ثاقب بيسكيتش.. «بلبل البلقان» الحديث

تحدّث لـ«الشرق الأوسط» عن واقع الإنشاد الإسلامي في البوسنة

ثاقب بيسكيتش ومدير أعماله سانين والشاعر حسين سالكيتش («الشرق الأوسط»)
TT

أنهى المدرسة الثانوية الإسلامية في ترافنيك بوسط البوسنة (89 كيلومترا شمال غربي سراييفو) عام 2005، واختير في الفصل الثاني ليكون عضوا في فرقة الإنشاد التابعة للمدرسة. وبعد فترة وجيزة من اختياره في الفرقة تقلد عدة أوسمة، وسرعان ما أصبح قائدا للفرقة. وعام 2005 حصل على المرتبة الثانية في حفظ القرآن الكريم الذي تنظمه اللجنة الدولية دوريا في العاصمة الكرواتية زغرب. وفي العام الجاري 2009 تخرج بتفوق من كلية العلوم الاجتماعية في مدينة زينيتسا. إنه المنشد ثاقب (تلفظ ساكب) بيسكيتش، ابن منطقة فيتاز البوسنية، وعضو «جمعية الشبان المسلمين»، الذي التقته «الشرق الأوسط» للتحدث عن فن الإنشاد الإسلامي في البوسنة. وقد استهل كلامه بالقول إنه عقد العزم على المواءمة بين عمله الأكاديمي المستقبلي، كما يخطط، إذ يسعى لتسجيل الماجستير ثم الدكتوراه لمساعدة الذين يعانون من الاضطرابات العقلية، وفي الوقت ذاته يواصل أداءه المميز في مجال الإنشاد على مستوى منطقة البلقان بل وأوروبا. وذكر أنه شارك في الكثير من التظاهرات الثقافية التي شهدتها المنطقة، منها مهرجانات سبليت الثقافية في كرواتيا، حيث عرض كتاب «بريبورود» (الصحوة) للمشيخة الإسلامية في سبليت، وكذلك مهرجانات الأعياد. وكان قد صدر له أول شريط مدمج (سي دي) قبل 4 سنوات. وعن أسباب تركه فرقة الإنشاد التابعة للمدرسة وعمله منفردا، أجاب: «جرت العادة أن يكون أعضاء الفرقة من طلبة المدرسة، فهي تطعّم باستمرار بالوجوه الجديدة من طلبة السنتين الأولى والثانية، حتى إذا انتقل طلبة السنة الثالثة إلى الجامعة يكون هناك من يحل محلهم ويسد الفراغ الذي يحدثه خروجهم». وحول ما إذا كان خروج بعض الأعضاء يحدث خللا داخل الفرقة، أفاد: «أحيانا يحدث ذلك، وهناك انطباع راسخ بأن عام 2005 كان العهد الذهبي للفرقة في ترافنيك، وكانت حقبتنا هي الأفضل حتى الآن. ولكن لا يعني هذا نهاية المطاف، فربما تخفي الأعوام الآتية أفضل مما كان فيها». وحول ما إذا كان أعضاء الفرقة يحصلون على مكافآت بعد إحيائهم الحفلات الثقافية ومنها المناسبات الإسلامية، أجاب بيسكيتش: «في السابق لم نكن نحصل على أي مكافآت مالية، ولكن الوضع تحسن الآن ويحصل أعضاء فرق الإنشاد (حيث لكل مدرسة فرقة إنشاد) على مكافآت مالية بعد إحياء المناسبات الثقافية والمشاركة في تظاهراتها، وهي إن كانت مكافآت رمزية فإنها تعني الكثير لطالب أو طالبة في المرحلة الثانوية».

وعن عدد أفراد فرقة الإنشاد حسب المعدل المعمول به في المدارس الإسلامية، قال: «في الغالب يكونون في حدود 15 فردا»، وعما تتميز به فرق إنشاد الإسلامية إحداها عن الأخرى قال: «إن فرق الإنشاد تقدم أناشيد واحدة في المناسبات الإسلامية. هناك الكثير من الأناشيد التي تقدّمها جميع الفرق، ولكن لكل منها أيضا أناشيدها المميزة مثل مدرسة ترافنيك التي يتحدث أحد أناشيدها عن مناقب إلشي إبراهيم باشا الذي تحمل مدرسة ترافنيك اسمه، وكذلك الأمر في مدن سراييفو وتوزلا وتسازين وغيرها من المدن التي توجد فيها مدارس، مع العلم أن عددها 6 مدارس. ثم لدى هذه الفرق أيضا شعراؤها، فأنا مثلا أتعامل مع عدد من الشعراء الشباب في مقدمتهم حسين سالكيتش، وهو من نفس منطقة فيتاز التي أتحدر منها».

