الكتاب في ظل الأزمة المالية بالبلقان.. ينتظر المعجزات

ياسمينا سييترا لـ «الشرق الأوسط» : «كتب إعداد الطعام أكثر رواجا»

ياسمينكا لوسيتش: كتب الأطفال والكتب المدرسية هي التي نراهن عليها للاستمرار في العمل («الشرق الأوسط»)
TT

تعاني المطابع والمكتبات والقراء، ولا سيما الطلبة والأساتذة من الأزمة المالية، التي لا تزال غيومها تسد الآفاق، ولا يبدو أنها ستنقشع قريبا. أوقفت المطابع الكثير من المشاريع، وقلل الكتاب الذين يطبعون كتبهم على نفقتهم الخاصة من عدد النسخ حتى أن بعض الكتب لم يطبع منها سوى 300 نسخة فقط. وتراهن المكتبات الآن في عملها على بيع المواد الدراسية والقرطاسية. أما القراء فقد تراجعت اهتماماتهم الثقافية لحساب التزاماتهم وحاجياتهم المعيشية، بعد تراجع مداخيلهم بسبب فارق العملة، أو انخفاض الرواتب، أو البطالة التي تدفع بالمئات وأحيانا الآلاف إلى الشوارع. والجميع يعيش الأمل، في انتظار المعجزة. وقالت ياسمينا سييترا، 53 سنة، صاحبة دار «سييترا» للنشر لـ«الشرق الأوسط» «أسسنا سنة 1989 دار النشر أنا وزوجي أسعد الذي توفي سنة 2002، وكنا في السابق نعمل في هذا المجال في كرواتيا، حيث عمل زوجي لمدة 15 سنة في المطابع الكرواتية، أما أنا فقد عملت لمدة 8 سنوات قبل أن يصبح لدينا هذه الدار. بدأنا طباعة ونشر كتب الأطفال لأنها كانت تلقى اهتماما وبالتالي الأكثر توزيعا، ثم جاءت الحرب فأقفلنا المطبعة لعدم توفر المواد الأولية كالورق، ولم نتمكن من استئناف عملنا سوى سنة 1995». وعن اهتماماتهم بعد الحرب قالت «نطبع جميع الكتب التاريخية والثقافية والكتب المدرسية ولا سيما كتب المدارس الابتدائية والثانوية، ولدينا مكتبة تحتوي على 8 أقسام، حسب تصنيف الكتب المطبوعة. وعن الفترة الذهبية لنشاط المطابع أجابت «العصر الذهبي كان ربيعا قصيرا، وهي الفترة ما بين 2001 و2004، فقد تحسن الوضع الاقتصادي نسبيا بارتفاع نسبة الاستثمارات، وزيادة الناتج القومي، بعد ذلك زادت الضرائب، ثم جاءت الأزمة المالية فجعلت الربيع خريفا وتصحرت الساحة الثقافية ولا سيما عالم الطباعة في المنطقة تبعا لذلك».

ومن المفارقات أن تزدهر مبيعات كتب إعداد الطعام في ظل الأزمة مقارنة بغيرها من أنواع الكتب «كتب إعداد الطعام أكثر رواجا، وهو ما يعكس أولويات الناس، وتأثير الإنترنت، على الثقافة الورقية، إضافة إلى البعد الثقافي في كتب الطعام، فالمسلمون مثلا يرغبون في وجبات خالية من الخمر ولحم الخنزير، وكذلك كتب الأطلس المتأثرة بالمواقف السياسية لأصحابها وللمطابع وغير ذلك من الجهات المعنية».

ومن المشاريع المهمة التي تريد دار «سييترا» للطباعة والنشر تنفيذها «قصص القرآن للأطفال» ويحتاج لما لا يقل عن 50 ألف يورو. ومشاريع مكافحة المخدرات عبر التعليم، والتوعية الإعلامية من خلال طباعة ونشر قسائم في هذا الغرض. وتجمل ياسمينا سييترا الأزمة في ثالوث «الأزمة الاقتصادية، وعدم اهتمام مؤسسات الدولة، وغياب الجهات الممولة للفعل الثقافي». وتعتبر دار النشر التي تديرها «مؤسسة صغيرة تعمل مشاريع كبيرة لتجعل من المثقفين الرقم الأول في الدولة».

