إماراتي.. آخر من تبقى من جراحي اللؤلؤ في العالم

المهنة في طريقها للاندثار.. لكن هناك مطالبة بتوثيقها

آخر جراحي اللؤلؤ في العالم.. إبراهيم الفردان (تصوير: محمد نصار)
TT

لو حاولت عزيزي القارئ أن تستخدم محرك البحث العالمي (غوغل) للبحث عما يعرف بـ«جراحة اللؤلؤ» فإنك لن تحصل حتى على نتيجة واحدة لمقال أو مرجع ما يتحدث عن مهنة كانت تعرف في ما سبق بـ«جراحة اللؤلؤ» في منطقة الخليج العربي.. لكن ذلك قد يكون طبيعيا لأن هذه المهنة، وعندما بدأ ما يعرف في عصرنا بالإنترنت في الانتشار قبل ثلاثة عقود من الزمان كانت في طريقها إلى الانقراض. فماذا بقي من هذه المهنة؟ إنه آخر جراح لؤلؤ في العالم، وهو الوحيد ممن تبقى من أجداده الذين كانوا يمتهنون جراحة اللؤلؤ. الإماراتي إبراهيم الفردان، وهو مليونير في الثمانين من عمره يوثق لـ«الشرق الأوسط» جانبا مهما من هذه المهنة. فما هي جراحة اللؤلؤ؟

يقول الفردان إنها مهنة معقدة وصعبة يحاول من خلالها جراح اللؤلؤ أن يخلص اللؤلؤة من بعض العيوب التي تصيبها أثناء وجودها في صدفتها بفعل عوامل طبيعية كثيرة، وهناك عدة جراحات وفقا للمرض الذي تصاب به اللؤلؤة، ولكل مرض علاج، فأحيانا تكون بعض العيوب عبارة عن طبقات كلسية تغطي المحارة وتشوه شكلها وتفقدها بريقها، فيما قد تكون اللؤلؤة في حالات أخرى ملتصقة بجسم المحارة، وهذه الحالات تحتاج إلى خبير لأنها عملية معقدة.

ويعزو الفردان أسباب اختفاء مهنة «جراحة اللؤلؤ» إلى أن اللؤلؤ أصبح نادرا جدا في شواطئ المنطقة، لا بل إنه يذهب للقول إنه لم يتبقَ منه شيء لأسباب متعلقة بالتلوث ومخلفات البترول والتغيرات المناخية ورياح الشمال، ناهيك عن أن أحدا لا يغوص اليوم إلا بعض الهواة، وهم قد يعودون بلؤلؤة واحدة في أفضل الأحوال.

الفردان الذي يمتلك اليوم عدة استثمارات مزدهرة ومعروفة في قطاعات كالذهب واللؤلؤ والصيرفة والعقارات يعتبر أن مهنة «جراحة اللؤلؤ» تحولت عنده إلى هواية، لكنه لا يستطيع التخلي عنها على الرغم من كل ذلك، «آخر مرة عملت فيها جراحة هي اليوم وجاءتني لؤلؤة ملتصقة بالمحارة وأجريت لها جراحة ناجحة، لكني لم أنته منها بعد»، فقد تأخذ بعض العمليات الجراحية للؤلؤ مدة تصل في بعض الأحيان إلى 12 يوما، وخصوصا إذا كانت اللؤلؤة كبيرة جدا، وتبقى «المدة مرتبطة بالمزاج لأن المهنة تحولت إلى هواية، ففي السابق كنت أشتغل كثيرا، أما اليوم فقد اختلف الأمر».

ومن أحد أمراض اللؤلؤ أيضا أن تدخل حشرة أو رمل أو نوع من الدود إلى داخل المحارة، ما يؤدي إلى عطب يصيب اللؤلؤة، كما أن اللؤلؤة قد توضع في حالات أخرى خارج معدة المحارة وتلتصق بجدارها لتتشكل فوقها عدة طبقات، وهذه الحالة بحاجة إلى جراحة لتحرير اللؤلؤة من دون إيذائها، كما أن بعض اللؤلؤ يصاب بتشققات، منها ذاتي ومنها غير ذاتي، وهو ما يحتاج أيضا إلى جراحة دقيقة.

