ناد مصري لتعليم التفاؤل ومقاومة الإحباط!

أغلبية أعضائه من الشباب وشعاره التغلب على «مافيش فايدة»

فتيات يستعدن الابتسامة.. بطرق عملية وألعاب بسيطة («الشرق الأوسط»)
TT

«المصريون أكثر سكان العالم تشاؤما».. هذا ما خرجت به نتائج استطلاع عالمي أجرته مؤسسة «غالوب إنترناشيونال لقياس الرأي»، لكن من المؤكد أن غالبية المصريين المشهورين بخفة الدم وبأنهم ملوك القفشة والنكتة، حتى في لحظات أتراحهم وأفراحهم، سيستنكرون ذلك، فلحظات التفاؤل والتشاؤم ليست عجينة معملية، يمكن أن تخضع بسهولة لآليات وميكانزمات الاختبار، فهي تتسم بقدر كبير من خصوصية المشاعر والعواطف والانفعالات، وهي مسألة ذاتية، وليست مجرد ردود فعل لظروف الحياة، وتقلبات المواقف والأحوال.

استطلاع التشاؤم الذي أجري منتصف العام الحالي انطلق من تصور الفرد لأوضاعه بعد خمس سنوات، ورأيه في الحكومة، وتوقعه لتغير حياته نحو الأفضل في عدد من البلدان. وبدافع من نتيجة الاستطلاع الصادمة، وعلى غرار «رب ضارة نافعة» التقط الخيط جمعية «قلب كبير» الأهلية بالقاهرة، لتطلق أول ناد يعلم أعضاءه لغة التفاؤل، وكيفية اكتساب مهاراته وتنميتها. النادي الوليد حمل اسم «نادي تعلم التفاؤل»، ولا يقتصر التدريب على التفاؤل على أعضاء النادي من المصريين بشكل خاص، بل يشمل العرب أيضا، فيما تبرز العناوين الرئيسية في برنامج النادي من خلال استهداف تغيير طريقة التفكير تجاه مواقف الحياة المختلفة، ومقاومة الإحباط والتشاؤم والاكتئاب، بطرق عملية وتدريبات وألعاب بسيطة.

الدكتورة «فيروز عمر»، المستشارة النفسية والاجتماعية، رئيس النادي، توضح أن فكرة النادي بسيطة، تبنى على تدريبات عملية يمكنها أن تقدم التفاؤل للفرد المصري والعربي، بعد أن سيطرت عليه الأحاسيس المتشائمة والتعميم السلبي على كل المستويات السياسية والاجتماعية، مما يؤثر على إنجازه ومشاعره وأفكاره وحتى صحته، وأصبح يردد مقولات يومية مثل «مافيش فايدة»، «لا يوجد أمان»، «كل الناس شريرة». لذا يتم تدريب الأعضاء على عدد كبير جدا من الأمثلة والنماذج من الواقع لإكسابهم طريقة تفكير مختلفة، فهم يعايشون تدريبات من الحياة الشخصية والزوجية والاجتماعية والعمل والتعامل مع الأطفال. وتشير عمر إلى أن كل ذلك يتم عبر جلسات جماعية ويشرف عليها اخصائي نفسي، أو مُيسر (قائد)، لا يفرض رأيه على الناس، ولكنه يخرج بالرأي من خلال المتدربين أنفسهم، فهم في هذه الجلسات يكونون على طبيعتهم من دون رسميات، بما يمكن تسميته جلسات «فضفضة»، لذا تم إطلاق مسمى «ناد» عليه، لنقول للمتدربين إننا في مكان ممتع وليس محاضرات تدريبية تقدم بشكل رسمي، وبالفعل هذا المسمى جذب كثيرا من الناس إليه وكان عاملا على نجاح الفكرة.

تعقب جلسات التفاؤل، والتي يصل عددها إلى سبع جلسات، ممارسة المتدرب بعض الألعاب الممتعة، ويراعي أن تكون مكملة للتدريب على التفاؤل، تقسم هذه الألعاب إلى جزء بصري يعتمد على الألوان كالرسم واستخدام الـpuzzle في تكوين الصور والأشكال الورقية، وجزء سمعي يعتمد على الموسيقى، وجزء حركي، يركز على تحرك المتدربين وعمل حركات رياضية بأجسادهم، وهو ما يسهم في أن يخرج الفرد من مناخ أنه يستمع إلى محاضرة، وأنه محاصر في جوها بشكل تقليدي.

أما الفكرة العلمية للنادي فقائمة على ما خرج به عالم النفس مارتين سليغمان بعد تجاربه التي استمرت لمدة 20 عاما لرصد ظاهرتي التفاؤل والتشاؤم، والتي أكدت أن الصفتين شيء متعلم يمكن اكتسابه، وبالتالي لا يوجد شخص متفائل بطبعه ولا متشائم بطبعه، لذا يهدف النادي إلى أن يوصل إلى المتدرب أن يتعامل مع أفكاره بشكل مختلف وباعتقاد مختلف، وبحسب رئيسة النادي «نحن لا نقول شيئا بعيدا عن الواقع، لكننا نعترف به، ونحاول تعليم كيفية التعامل مع هذا الواقع، فلا ندعو لعدم الواقعية، لكن ندعو المتدربين لأن يروا الواقع في أبهى صوره، لأن الناس يقولون إنهم اعتادوا على التفكير بطريقة معينة، لذا نقول لهم إن الطباع قد لا تتغير، ولكن طريقة التفكير يمكن أن تتغير، وهناك فارق بين المعنيين».

تترجم هذا هناء إبراهيم (23 عاما) خريجة جامعية، وتقول «كدت أفقد الأمل في نفسي، وفي الحياة، خاصة بعد أن مررت بظروف شخصية، شديدة القسوة، وأحسست بأن الدنيا اسودت في وجهي، وما إن سمعت بأمر هذا النادي حتى بادرت بالالتحاق، وبالفعل أقضي وقتا جميلا، وأستمتع بالتدريب والتعلم، وكما ترى أصبحت متفائلة، وأمتلك القدرة على أن أبتسم، وأتحدى التشاؤم والإحباط».

ابتسامة هناء التي استعادت تفاؤلها هي نتيجة الطريقة المتبعة في النادي، فبرغم قصر مدتها والتي تبلغ 18 ساعة فقط، إلا أنها حققت نجاحا لدى الكثيرين من المتدربين؛ فقبل الالتحاق بالنادي يفكر المتدرب في مشكلته أو أزمته بطريقة متشائمة، وكان ينتج عن ذلك أن يكون رد فعله متشائما وسلبيا، أما بعد البرنامج عندما بدأ يعيد التفكير والتعامل في المشكلة ذاتها بطريقة مختلفة نتج عن ذلك أنه أصبح واقعيا وطموحا ومتفائلا.

يستقبل «نادي التفاؤل» ـ الذي يرفع شعار التغلب على «مافيش فايدة» ـ أعضاءه من كل الأعمار، ولكن الفئة الأكثر إقبالا كانت في عمر الشباب، وأيضا من السيدات، فهن أكثر إقبالا من الرجال؛ فالمرأة أكثر استعدادا للحكي والكلام، على عكس الرجل الذي يتسم بأنه عملي ولا يحب الكلام كثيرا، ولزيادة خدماته يستعد النادي قريبا للتوجه إلى طلاب المدارس، كما تفكر الجمعية الحاضنة له أن تخصص يوما ثابتا أسبوعيا في برامجها للتفاؤل، حتى يكون هناك دعم لفكرة التفاؤل مع المتدرب، ويتجنب أن تحدث له انتكاسة ويتراجع مستوى تفاؤله.