أسواق الخردة في البلقان تنتعش في ظل الأزمة المالية

ألف محل تدير تجارة بقيمة 5 مليارات يورو

فاضل بين قطع الغيار القديمة («الشرق الأوسط»)
TT

ازداد الإقبال على أسواق الخردة وقطع غيار السيارات المستعملة في منطقة البلقان، وبالذات في البوسنة والهرسك، بشكل ملحوظ منذ الأزمة المالية العالمية التي تضرب مختلف القطاعات وترتفع معها أسعار المواد الأساسية. ولقد أصبح اللجوء إلى أسواق الخردة ـ أو ما يوصف باللغة المحلية «أوتباد» ـ ظاهرة في السوق اليلقانية التي تضم نحو 70 مليون نسمة، أسهمت في تزايد لافت لمحلات بيع قطع الغيار المستعملة.

«الشرق الأوسط» دخلت بعض الأسواق والتقت أصحاب محلات بيع «الخردة» أو قطع الغيار المستعملة، فقال أحدهم، واسمه فاضل رييتش (49 سنة)، وهو أب لولدين وبنت: «إنني أعمل في هذا الميدان منذ 2003، وكنت قبل ذلك تاجر مواد غذائية، واليوم لدي الكثير من العمال الذين يساعدونني في هذا المجال.. إذ لا يمكنني تلبية طلبات الزبائن وحدي». وعما إذا كان يفضل تجارة قطع الغيار المستعملة على غيرها من أنواع التجارة، أجاب: «لو لم أكن راضيا بهذا العمل لما مارسته طوال هذه المدة، ولا سيما في السنتين الأخيرتين، رغم أنني أدفع إيجارا يصل إلى 1500 يورو في الشهر».

وعن أسباب إقبال الناس على قطع الغيار القديمة، ذكر رييتش أن ذلك يعود لسببين: «الأول لأن قطع الغيار القديمة أصلية غير مقلدة، والثاني لاختلاف السعر، فهي أرخص من الجديدة. ثم هناك قطع غيار لا يمكن إيجادها في محلات بيع قطع الغيار الجديدة سواء قطع الغيار الخاصة بالسيارات القديمة التي لم تعد المصانع تنتجها أو قطع الغيار الهيكلية». وعن مصادر قطع الغيار أشار رييتش إلى أن «ألمانيا وهولندا، وبدرجة أقل فرنسا وإيطاليا، هي المصادر الرئيسية لقطع غيار السيارات المستعملة، ونحن بالتالي لا نشتري السيارات التي تحمل لوحات محلية لنبيعها كقطع غيار وفقا للقانون، بل نشتري السيارات التي تحمل لوحات أجنبية».

في أثناء الحوار كان فاضل رييتش يجيب على أسئلة كثيرة ترده من الزبائن الذين يسألون عبر الهاتف عن قطع غيار معينة، أو يرد على أسئلة مَن يأتون مباشرة إلى مكتبه الصغير في واجهة الساحة المكشوفة التي تكدست في أطرافها قطع الغيار المختلفة من أبواب ومحركات وحتى إطارات. وعاد رييتش ليجيب على تساؤلاتنا فقال إن «أسعار قطع الغيار المستعملة أدنى بنسبة 100 في المائة من الجديدة. ولكن ثمة قطع غيار أغلى من تلك الجديدة لأنها غير موجودة في محلات بيع القطع الجديدة.. ونسبتها تقريبا 40 في المائة من قطع الغيار المطلوبة. ثم هناك نحو 30 في المائة من السيارات القديمة لا توجد لها قطع غيار في محلات بيع قطع الغيار الجديدة». وبخصوص عائدات التجارة أشار إلى أنه بنى فيلا ومحلا تجاريا من عائدات تجارته في قطع الغيار المستعملة، وقدّر حجم هذه التجارة في عموم منطقة البلقان بأكثر من 5 مليارات يورو، وهناك نحو ألف متجر أو محل، منها ما يزيد على المائة في البوسنة والهرسك وحدها.

