مصر: تاكسي جديد «يشْرَح النفس»

يثير مناقشات بين السائقين والزبائن

التاكسي الجديد يغير وجه القاهرة (تصوير: عبد الله السويسي)
TT

سيارات أجرة جديدة تتهادى في شوارع مصر المزدحمة، «تشْرَح نفس» الركاب لمناقشة أحوالهم الخاصة والعامة، وما يمكن أن يكون عليه مستقبل البلاد. وأصبحت هذه المركبات برفاهيتها التي لا تقارن بالحالة البائسة للتاكسي القديم، تثير جدلا بين آلاف من سائقي التاكسي وزبائنهم عن فاعلية خطوات إصلاح يتبناها الحزب الحاكم وما إذا كان يمكن أن تمتد يد التطوير لمرافق أخرى في البلاد.

ورغم الأزمة المالية العالمية، وتشكيك معارضين في جدوى وعود بتطوير الخدمات وتحسين الحياة للمصريين، تمكنت الحكومة من تنفيذ برامج أصبحت ظاهرة للعيان، منها مشروع تطوير التاكسي في القاهرة الكبرى التي تضم خمس محافظات: القاهرة (العاصمة)، والجيزة وحلوان و6 أكتوبر والقليوبية. ويعيش في هذا الإقليم 19.2 مليون نسمة يمثلون ربع عدد سكان مصر تقريبا.

من بين هذه الملايين كان سائق يدعى محمود (55 عاما) يقود، حتى بداية هذا العام، سيارة تاكسي عتيقة. وبمساعدة برنامج حكومي، اقترحته أمانة السياسات بالحزب الحاكم، استبدل بسيارته أخرى مزودة بوسائل للراحة.

يرى محمود أن زبائنه أصبحوا أقل تذمرا من بطء الحركة هنا، وأكثر ميلا للدردشة معه بصوت هادئ إلى حد ما عن ذي قبل. يقول إن السبب يرجع لما تتمتع به سيارته الجديدة من تكييف وجهاز مشغل للموسيقى، وكذا بسبب عداد قياس السرعة الذي يحدد قيمة الأجرة أمام الزبون، خطوة بخطوة.. وهذا كله لم يكن متاحا في معظم سيارات التاكسي من قبل، بل إن الأجرة تقل أحيانا عن أجرة التاكسي القديم.

ويقول محمود «حين يبدأ النقاش، ويعرف الزبون أن البرنامج اقترحته الحكومة، يبدأ الجدل، حول ما يمكن أن تفعله أيضا لحل مشاكل كثيرة بمصر، وأنا أقول إنه، بالنسبة لي، فإن الأمر يبدو جيدا لأنني تمكنت من اقتناء سيارة أجرة بتيسيرات معقولة.. بعض الزبائن، مثلي أيضا، نأمل في إيجاد حل لمشكلة الزحام، وبعضهم يأمل في تجديد سيارات النقل العام، لأنها أرخص من أجرة التاكسي بكثير».

وحتى السنة الماضية، كانت سيارة محمود، من ماركة «اللادا»، ذات صفيح ثقيل خشن، مثل ماركات عديدة، من ضمن 40 ألف سيارة تاكسي أكل عليها الزمان وشرب، ويرجع ترخيص معظمها لما قبل عام 1980، بينما يمتد زمن صنعها لأيام أفلام الأبيض والأسود، وأصبحت تعرقل حركة المرور بسبب كثرة أعطالها.

الآن يركب محمود سيارة شيفروليه ذات صفيح رقيق ناعم، من موديل هذه السنة، يضع فوقها كلمة «taxi» بألوان مضيئة بكل فخر. واستفاد هذا السائق من قروض تمنحها بنوك مصرية بالتنسيق مع وزارة المالية، بلغ عددها خلال أقل من سنة حوالي 26 ألف قرض.

