الديكور المنزلي من الصناعات التقليدية المغربية يكتسح جنوب أوروبا

«قرية» مدينة سلا أصبحت مستودعا لذاكرة الفنون المغربية

صناعات تقليدية مغربية تستعمل في الديكور المنزلي (تصوير: عبد اللطيف الصيباري)
TT

يلفت انتباه زائر «قرية الفنون الجميلة» في مدينة سلا المغربية المجاورة للرباط، النكهة المغربية الخالصة في معروضاتها. معروضات وتحف تؤكد صمود «ذاكرة الفنون» المغربية. تأسست هذه القرية عام 1993، وأصبحت من المعالم السياحية التي تطل على نهر أبي رقراق، الذي يفصل بين الرباط وسلا. وما يميز معروضاتها أنها جميعا تصلح للديكور المنزلي مع تفاوت في الأسعار والأصناف.

قسمت «قرية الفنون» إلى أجنحة تعرض فيها مختلف المنتوجات التقليدية وكل جناح يحمل اسما يدل على منطقة أثرية في المغرب أو سوق مشهورة أو حرفة معينة لتذكير الزائر بخصوصية تلك الأمكنة والمآثر، وكل جناح مخصص لعرض منتوج معين يرتبط اسمه بالمعروض داخله من تحف.

محطتنا الأولى كانت رواق «القرويين» نسبة إلى جامع القرويين في فاس، حيث تعرض مجموعة من التحف تتميز بالجمال والتنوع وتصاميم مستوحاة من الإرث المغربي القديم. معروضات تجذب عشاق الأصالة والتجديد، التميز والترف. موائد ذات لمسات تشكيلية فنية، مرصعة بزخارف من الخشب والنحاس والأحجار الكريمة، وهي إما دائرية أو سداسية أو مستطيلة، توزع عليها الإكسسوارات التي تعد المكمل لأي ديكور منزلي مثل الفوانيس والمشغولات الخشبية (من خشب يسمى العرعر) والفضية والنحاسية وكذا الأواني الفخارية والشموع المعطرة، والمغاسل والصحون وكذا المصابيح والإطارات المصنوعة من الحديد المسبك والنحاس. مما جعل الرواق مرآة للهوية والأصالة المغربيتين.

تقول نزهة، المسؤولة عن الرواق، إن زواره «خليط من المغاربة والأجانب، في البداية كان السياح هم من يشترون معروضات الرواق، لكن في السنين الأخيرة لاحظنا اهتماما كبيرا من طرف الزوار المغاربة بمنتوجاتنا»، أما عن نوعية الزبائن فأكدت نزهة أنهم من الشريحة الميسورة الحال، وهذا مرده إلى الأسعار المرتفعة نوعا ما للمنتوجات المعروضة.

أكثر المعروضات مبيعا في هذا الرواق، الموائد المزركشة بمختلف أنواعها، أيضا عرفت الآونة الأخيرة رواجا ملحوظا لما يعرف بـ«الباهو» الذي «يبين جمالا نادرا لا يتلاشى بمرور الزمن، يزين زوايا منازلنا ويزيدها فخامة وعراقة». «الباهو» يحول البيوت البسيطة إلى قصور صغيرة من الداخل، خصوصا إذا تم اختيار الزوايا التي يوضع فيها، المقبلون على هذا القطعة الفنية هم من هواة الطراز الكلاسيكي، ما جعل إمكانية اقتنائها محصورة بصيغة محددة في ميسوري الحال.

أما رواق «الأوداية»، وهو اسم أهم مآثر العاصمة الرباط، فقد أطلق على جناح عرض فيه الفخار والبديع، وهي الأواني وديكورات مصنوعة من الطين المزين برسومات وألوان. غالبية المعروضات تصنع بالمعمل الذي يوجد يمين القرية على مساحة خمسة آلاف متر مربع تصنع فيه أغلب المعروضات في القرية، باستثناء تلك التي تتطلب دقة واختصاصا أكثر، مثل حلي الفضة والأواني النحاسية والجلود، ويعمل في المعمل 140 عاملا كلهم من سلا.

