نادل يوزع فناجين القهوة في شوارع الرباط

يحمل 9 كيلوغرامات على ظهره.. وحلمه امتلاك مقهى ثابت

عبد القادر عتيق يوزع فناجين القهوة في شارع الحسن الثاني بالرباط («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كنت من زوار مدينة الرباط، لا شك أنك التقيت يوما ما مع «عبد القادر عتيق» النادل المتحرك في شوارعها، بوزرته البيضاء، وابتسامته العريضة التي تغطي لحيته الخفيفة، وإبريق القهوة ذات الرائحة النفاذة التي تسبق خطواته، معلنة عن قدومه. يقول عتيق إنه الوحيد الذي يمارس هذه المهنة في عاصمة المغرب، منذ أربع سنوات، كمورد للرزق، لمواجهة تكاليف الحياة اليومية، مشيرا إلى أن شعاره في الدنيا هو «الحياة كفاح». ويقول عتيق إنه استوحى الفكرة، ذات يوم، من شاب في مثل سنه، شاهده في شوارع مدينة الدار البيضاء، حاملا لإبريق القهوة، فقرر خوض التجربة، بدل البقاء رهين انتظار فرص عمل قد تأتي أو لا تأتي من دون أن تكون في مستوى التطلعات.

ويعطي عتيق المثل بنفسه، فقد اشتغل من قبل عاملا مطبعيا، وزجاجيا، ومدربا لتعليم قيادة السيارات، وعمل مختصا في الزجاج، ونجارا للألمنيوم. كل هذه المهن لم ترقه، أو بتعبيره الشخصي، «لم أجد فيها راحتي، فلا ضمانات اجتماعية، ولا احترام من المشغلين لقوانين العمل، ولا مردودية شهرية ثابتة، ولذلك غادرتها غير نادم».

ولأن التنقل لمدة ثماني ساعات، عبر شوارع الرباط، يقتضي نفسا طويلا، ولياقة بدنية قادرة على التحمل، فإن عتيق يمارس الرياضة أسبوعيا، ويضعها في مقدمة هواياته، وهو عضو في نادي «الاتحاد السلاوي للكرة الحديدية».

يقطع عتيق كل يوم عشرة كيلومترات، ذهابا وإيابا، في تحركه عبر الساحات العمومية والشوارع الرئيسية، خاصة شارع الحسن الثاني الذي يعتبر أحد الشرايين الرئيسية في العاصمة السياسية المغربية، بامتداده وشساعته وواجهاته التجارية، وحركته الصاخبة التي لا تهدأ.

ولأن وزن عدة العمل يبلغ تسعة كيلوغرامات، وتشمل إبريق القهوة من الحجم الكبير، والسكر، والكؤوس، و«المجمر» (موقد النار) المليء بالجمر (للحفاظ على القهوة ساخنة)، فإنه يعود في المساء إلى بيته منهكا ومتعبا، لكنه يكون راضيا عن نفسه، لأنه يمارس عملا شريفا، ويكسب لقمة عيشه بعرق جبينه، ومردوده اليومي «فيه الخير والبركة،» كما قال، من دون أن يفصح عن مبلغ محدد، موضحا أن «لكل يوم رزقه».

ويحرص عتيق حرصا شديدا على نظافة الأدوات المستعملة في القهوة، مشيرا إلى أن الكؤوس المستعملة هي من النوع البلاستيكي الأبيض، التي تستخدم مرة واحدة فقط، وأن مجموع الاستهلاك اليومي منها هو نحو 200 كأس، وبسعر رخيص جدا: درهم مغربي واحد للكأس الصغيرة، ودرهمان للكأس الكبيرة، (الدولار يساوي نحو 8 دراهم تقريبا)، ويعلق عتيق ضاحكا: «لا غلاء على مسكين، كما نقول في العامية المغربية».أما زبائنه، فهم من الحرفيين، والباعة المتجولين، والإداريين، والشباب، «وحتى بعض أصحاب المقاهي أنفسهم، لأن القهوة التي أقوم بتحضيرها خصيصا على طريقتي، تشتمل على أعشاب طبيعية، فيها منافع عامة للصحة، ولذلك يطلبونها كلما مررت أمامهم».

وأتاحت هذه المهنة لعتيق نسج علاقات، واكتساب صداقات مع أناس صاروا ينتظرون موعد مروره اليومي لرشف فنجان أو فنجانين من قهوته وهم واقفون، حيث يتجاذبون معه أطراف الحديث، وضمنهم، كما قال، بعض الفرنسيين الذين يلتقيهم في مكان معين عند ناصية الشارع. وعندما سئل عن سر اختياره لتقديم القهوة، عوضا عن الشاي، المشروب الشعبي المغربي الشهير، أجاب بأن «القهوة مطلوبة أكثر، وهي منشطة، وصالحة لأي وقت، والرائحة المنبعثة منها بفضل مكوناتها من الأعشاب الطبيعية المضافة إليها تجعل الكثيرين يقبلون عليها، إذ تذكرهم بأجواء الجلسات العائلية في بيوت الوالدين، نظرا لنكهتها وطعمها المميز».

وعن علاقته بالسلطة، قال عتيق: «الحمد لله، ليس هنالك أي مشكل لي معها، فأنا أحافظ على النظام العام، ولا أتسبب في خلق أي ازدحام من شأنه عرقلة المرور على الرصيف، أو تلويث البيئة».

أما «متاعب المهنة» فلخصها عتيق في تغير أحوال الطقس، التي تخلق له صعوبات في التنقل، خاصة خلال الأيام الماطرة المصحوبة بالبرد والعواصف.

وعلى الرغم من ذلك، يبدو عتيق متفائلا، وذلك ما تترجمه قسمات وجهه، ونبرات صوته، وهو يقول: «إن الإيمان بالله، وبأن الغد سوف يكون أحسن من اليوم، هو ما يملأ صدري ثقة واطمئنانا، والمهم لدي هو الصحة والسلامة والعافية».

والحلم الذي يداعبه، هو أن يتوفر له في المستقبل رأسمال يعينه على امتلاك مقهى ثابت، يكون هو صاحبه والمشرف على تسييره وتدبيره، «وهذا هو الأمل الذي أعيش عليه،» كما قال.