فندق «أثينيوس» في الإسكندرية.. قلادة يونانية مفعمة بالأساطير

شهد أشعار كافافيس.. ومولد «ميرامار» لنجيب محفوظ

فندق «أثينيوس».. علامة باقية حارسة لماضي الأسكندرية العريق وامتداده في الزمان والمكان («الشرق الأوسط»)
TT

أجواء «أثينية» على كورنيش الإسكندرية، في ثاني كبرى مدن مصر وثغرها الرئيس، يمنحها فندق «أثينيوس» للزائر ويمكّنه من متابعة حركة المارة على الكورنيش ولقاءات المحبين يحفها نسيم الأمواج العليل التي لم تنقطع يوما منذ شيّد الإسكندر المدينة عام 331 ق.م.

يتميز «أثينيوس» القابع في محطة الرمل الشهيرة، بديكوراته وأنتيكاته العتيقة المفعمة بروح الأساطير اليونانية وعبقها، يعززها طرازه المعماري الأوروبي المنفَّذ على يد أشهر المعماريين الإيطاليين والفرنسيين.

في تراث «مدينة الإسكندر» يعد «أثينيوس» أحد أهم العلامات الباقية الحارسة لعراقة ماضيها، وامتداده في الزمان والمكان. إذ يلجأ إليه كل من ينتابه حنين مدينة الذكريات، وهو ما زال محتفظا بتصميماته وديكوراته التي تعطي إحساسا بالفخامة والأرستقراطية، تطالعك حين تتأمل مجموعة من الصور التاريخية للإسكندرية، في كل ركن منه، ومنها صور لميدان محطة الرمل والمنشية تعود إلى القرن الماضي، وصور لأسرة محمد علي وملوكها وأمرائها وأميراتها، مما يجعل الزائر له يشعر كأنه في متحف توثيقي للمدينة.

يعقوب أحمد نصار، صاحب مطعم وحلواني «أثينيوس»، يقول: «إن كلمة (أثينيوس) تعني باللغة اللاتينية (الأثيني)، وكان صاحبه يونانيا اسمه كوستانتينوس أثينيوس، وقد امتلك المكان عام 1900 بعدما حصل عليه من تاجر يهودي إيطالي، وظل يديره حتى أواخر عام 1954. وعندما توُفّي تولت زوجته كاتينا إدارة المطعم حتى عام 1969، وقد أدخلت إليه بعض الفقرات منها: موسيقى كلاسيكية تعزفها أركسترا، والرقص على أنغام الفالس والتانغو، وكان الفندق آنذاك المكان المفضل لنجوم ومشاهير والمجتمع من كل الطبقات. وكانوا يتهافتون للظهور فيه، أو عند دخولهم وخروجهم منه كملتقى للصفوة». ويتابع نصار: «آلت ملكيه المطعم إلى والدي نصار ومنذ ذاك الوقت ظل المكان المفضل لكبار رجال الدولة والوزراء والباشوات طوال القرن الماضي. فعندما كانت الوزارة تنتقل إلي الإسكندرية في فصل الصيف كان اجتماع الوزراء هنا في «أثينيوس». وقد كُتب في هذا المكان العديد من الروايات والأشعار التي خلّدت تاريخ الإسكندرية، فقد كان الشاعر اليوناني كافافيس أحد الرواد الدائمين للمكان، وكذلك الأديب نجيب محفوظ الذي اعتاد زيارة المكان وكتب فيه أهم رواياته. وحتى الآن يستقبل المكان أهم الشخصيات العربية والعالمية، ومنهم العالم الدكتور أحمد زويل، الحائز على جائزة نوبل، الذي زار المكان عام 2005، والتقيته وهو يتناول الإفطار مع أسرته. وقال لي يومذاك إنه حقق أمنيته التي كانت تراوده منذ كان طالبا في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية، إذ كان يجلس في مواجهة المطعم على الكورنيش يتابع حركة رواد المطعم والمترددين عليه من أرقى الطبقات، وكان يتمنى أن يُمضي فيه بعض الوقت». أما عن نجيب محفوظ، فقد كان يحب الجلوس في مقاهي الإسكندرية ليتحسس نبض المدينة الكوزموبوليتانية، بخاصة في مقهى «أثينيوس» في مواجهه البحر. وهو الذي شهد مولد روايته الشهيرة «ميرامار» التي تحولت إلى فيلم سينمائي قامت ببطولته الفنانة شادية وجسدت دور «زهرة». وكان الأديب الكبير قد استوحاها من بنسيون مجاور للمقهى على كورنيش الإسكندرية، ما زال موجودا حتى الآن. وكانت صاحبته يونانية، وتعد الرواية سيرة ذاتية لها. ولقد تَحوّل البنسيون إلى «فندق فؤاد». والجدير بالذكر أن محفوظ كتب في روايته «ميرامار» مجسدا واقع الجاليات الأجنبية في بالإسكندرية، قائلا: «... واليوم فإن هؤلاء المنفيين من اليونانيين والأوروبيين الآخرين، قد رحلوا ولم يتركوا عظامهم في المدينة، ذهب أغلبهم إلى أوطانهم، وعلى أي حال فإن ماريانا اليونانية صاحبة بنسيون «ميرامار» تتكلم بلسان هؤلاء الذين ظلوا في المدينة». أيضا، كان من رواد «أثينيوس» البارزين الدكتور علي الجريتلي اقتصادي مصر العظيم، الذي تولى منصب نائب رئيس الوزراء في أول حكومة للثورة. وكان مقهاه ومطعمه ملتقى العائلات الشهيرة مثل زغيب وموصيري ونادلر وباسيلي وغيرهما. وما زالت الجاليات اليونانية والأرمنية والإيطالية تستعيد أروع ذكرياتها بين جدرانه، ويأتي إليه دائما أحفاد وأبناء العائلات الأجنبية التي كانت مقيمة في الإسكندرية في أثناء زيارتهم للمدينة. «أثينيوس» يستقبل زواره من التاسعة صباحا وحتى الثانية بعد منتصف الليل، وهو يكتظ بالسياح الذين يشكلون أغلب زبائنه حاليا، وهم يفضلون تناول الغداء أو العشاء فيه، أو بعشاق كورنيش الإسكندرية الساحر صيفا وشتاء، وهؤلاء يستمتعون بتدخين الشيشة بين نسيم البحر والذكريات الحارة التي تعلق بها رائحة المدينة التي لا تشيخ. ويقدم المطعم العتيق بعض الأطباق اليونانية والإيطالية كما اعتاد زبائنه على «الباستا» بفواكه البحر، ويشتهر أيضا ببصمته في المأكولات البحرية، ومن أشهر أطباقه: الدجاج المحشو بالسبانخ والريكوتا، والسوفلاكي والموساكا، وحساء الفطر على الطريقة الإيطالية، والمعكرونة بصلصة الألفريدو، والرافيولي واللازانيا، وكرات الأرز بالجبنة، إلى جانب الأطباق المصرية التقليدية والحلويات الشرقية والغربية، التي تفتح الشهية، على خلفية موسيقى تتجاوب في أصدائها الإيقاعات اليونانية والمصرية.