تونس تنظم مهرجانا لـ«سلطان الغلة»

بعض صغار الفلاحين فيها عوّضوا العنب والبرتقال بالتين الشوكي

ثمار الهندي في تونس
TT

كانت مدينة بوعرقوب، في ولاية نابل التونسية ذات الاسم التاريخي «زينة»، يومي 4 و5 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي على موعد مع الدورة الأولى لمهرجان التين الشوكي ـ أو الصبّير ـ المعروف في تونس باسم «الهندي». وشمل برنامج المهرجان فقرات تنشيطية وعروضا للفروسية والتراث والأكلات التقليدية التي تميّز معتمدية بوعرقوب، فضلا عن معرض للإنتاج الفلاحي وورشة لتذوق المنتوجات المستخرجة من التين الشوكي. كما جرى بالمناسبة تنظيم ندوة علمية حول واقع قطاع غرس التين الشوكي وآفاقه وتقنياته، بجانب أهمية هذا المنتوج وإمكانية دعمه وإدخاله في مسار التنمية الفلاحية في المنطقة، والتعريف باستعمالاته الطبية والعلاجية وبفوائده الغذائية، بالإضافة إلى تشجيع صغار الفلاحين على الاستثمار في هذا القطاع. والجديد إشراك عدد من السياح في عملية الجني وتعريفهم بخصوصيات هذه الثمرة. في الحقيقة ذهب الزمن الذي كان فيه باعة التين الشوكي ـ أو «الهندي» ـ ينادون على بضاعتهم بصوت عال «هندي تالة يا وكالة»، وكان يباع «الهندي» آنذاك بالسطل الواحد مقابل ملاليم معدودة. أما اليوم فيباع بالكيلوغرام وبألوان متعددة. وبالطبع، كان الجميع يخافون أشواك «الهندي» ويبحثون عن من يجنيه لهم، حتى شاع بين التونسيين المثل القائل «هذا يبحث عن الهندي المقشر»، كناية عن من يبحث عن اللقمة السهلة.

إنتاج التين الشوكي في تونس يعتمد اليوم أحدث التقنيات الزراعية، ويصل مدخوله في حساب الهكتار المزروع أضعاف ما يوفره العنب، وربما البرتقال كذلك. وتتميّز معتمدية بوعرقوب بإنتاج «الهندي» الأملس، وخصوصا في منطقة بني وائل وبرج حفيظ، حيث تصل مساحة غراسات «الهندي» الأملس بها إلى 400 هكتار وتؤمن منتوجا سنويا في حدود 3200 طن من مجموع الإنتاج الوطني المقدر بـ3800 طن، تصدر نسبة لا بأس بها إلى الأسواق الخارجية وفي مقدمها دول الخليج وليبيا وفرنسا.

وحول هذه الدورة الأولى لمهرجان التين الشوكي، قال عماد التايب، مدير المهرجان: «إن المساحات المخصصة لزراعة التين الشوكي تقدّر على مستوى البلاد بنحو 5500 هكتار. وتأتي تالة والقيروان في المرتبتين الأوليين، إلا أن بوعرقوب، المعروفة تاريخيا باسم (زينة) في الخارطة الرومانية، تخصصت منذ عقود من الزمن في التين الشوكي الأملس القابل للتصدير بصفة كبيرة، وهذا بخلاف للنوعيات الموجودة في المنطقتين المذكورتين التي يتطلب جنيها مزيدا من الجهد للتخلص من الأشواك التي يحترز منها المستهلك».

وأردف التايب: «بعض الفلاحين أصبحوا يتخلصون من مساحات مهمة من الكروم المعروفة بها المنطقة وتعويضها بغراسات التين الشوكي، وتقدر المساحات في مدينة (زينة) بنحو 400 هكتار يستغلها قرابة 800 فلاح، بمعدل مساحة في حدود الهكتارين.. وبإمكان الهكتار الواحد أن ينتج نحو 25 طنا من هذه الثمار».