وأضاف محمود: «حين أطلقت الحكومة وعودا بتحديث سيارات الأجرة في القاهرة، اعتقدت أن مستقبلي ضاع، لأنني لا أملك قيمة سيارة جديدة، لكن سرعان ما أطلقت برنامجا ميسرا للتخلص من السيارات القديمة، وإتاحة سيارات حديثة بتمويل من بنوك ومؤسسات أخرى».

وعرف زوار القاهرة الكبرى طوال سنوات عديدة سيارة الأجرة (التاكسي) ذات اللونين الأسود والأبيض، لكن قِدم العهد بها، مع تزايد الازدحام، جعل راكب التاكسي العتيق يشعر كأن لونه كله أسود في أسود. فغالبية تلك التاكسيات القديمة كانت تفتقر للمكيفات، ولها ضجيج، وتنبعث الحرارة من مقاعدها، وتطلق دخانا حولها.

مساعد وزير المالية بمصر، نبيل رشدان، صرّح بأن شركات منتجة للسيارات، وتشارك في مشروع إحلال التاكسي الجديد محل القديم، انتهت بالفعل من تسليم 13 ألف سيارة منذ بدء تنفيذ المشروع في أبريل (نيسان) الماضي.

ويجري تسليم 3 آلاف سيارة جديدة خلال هذه الأيام. ويقول مسؤول في البنك المركزي إن نحو 10 آلاف قرض جديد لسائقي التاكسي القديم، خصصتها بنوك مصرية عامة، لتمكينهم من شراء سيارات تاكسي حديثة.

ويسدد سائق سيارة التاكسي الجديدة أقساطا شهرية، لكنها أقل بكثير من تلك التي يسددها الشخص العادي، لأن كل سيارة جديدة تدخل برنامج تحديث التاكسي تتمتع بالإعفاء الجمركي لأجزاء صنعها ومن ضريبة المبيعات، وتحصل على تخفيضات أيضا من الشركات الموردة، وتسهيل حصول كل تاكسي على وضع إعلان لشركة من الشركات على هيكله الخارجي بمقابل مادي، يتم خصمه من القسط الشهري المستحق على صاحب التاكسي.

وتقول الحكومة إن الإصلاحات المالية والاقتصادية وتحسين الخدمات والمرافق العامة تجري جنبا إلى جنب، خاصة في السنوات الخمس الأخيرة. وفي تصريحات له، يقر جمال مبارك الذي يرأس أمانة السياسات في الحزب الحاكم، وهي الأمانة المعنية بوضع السياسات أمام الحزب، قبل رفعها للحكومة، إن بعض المناطق في مصر لم تشعر بعد بمثل هذه الإصلاحات، لكن مناطق أخرى تحسنت أحوالها، وتم إبعاد تداعيات الأزمة المالية العالمية عنها. وقال مسؤول في أمانة السياسات، إن الحزب يسعى مع الحكومة لاستكمال برنامج استبدال سيارات التاكسي القديمة وكذلك استكمال برنامج تاكسي العاصمة، قبل نهاية عام 2011، مشيرا إلى أن ذلك يأتي ضمن مشروع كبير للتغلب على قدم وسائل النقل العام التي تقوم بـ 2.2 مليون رحلة يوميا بالإقليم. وأضاف أن أعمار 57 في المائة من أسطول هيئة النقل العام أصبحت تتراوح بين 12 و20 سنة، لافتا إلى أن تكلفة حل مشاكل النقل في القاهرة الكبرى لا تقل عن 73 مليار جنيه، حتى عام 2020.

يقول محمود، واضعا يده على مقود سيارته الجديدة منطلقا فوق كوبري السادس من أكتوبر، على نيل القاهرة، إن التاكسي هذا مزود بوسائل الراحة، وأصبح يقلل من شعور زبائنه المضني بزحام العاصمة، ويسهم أيضا في تغيير وجه القاهرة للأفضل، و«يفتح نفس الزبون للحديث عن حاله بل عن الأحوال العامة في البلاد».