ميادين الإسماعيلية.. تماثيل وجداريات تتناثر على طاولة التاريخ

بعضها صنع من بقايا شظايا المدفعية والقنابل الإسرائيلية

شيدت ميادين لتسطر عصر الحروب وأخرى جسدت فيها تماثيل وجداريات توثق عمليات التنمية والتعمير («الشرق الأوسط»)
TT

مع أول ضربة معول أمر بها الخديوي إسماعيل للبدء في إنشاء مدينة الإسماعيلية وحفر قناة السويس.. تحولت المدينة إلى دفتر للتاريخ. تعاقبت فيه صفحات البطولة، من تضحيات لبسطاء بذلوا دماءهم وأعمارهم، في سبيل حفر مشروع حول مصر إلى مطمع لقوى إمبراطورية، إلى إرادة النصر التي تملكت شعب المدينة وعصفت بأعدائه، فاندثروا مدحورين على أبوابها.. في تلك المدينة الصغيرة التي تتوسط مدن القناة توالت الملاحم. ووثقت ميادينها الشجية أدق تفاصيلها على جدرانها أو عبر نصبها التذكارية.

من بين قطع التاريخ المتناثرة في الإسماعيلية بحي الإفرنج، وهو أحد أهم وأرقي أحياء المدينة، كان يقتصر السكن فيه على الموظفين والمهندسين الأجانب العاملين بشركة قناة السويس، في منتصف شارع محمد علي، يقبع تجسيد مقلّد لعربة المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس، صاحب فكرة حفر قناة السويس، ولعل اختيار الأجهزة التنفيذية لإقامة هذه العربة ووضعها في هذا المكان تحديدا ترجع لقرب الميدان الشديد من فيلا ديليسبس، التي كان يتابع من خلالها أعمال حفر قناة السويس التي بدأت في أبريل (نيسان) 1859 واستمرت مدة عشر سنوات حتى تم افتتاحها أمام الملاحة الدولية.

وصنعت عربة ديليسبس من الحديد المطلي باللون الأسود والبرونزي وتعتلي منصة ترتفع عن سطح الأرض نحو مترين تقريبا.

وفي الميدان نفسه أقيمت جدارية تجسد حفل افتتاح قناة السويس ملاصقة لسور مدرسة هيئة قناة السويس للغات، وهي مدرسة عريقة أقامتها الشركة الفرنسية التي كانت تدير قناة السويس قبل تأميمها، وكان يقتصر التعليم فيها على أبناء المهندسين الأجانب فيها من دون المصريين.

تضم الجدارية صورة حفل افتتاح قناة السويس، والذي أطلق عليه المؤرخون احتفال القرن لما احتوى من مظاهر البذخ والترف، إضافة إلى العدد الكبير من ملوك وأمراء أوروبا والعالم، ويصل طول الجدارية لنحو أربعة أمتار وبعرض نحو 7 أمتار تقريبا، وهي مصنعة من الفسيفساء الملّون.

وفي تقاطع شارعي الثلاثيني ومحمد علي ومدخل طريق البلاجات السياحي هناك ميدان آخر حيث يقبع تمثال الخديوي إسماعيل المصنوع من الغرانيت المطلي بالألوان، ويصل طوله لنحو 7 أمتار وبارتفاع مترين عن سطح الأرض.

ويعد الخديوي إسماعيل مؤسس مدينة الإسماعيلية حيث أقيمت في عهده، وخصها بعنايته الشخصية، وتشهد على ذلك فنون العمارة الخديوية التي تظهر في حي النخيل بالإسماعيلية.

وفي طريق رقم 6 وعلى بعد نحو 200 متر من المجرى الملاحي لقناة السويس يقع ميدان الشهيد عبد المنعم رياض، ويشهد موقع الميدان على واقعة استشهاد قائد أركان الجيش المصري الفريق عبد المنعم رياض أثناء حرب الاستنزاف مع إسرائيل، حينما أصيب بشظايا المدفعية الإسرائيلية خلال زيارته للجبهة في 9 مارس (آذار) 1969، ولقي مصرعه متأثرا بجراحه داخل سيارة الإسعاف أثناء نقله إلى المستشفى العسكري بقيادة الجيش الثاني الميداني.

وفي قلب حي الإفرنج أقيم تمثال الصمود والتصدي، بميدان مديرية الإسكان، ودشنه الفنان جلال عبده هاشم على هيئة جندي يحمل بندقية، وتم صنعه من بقايا شظايا المدفعية والقنابل الإسرائيلية التي ألقيت على مدينة الإسماعيلية منذ نكسة 1967 وحتى نصر أكتوبر (تشرين الأول) في 1973، جمع الفنان بقايا الشظايا وصنع منها تمثالا يجسد صمود شعب الإسماعيلية أمام غارات العدو الإسرائيلي طوال سبع سنوات.

وفي ميدان الفردوس وعلى جدار نادي الإسماعيلي السابق «مركز شباب الإسماعيلية حاليا» أقيمت جدارية تجسد بالفسيفساء الملون تاريخ النادي الإسماعيلي ونجومه في عصره الذهبي حيث أظهرت نجوم الكرة ميمي درويش ورضا وأبو جريشة وأعلام الكرة من أبناء الإسماعيلية لتسجل من خلالها بطولات كروية سابقة أحرزها النادي صاحب الشعبية الطاغية في المدينة.

وخارج مدينة الإسماعيلية على بعد نحو خمسة كيلو مترات أقيم ميدان الدبابات الشهير بقرية أبو عطوة، والذي يضم متحف الدبابات ويوثق معركة بين الفدائيين من أبناء الإسماعيلية وقوات من الجيش الإسرائيلي في محاولة فاشلة لدخول مدينة الإسماعيلية، بعد تسرب بعض القوات الإسرائيلية للضفة الغربية لقناة السويس في أكتوبر 1973 حيث حاولت مجموعة من الدبابات اقتحام مدينة الإسماعيلية، لكن الفدائيين أغرقوا المنطقة بالمياه فتعطلت الدبابات وغرست في الأرض الزراعية وفر بعض الجنود من دون أسلحة بينما أسر البعض الآخر منهم.

وكما شيدت ميادين لتسطر عصر الحروب، فهناك ميادين شهيرة شيدت بالإسماعيلية وجسدت فيها تماثيل وجداريات توثق عمليات التنمية والتعمير، ففي مدخل حي الشيخ زايد أكبر الأحياء بالإسماعيلية أقيمت جدارية رسمت عليها بالفسيفساء صورة للشيخ زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات الراحل، عرفانا من أهالي الإسماعيلية بدعمه إياهم وقيامه ببناء منطقة سكنية ضخمة عقب انتصارات أكتوبر، لإعادة تعمير ما دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية في مدن القناة.

وفي نهاية الشارع التجاري وأمام مكتبة مبارك الجديدة بنهاية حي الشيخ زايد أقيم تمثال ضخم للمهندس المصري عثمان أحمد عثمان مصنوع من الغرانيت ومطلي باللون البرونزي، وهو رائد حركة التعمير في مصر باعتباره ابن الإسماعيلية، وله دور كبير في تعميرها ودفع حركة البناء بالمدينة عبر شركته المقاولون العرب.