منتوجات المعمل تصدّر أيضا إلى الخارج، وبخاصة إلى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا ودول الجنوب الأوروبي الأخرى حيث يوجد إقبال كبير على الصناعة المغربية التقليدية بلغ في السنوات العشر الأخيرة أوجه، إذ أصبح الأجانب يزيّنون بيوتهم على الطريقة المغربية. وهناك رواق «إملشيل» وهو اسم موسم الحب والزواج المشهور في جنوب المغرب تعرض فيه الملابس التقليدية من «جلباب» و«قفطان» تعكس غنى التراث المغربي، إذ لكل منطقة لباس مميز يختلف عن باقي المناطق، إضافة إلى الملابس توجد في هذا الجناح أحذية وحقائب ومحافظ جلدية. زوار هذا الرواق معظمهم من السياح الأجانب، أما المغاربة نادرا ما يشترون من هذا الجناح كما تقول المسؤولة عن الرواق، وتفسر ذلك بأن المنتوجات التي لها علاقة بالديكور وتزيين البيوت هي التي تعرف الرواج من حيث البيع.

ومن الأجنحة أيضا نجد جناح «شالة»، نسبة إلى منطقة أثرية في الرباط، الذي يعرض حلي الفضة التي جلبت خصيصا من مدينة تزنيت في جنوب المغرب المشهورة بإتقانها لفن صناعة الفضة، وزبائنه أيضا من الأجانب. وتتوسط الأجنحة قاعة كبيرة تسمى «دار الضيافة»، مسؤولو قرية الفنون قصدوا تصميم هذه القاعة وتسميتها بهذا الاسم حتى يذكروا الزائر بطرائق المغاربة في الضيافة، بل إن المعروض في هذه القاعة السداسية الشكل يؤكد هذه الرغبة، حيث خصصت لعرض الأثاث المنزلي من السجاد المنسوج بالطريقة التقليدية والعصرية ومقاعد خشبية من النوع الفاخر وكراسي وموائد ولوحات، إضافة إلى المباخر والمغاسل.

وتقول كريمة، المسؤولة عن الجناح، إن هذه المعروضات تعرف إقبالا كبيرا من طرف الزوار، وتوضح قائلة: «المغاربة أصبحوا يتعاطون للديكور التقليدي في الآونة الأخيرة، حيث يعتمدون على تزيين بيوتهم بكل ما هو تقليدي وأصيل بغض النظر عن الأسعار التي تكون في كثير من الأحيان مرتفعة بالنظر إلى جودة المنتوج ودلالته». وأكثر المعروضات مبيعا في هذا الرواق هي الزرابي التقليدية (السجاد)، خصوصا ما يعرف بـ«الحنبل»، هذا النوع ينسج في مختلف المناطق التي تقطنها القبائل البربرية. وهي تصنع في أغلب الأحيان من الصوف الخالص، ومزينة بأشكال هندسية بسيطة مثل المعين والمثلث والمستطيل، وكذا المربعات. ويعتبر هذا السجاد أساس الأثاث المنزلي. وتستعمل كغطاء أو كفراش، كما تستعمل لتزيين الجدران أو أرضية البيوت أو لإنتاج حقيبة يدوية ووسادة تقليدية في أحجام وأشكال مختلفة.

قرية الفنون المغربية هي حقا مجسم مصغر للمغرب بكل فنونه وتقاليده ومآثره. أما الرحلة داخلها فهي رحلة حنين إلى الحضارة المغربية عبر العصور، وسفر في الزمان والمكان والأشياء والذكريات.

يشار إلى أن وزارة الصناعة التقليدية بادرت مؤخرا إلى تقديم وصلات إعلانية عبر وسائل الإعلام المحلية عنوانها تشجيع الصناعة التقليدية المغربية وكذا الصانع التقليدي. وصلات قدمها سفراء الصناعة التقليدية أمثال الممثلة أمينة رشيد، والممثل رشيد الوالي، والعدّاءة العالمية نزهة بيدوان. هذه الخطوة أعادت للصناعة التقليدية وهجها بعد أن أصابها داء «العصرنة» الذي غزا كل مظاهر الحياة المغربية. لكن على الرغم من اكتساح «العصرنة» بقيت بعض الحرف التقليدية فإنها تقاوم مثل صناعة الأثاث والديكور التي استطاعت الحفاظ على مكانتها وأصالتها على مر السنين، بفضل جمال التصاميم وبساطتها، وكذا التنوع والتمازج في الألوان المستمدة من بيئة المغرب الغنية بألوانها، إضافة إلى أنه نتيجة لتنوع الحضارات في المغرب واحتكاكها وامتزاجها بالحضارة الإسلامية والرومانية، وتعاقب الاستعمار البرتغالي والفرنسي عليها جعل منها مزيجا فريدا، وإن كان أثر الحضارة الإسلامية هو الأقوى والأبرز والأكثر انعكاسا على الديكور المغربي.