وعما إذا كانت فرق الإنشاد التابعة للمدارس الإسلامية سواء في البوسنة أو منطقة البلقان تنسق في ما بينها وتقيم احتفالات مشتركة، ذكر ثاقب بيسكيتش أن «فرق الإنشاد الإسلامية، ولا سيما في البوسنة، تقيم حفلات مشتركة في المناسبات الكبرى كالتي يشهدها مركب زيترا، ويحضرها ما يزيد عن 50 ألف شخص، أو في أثناء المسابقات التي تنظمها المدارس الإسلامية بين فرق الإنشاد لديها، والتي تجرى كل عام في منطقة تيشن بوسط غربي البوسنة». وعن أسباب إحجامه عن تكوينه فرقة إنشاد جماعية، واتخاذه نمطا خاصا في الإنشاد، قال: «هناك منشدون مشهورون مثل برهان شعبان وعزيز خليلي، وهما من أفضل المنشدين في المنطقة، ومع هذا ليس لأي منهما فرقة». ثم تابع كلامه مقيّما برهان شعبان وعزيز خليلي، وكلاهما من حفاظ كتاب الله تعالى، فقال: «برهان شعبان اتجه حاليا للاحتراف في الفن الدرامي الشعبي أكثر، أو ما نطلق عليه بلغتنا (سافدا)، أما خليلي فلا يزال وفيا للفن الإسلامي بمواصفاته البلقانية، مع العلم أن لكل منهما جمهوره في المنطقة، ولا أريد أن أدخل في مفاضلة بينهما، فهناك أناس يحبون برهان شعبان، وبالطبع أناس يحبون عزيز خليلي، ولكلا الفريقين أسبابه كالحفاظ على التراث أو تنوير الروح بقصائد جادت بها قرائح الشعراء في لحظة تجلٍّ روحاني، وتغنى بها منشدون في مناسبات إسلامية عزيزة».

وعما إذا كان سيختار طريق أحد المنشدين شعبان وخليلي، قال بيسكيتش إن له طابعه الخاص المميز، مضيفا: «لا أريد أن أكون صورة طبق الأصل عن أي منهما، بل سأختار طريقا وسطا بين الاثنين مراعاة لمرجعيتي الثقافية وحفاظا على التميز».

وعن مشاريعه المستقبلية كمنشد لم يتجاوز ما مضى من عمره 22 سنة، قال بيسكيتش: «لديّ حفل في منهن بمناسبة السنة الهجرية الجديدة، وأعد لإصدار جديد بعد الإصدار الأول، ولدي موقع على الإنترنت وأعمال على اليوتوب». وبخصوص مستقبله العلمي ومدى تأثير نشاطه الفني عليه والعكس، قال إنه لا يستطيع التفريط في أي منهما.. «فتحصيلي ومستقبلي العلمي لن يتأثرا بنشاطي الفني، وكذلك حفلاتي لن تتأثر بعملي المهني في المستقبل. سأمتهن الاثنين دون أن يكون أحدهما على حساب الآخر. وسيكون عملي الأكاديمي من أجل حياتي المادية، والإنشاد من أجل حياتي الروحية، ولكل منهما تجليات مادية وروحية».

أما كيف يفسر ذلك، فيقول: «عندما أعمل في مكافحة المخدرات والإدمان عموما، ومساعدة المرضى نفسيا، فسأملأ من أتعامل معهم روحيا، وفي الوقت نفسه أجدد قواي الروحية الذاتية. أما تأمين حاجاتي المادية من العمل فهو معلوم لدى الجميع لأنهم يلمسون ذلك من واقعهم».

على صعيد آخر يرى ثاقب بيسكيتش أن من يتصدون للعمل الإسلامي «يجب أن يندمجوا في مجتمعهم مع الحفاظ على العزلة الشعورية في إطار منظومة القاعدة الصلبة التي ينتمون إليها، فبعض الناس يخافون الأشكال التقليدية بسبب ما تعرضت له من إساءات».

هذا، ومن بين عناوين القصائد التي أنشدها ثاقب وتضمنتها شرائطه الثلاثة التي أصدرها حتى الآن «الآن أعلم» و«قراءة القرآن» و«الأذان» و«الميلاد» و«عند النبع» و«الكاتبان» ـ ويعني الملكين المرافقين للإنسان ـ و«ماذا أقول لك» و«الإرادة» و«أمي» و«سفينتي أو مركبي» و«الانتقال».. وقد حازت أنشودته الأخيرة على جائزة أفضل أداء قبل فترة وأشيد بها في وسائل الإعلام.