أما أدوات الفردان المستخدمة في كل هذه الجراحات المعقدة فهي سكين فولاذية صغيرة، وعلى الرغم من أنه بلغ الثمانين من عمره، فإنه لا يستخدم مكبرا للرؤية لإزالة ما يقول إنه عبارة عن طبقات دقيقة جدا تتشكل فوق اللؤلؤة لا يزيد سُمكها على ميكرونات، وإن أي خطأ في إزالتها قد يفسد اللؤلؤة باهظة الثمن، كما هو معروف.

«بالنسبة لي لم يتغير شيء في هذه المهنة منذ تعلمتها من والدي، إبراهيم الفردان، عندما كنت في الثانية عشرة من العمر، ولا أزال أمارسها من دون أي إضافة أو تعديل.. وأداتي الوحيدة سكين صغيرة فقط»، قال إبراهيم الفردان.

«أنا لا أجري الجراحة إلا لما أمتلك من لؤلؤ، أما إذا طلب مني أحد الأصدقاء المقربين جدا فلا مانع وأقوم بذلك»، وهنا أسال الفردان عما يمتلكه من لؤلؤ، فيكتفي بالإشارة إلى أنه يمتلك لؤلؤا بعشرات الملايين، ويبدي أسفه على كل لؤلؤة طبيعية باعها خلال حياته، «كان يجب أن أحتفظ بكل واحدة لأنه لا يمكن تعويضها».

ويكشف الفردان وهو رجل أعمال معروف في محيطه عن امتلاكه ما يصفه معجزة إلهية، وهي عبارة عن لؤلؤة مؤلفة من عدة لآلئ متلاصقة على شكل عقرب، وتزن 7000 قيراط، لكنه رفض أن يتحدث عن سعر هذه اللؤلؤة، واكتفى بالقول إنها تقدر بملايين الدراهم.

وإلى جانب خبرته في جراحة اللؤلؤ لدى الفردان خبرة في اكتشاف اللؤلؤ الطبيعي من الصناعي، على الرغم من أنه أصبح «من الصعب جدا في هذه الأيام التفريق بينهما، ونحن لا نشتري إلا عن طريق المختبر»، لكن بالنسبة لحسن الفردان فهناك «علامات تدلني على أن اللؤلؤة طبيعية أم لا، منها أن طبقات اللؤلؤ الطبيعي تكون ناعمة وأي شيء يؤثر فيها ويخدشها، على عكس اللؤلؤ الصناعي». ويستطرد هنا فيقول إن «اللؤلؤ الطبيعي المتداول في العالم اليوم هو اللؤلؤ القديم».

ولعل محافظة الفردان على مهنة «جراحة اللؤلؤ» بعد كل هذه السنين لا تأتي فقط من عشقه لهذه الهواية، ولكنه يقول: «أنا أشعر بالراحة النفسية وأنا ألامس اللؤلؤ وأعمل به، ومن خلال خبرتني ـ الله أعلم ـ كل من يمسك اللؤلؤ يشعر براحة نفسية قد تكون مرتبطة بوجود الكالسيوم في اللؤلؤ الذي يمتص التيارات الكهربائية من جسم الإنسان، وقد يكون ذلك هبة إلهية لأن الله لم يصف شيئا في القرآن بنوره إلا اللؤلؤ، فاللؤلؤ حجر كرمه الله في القرآن، وشبه الحور العين باللؤلؤ المكنون».

ويبقى حسن الفردان بيت سر مهنة «جراحة اللؤلؤ» التي يأفل نجمها مع كل يوم يتقدمه في السن. لكن سؤال بديهيا يقفز إلى الأذهان هنا.. لماذا لا يتم توثيق هذه المهنة أو تعليمها للجيل الجديد؟ هنا يجيب الفردان مبتسما: «اليوم أعتقد أنه من المستحيل أن يتعلم أحد هذه الجراحة، فأنا بدأت وعمري 12 عاما، وكنا في السابق نحتاج إلى هذه الجراحة، اليوم اختلفت الأمور، وتغيرت الاحتياجات والعقليات». وبتسليم يقر الفردان بأن مهنة كانت عبارة عن تراث الأجداد يوما ما هي أقرب ما تكون الآن للاندثار، «لكنه لا يخفي مطالبته بضرورة بذل جهود لتوثيقها.