحدها متحف دمشق الزراعي في الجهة الجنوبية من الحي، بينما يلاصق الحي من جهته الشمالية سوق المهن اليدوية ومبنى وزارة السياحة ذو الطراز العثماني، كذلك وجد في سوق الحي بجانب حديقة صغيرة تدعى «حديقة النعنع»، ومنذ عشرات السنوات، مركز انطلاق الحافلات الكبيرة التي كانت تتجه إلى لبنان والأردن. ولكن نظرا لضيق المكان ووقوعه داخل منطقة تجارية، جرى نقله إلى منطقة البرامكة المجاورة، ومن ثم إلى منطقة السومرية خارج دمشق، وبالتالي، حوّل مركز الانطلاق إلى مرأب طابقي لمبيت السيارات سُمّي مرأب النعنع الطابقي.