ومن ناحية ثانية، أشار سالم بن سعد، وهو فلاح متخصص في غرس التين الشوكي، أن «الزراعات الأولى التي تمتلكها العائلة ترجع إلى 20 سنة خلت، وقد ترك شتلاتها الإيطاليون. ومن ثم غرسنا كذلك مساحة هكتارين إضافيين إلى جانب نصف هكتار سابق، والهكتار الواحد عندنا ينتج قرابة 30 طنا التين الشوكي، ونحن نبيع اليوم الكيلوغرام الواحد بالجملة بحساب دينارين. وهذا الرقم يزيد بأربعة أضعاف عن سعر العنب الذي غالبا ما يتراوح خلال الموسم ما بين 400 و600 مليم تونسي (أقل من نصف دولار أميركي)». وأضاف بن سعد أن «نبتة (الهندي) مقاومة للأمراض وقادرة على التأقلم مع الظروف المناخية الصعبة، كما أن التربة التونسية قادرة على إنتاج أفضل الأنواع وبمذاق قلما تجده لدى بقية البلدان المنتجة، وهو ما جعل الطلبات الخارجية عليه كثيرة. ونحن نصدّره بالخصوص إلى ليبيا، ودولة الإمارات المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والأردن». واستطرد موضحا: «هناك ثلاثة أصناف من التين الشوكي في منطقة بوعرقوب، هي: التين ذو اللون الأصفر، وذو اللون الأخضر، وكذلك التين ذو اللون البنفسجي».

والواقع أن إنتاج «الهندي» الأملس، بالذات، في المنطقة يعتمد على تقنيات فلاحية متطورة على غرار الري قطرة ـ قطرة، والمداواة، والتسميد، والتقليم.. وغيرها من التقنيات التي اعتمدتها البلدان المتقدمة في إنتاجه كإيطاليا، والمكسيك، وتشيلي، وإسبانيا، وجنوب أفريقيا. وقد تسعى تونس لاحقا إلى منافسة هذه البلدان على أسواق عالمية إضافية واعدة. وبما يخص غراسة «الهندي» في معتمدية بوعرقوب، فإنها شهدت نموا كبيرا خلال السنوات الأخيرة إذ اتسعت الغراسات المروية بطريقة الري قطرة ـ قطرة من 50 هكتارا عام 2004 إلى أكثر من 350 هكتارا اليوم.

ولإن كانت مناطق تالة (في محافظة القصرين) والقيروان (في الوسط والوسط الغربي لتونس) معروفة بإنتاج كميات مهمة من التين الشوكي منذ عقود من الزمن زودت خلالها الأسواق التونسية، وخصوصا العاصمة، بثماره، فإن المناطق المحيطة بمدينة بوعرقوب تخصصت في نوعيات منه أكثر إنتاجية يمتد استهلاكها لأكثر من 6 أشهر ابتداء من مايو (أيار) من كل سنة وحتى نوفمبر (تشرين الثاني). ومن أهم أصناف «الهندي» المنتجة هناك، كما تعرف محليا، الـ«بيانكا» (أي الأبيض) والـ«تجال» (أي الأصفر) والـ«روسا» (أي الوردي)، وهي تسميات كلها ذات أصول إيطالية، ذلك أن دخول هذه الأنواع إلى تونس جاء عبر الإيطاليين الذين جلبوا معهم أيضا زراعات الكروم على نطاق واسع.

وأخيرا، وليس آخرا، للتين الشوكي الملقب في الموروث الشعبي التونسي بـ«سلطان الغلة» فوائد غذائية وصحية متنوعة، إذ تحتوي نبتة «الهندي» وثمارها على مجموعة مهمة من الألياف النباتية والفيتامينات والبروتينات ومضادات الأكسدة والسكريات المغذية والنافعة، كما يستخرج من «الهندي» الكثير من المواد الصحية، لا سيما مواد التجميل، مما يساهم في تزايد الإقبال على استهلاكه والانتفاع بمميزاته، وكأنما هناك فئات اجتماعية تكتشفه لأول مرة.