ياسمينكا لوسيتش (28 سنة) صاحبة مكتبة «بابلوشينغ» لا تتكلم العربية، ولكنها تحفظ بعض السور وتعد إلى العشرة، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن جدتها كانت تعلمها الحروف العربية، لكنها نسيت الكثير. وعن حال الكتاب في ظل الأزمة المالية أكدت، مثل ياسمينا سييترا، أن النسبة تقلصت إلى ما يزيد على 50 في المائة «لم نعد نراهن على بيع الكتب لجبر خسائرنا، بل على بيع المواد الدراسية» لكن الوضع ليس مأساويا فهناك مبيعات ولكن أقل من المأمول، كما تقول.

وعن الكتب التي تشهد إقبالا أكبر قالت «كتب سليمان بوجاري، وهي كتب دينية تجلب الكثير من القراء، ثم كتاب سيرة حياة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ثم كتاب ممثلة هيئة الادعاء بمحكمة جرائم الحرب سابقا ديل بونتي، ثم كتب الكاتب التركي المعروف أورهان باموك» عمرة مصطفيتش مديرة مكتبة الغازي خسرف بك قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الصيف أفضل الأوقات لبيع الكتب، حيث يأتي المهاجرون ويشترون الكتب إلى جانب أشياء أخرى».

ويرى القراء من مختلف الطبقات أن القراءة في البلقان لم تنقرض، وإن تأثرت بالأزمة المالية. وقالت أديسا هوغيتش (30 عاما) متخرجة في كلية الزراعة، وغير متزوجة، إن آخر كتاب قرأته كان كتاب «بين عالمين» لحافظ أسعد أمين. وأنها كما ذكرت لـ «الشرق الأوسط» تقرأ بمعدل كتابين في الشهر، ولديها اهتمام خاص بكتب سليمان بوجاري، وهو ألباني الأصل، بوسني النشأة. وقالت هليسة لوطفيتش (21 سنة) سنة ثانية كلية الاقتصاد «أقرأ الكتب التي لها علاقة بتخصصي، ثم الكتب الروحية» وتابعت «لست راضية عن مستوى قراءاتي فكينز (عالم الاقتصاد) لم يترك لي وقتا كثيرا» وعن أهم الكتب الروحية التي تحب مطالعتها قالت «كتب الحديث، وأتمنى الحصول على صحيح البخاري» وقالت زميلتها أمينة التي لم ترغب في ذكر لقبها العائلي «آخر كتاب قرأته كان فقه الأولويات للشيخ يوسف القرضاوي، كما قرأت لباولو تويني، وإسلام تاليتش، وأحب الكتب الدينية، لكن الإنترنت أثر على الكثيرين ونحن منهم، وهناك الكثير أيضا ممن يطالعون الكتب عبر الإنترنت». أما رفيق ياهيتش (24 سنة) فقال إنه مغرم بأدب القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وإنه قرأ لايفو أندريتش وتولستوي ولديه اهتمام خاص بالإمام أبو حامد الغزالي، «أتمنى شراء كتاب إحياء علوم الدين لكن لا أملك ثمنه وهو 150 يورو».

عبد الودود لاسيتسا (23 سنة) خريج فلسفة، قال إنه يقرأ في الغالب 3 كتب مرة واحدة، أي يقرأ في أكثر من كتاب يوميا بمعدل كتاب في الأسبوع. أو بالأحرى ما بين 50 و100 صفحة يوميا، وأحيانا يكمل الكتاب في 3 أيام. وهو يقرأ الآن كتاب جوزيف ماتوز «الخلافة العثمانية» ومختارات توما لوينسكي. وفي نفس الوقت يقرأ ماريس ايمال. ولا يذكر لاسيتسا الذي اعتنق الإسلام عام 2002 وكان اسمه فلاديمير أنه اشترى كتبا من المكتبات «أشتري كتبي من المعارض ولا أذكر أني اشتريت شيئا من المكتبات»، وقال صديقه سادين لوكاتيتسا (23 سنة) طالب ماجستير (قانون) «لدي اهتمام بكتب الجريمة والحقوق وما له علاقة بهما فهذا تخصصي، أما الكتب الأخرى فأحب القراءة في الكتب الإسلامية، طبعا عمرو خالد له شعبية عندنا، وأقرأ كتب سعيد النورسي» أما آخر كتاب قرأه فهو يتعلق بـ«الحقوق المدنية»، وأنه غالبا ما يفضل استعارة الكتب على شرائها. وهو مثل عبد الودود يؤكد «كل كتاب قرأته أثر في».