سوق الجمعة في البصرة: حكايات وبضائع من الإبرة.. إلى هيكل الجرافة

بعض تجارها من كردستان والخليج وإيران.. وبضائعها مستعملة وأخرى مسروقة

جانب من سوق الجمعة في البصرة («الشرق الأوسط»)
TT

إذا كانت البصرة قد اشتهرت بسوق المربد التاريخي، فإن سوق الجمعة تعد الآن من أشهر وأكبر الأسواق بالمحافظة، إذ يلتقي فيها عند صباح كل يوم جمعة بضعة آلاف من روادها، من باعة ومتبضعين باحثين عن المفقود والقديم.

وتتراص في السوق السلع والبضائع بشكل عشوائي من تحف وأنتيكات وملابس جديدة وقديمة وأدوات منزلية وسلع كهربائية وقرطاسية وكتب وعطور وقطع غيار وحلوى وأدوات مطابخ وعلب زينة وماكياج ولعب أطفال وساعات وهواتف جوالة ودرجات هوائية ونارية وأثاث وطيور وأخشاب وأحذية وقناني غاز وكابلات وحديد خردة وأدوية ومواشي وفرفوري وموزاييك وخواتم ومسابح وغيرها. ويفترش باعتها الأرصفة وجزءا من الشارع الرئيسي الرابط بين البصرة القديمة والعشار الذي اعتاد رجال المرور على قطعه أمام المركبات من تقاطع شارع بشار إلى تقاطع الصمود القريب من مستشفى البصرة العام.

وتشهد السوق إقبالا واسعا، منذ الساعات الأولى من النهار، كي يجد الباعة موطئ قدم لهم فيها، ولبضاعتهم، يعقبهم المتسوقون الذين تمتلئ الشوارع المؤدية إلى السوق بموجات كبيرة منهم، قادمين من كل أرجاء المحافظة، حيث يزداد الاكتظاظ والتزاحم ابتداء من جامع البصرة الكبير الذي أطلق علية مؤخرا جامع الشهيد حسان وحتى جامع المشراق، فيما تمتد منه أزقة خلفية يرتادها مروجو بيع الأسلحة والأعتدة والممنوعات.

وكانت السوق في السابق ملاذا للفقراء يعرضون فيها ما زاد عن حاجاتهم، فيما يقتني آخرون المواد المستعملة المعروضة لرخص أثمانها، غير أنها شهدت نشاطا كبيرا خلال عامي 1991 و2003 عندما استباح السراق واللصوص والعاطلون دوائر الدولة والمخازن الحكومية ونهبوا كل شيء ولم يبق فيها غير هياكل خالية حتى من الأبواب والشبابيك.

ويقول الباعة إن شهرة السوق وكثرة المعروض فيها من مواد حديثة وبالجملة امتدت إلى تجار في محافظات كردستان الذين يحضرون بأعداد كبيرة ويشترون منها بكثافة، فيما مد آخرون جسورا إلى تجار إيرانيين نقلوا إليهم الكثير من محتويات السوق بما فيها من سيارات حكومية حديثة وماكينات وعدد وأجهزة طبية ومحتويات مختبرات وأختام وأرشيف دوائر وغيرها.

وقال عبد الجليل خلف، بائع، إنه «بالرغم من عودة الأمن إلى المحافظة ووجود مركز للشرطة في منتصف السوق، إلا أنها ما زالت مكانا لترويج السلع والمواد المسروقة سواء من الدوائر الحكومية ومعسكرات الجيش ومنها الأسلحة والأعتدة والجعب والنواظير والحاسبات وأجهزة التكييف والتدفئة وقطع الغيار والكتب المدرسية ومفردات البطاقة التموينية أو من المساكن».

وأضاف خلف «كما امتدت شهرة السوق جنوبا حتى وصلت إلى الكويت ودول الخليج العربي، إذ امتلأت أروقة السوق بالبضائع والسلع والأثاث والأجهزة المستهلكة التي يستغني عنها الأهالي هناك فيجري بيعها لتجار موردين إليها، ومن بينها ثلاجات وأثاث وأدوات إنارة وثريات ومراوح وغيرها».

ويقول حاجم شمخي، أحد رواد السوق، إن السوق لا تفرغ من المعروضات المحلية أو القادمة من دول الجوار الثلاث، السعودية والكويت وإيران، وحسب المواسم، إذ يصدر التجار الخليجيون من هناك كل ما تحتاجه السوق العراقية، عبر المنفذ الحدودي في صفوان وأم القصر. وتعتبر السوق العراقية والبصرة خاصة إحدى أهم الأسواق التي تستقبل السلع المصنعة هناك والمستوردة عبر أسواق تلك الدول. وذكر شمخي أنه بعد أن نشطت تجارة السيارات الحديثة والقديمة في فترة ما بعد سقوط النظام العراقي السابق، أعقبتها تجارة قطع الغيار والهياكل والإطارات والبطاريات. وأضاف أن «السوق تعد ملاذا للسلع الكاسدة في المحال التجارية والمعلبات النافذة الصلاحية التي تشهد إقبالا لرخص أسعارها». ومن جهته، يقول جلال عادل، متسوق، إنه لا تمر جمعة إلا هو ومجموعة من أصدقائه يقومون بزيارة السوق، وإن كان ذلك يتم من دون البحث عن حاجة معينة، إلا أنهم ربما «يجدون أشياء تستحق الاقتناء نظرا لما متوافر في هذه السوق من الإبرة إلى هياكل السيارات والماكينات والجرافات». فيما أوضح عباس الناهي، متسوق، أنه تمكن من جمع ما يحتاجه من أبواب وشبابيك وكابلات وأدوات للكهرباء والماء وكل ما يحتاج إليه في بناء دار جديدة له، مؤكدا «بالإضافة إلى جودة النوعية وفرت مبالغ كبيرة لو اقتنيت تلك المواد من الأسواق التجارية». وقال خليل الدوسري، بائع طيور، إن «السوق في يوم الجمعة تمتلئ بهواة جني الطيور، الحمام منها أو طيور الحب أو الأنواع الأخرى، وإن المحال تكون في أوج نشاطها للبيع أو الشراء»، مشيرا إلى أن هناك من يبحث عن الدجاج والبط والأوز والديوك الرومية والدجاج الصيني والديوك الهندية وكتاكيت الدجاج» وروى إسماعيل علي، متسوق، حكاية طريفة حصلت في السوق، قائلا «ذات يوم كانت امرأة تعرض للبيع جهازا حديثا أبهر المتسوقين بمنظره، لكنها والذين وقفوا أمام الجهاز من رواد السوق لا يعرفون ماهيته أو وظيفة استخدامه، إلى أن شاهده أحد منتسبي شرطة المرور، وقال إن الجهاز يستخدم لطبع أرقام السيارات على حديد البليت (اللوحات المعدنية)، وتستخدمه دائرة المرور عند تزويد أصحاب السيارات الحديثة بلوحات أرقام لسياراتهم، بعدها انفض عنها الواقفون بابتسامات صفراء».