من ناحية أخرى، قالت مديحة كاييفيتش (35 سنة)، نائبة مدير شركة «فار»، وهي متزوجة ولديها ابن: «أنا أنوب عن أخي ميرصاد صاحب الشركة عندما يكون مسافرا.. وهو موجود حاليا في ألمانيا لعقد صفقات خاصة بقطع غيار السيارات القديمة مع الشركات الألمانية». وتابعت: «بدأنا العمل عام 1996 ولكن بشكل أكثر فعالية عام 1998، وكنا نمارس التجارة من قبل ولكن في مجالات أخرى». وأقرت مديحة بازدياد الإقبال على قطع السيارات القديمة، لكنها اشتكت من كثرة الشركات والمؤسسات العاملة في هذا المجال، فقالت: «في منطقة صغيرة هناك 25 نقطة لبيع قطع الغيار المستعملة». كما اشتكت من نقاط البيع غير المرخصة التي تبيع قطع غيار سيارات مسروقة. وعن أسباب الإقبال أكدت بدورها تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على توجهات الناس، بجانب حقيقة أن الكثير من قطع الغيار الجديدة الرخيصة الثمن مزيفة.

هذا، وتستخدم شركة «فار»، التي تغطي مرافقها مساحة 1100 متر مربع، الكومبيوتر في كل أعمالها وتداولاتها. وتعرب مديحة كاييفيتش عن ارتياحها لكون الأرض التي تحتلها مرافق الشركة ونقطة البيع ملكا خاصا لها وليست مستأجرة، مما يخفف ـ حسب قولها ـ من تأثير الاكتظاظ في نقاط البيع على عائد التجارة المربحة.

هذا، ويجري نقل قطع الغيار من ألمانيا عبر أسطول من الناقلات العملاقة تحمل الواحدة منها حمولة 10 سيارات من قطع الغيار. كذلك تقوم «فار» ببيع السيارات للزبائن عن طريق البنوك التي تكون ملزمة بسداد قيمة السيارات بغض النظر عما يحدث من مشكلات بينها وبين الزبائن. وأخذت مديحة نفسا عميقا عند سؤالها عن رأيها في مستقبل هذه التجارة، ثم قالت: «الناس بلا عمل ومع ذلك تتكاثر السيارات، لأنهم يرهنون منازلهم من أجل الحصول على سيارة. والسيارات بحاجة إلى قطع الغيار.. ولكن البعض لا يشتري إلا ما يجعل السيارة تسير وحسبهم ذلك». بطبيعة الحال، أصحاب محلات بيع القطع الجديدة متضايقون جدا من نقاط بيع القطع المستعملة، ومنهم هيلينا شاهيتش (44 سنة) التي فتحت محلها قبل 6 سنوات. وهي تقول: «الأزمة الاقتصادية خفضت مبيعاتنا بنسبة 40 في المائة، وهي نسبة تزيد قليلا أو تنقص في جميع القطاعات تقريبا». وأردفت: «الناس يشترون فقط ما يحتاجون إليه، وما يمكن أن ينتظر يبقى في الانتظار. ثم إنه إلى جانب الفارق في الأسعار يظن البعض أن القديم أصلي والجديد مقلّد، ونحن نشتري مثلا قطع الغيار من تركيا».

ويجمل حسيب سيفيتش (36 سنة)، وهو أيضا صاحب محل لبيع قطع الغيار الجديدة، أزمة محلات بيع قطع الغيار المستعملة في عدة نقاط بقوله: «إنها الأزمة الاقتصادية أولا.. فالناس ليس عندهم مال اليوم، وكثيرون منهم لا يعملون. وثانيا نقاط بيع القطع المستعملة كثيرة والناس يبحثون عن الرخيص، وثالثا شركات بيع السيارات الجديدة تبيع عن طريق البنوك بالتقسيط، ولمدة 5 سنوات يقوم الزبائن بالتصليح في محلات تلك الشركات الكبرى». وأضاف أنه يعمل في هذا المجال في محله الخاص منذ 9 سنوات، ولو كان المحل مؤجرا لأغلقه منذ سنتين. وعما إذا كان متفائلا بالمستقبل أجاب: «نظرا للوضع السياسي والاقتصادي أعتقد أن الأصعب لم يأتِ بعد.. والأزمة أثرت على كل شيء حتى على رواتب الناس، فضعف الدولار وانخفاض الرواتب وارتفاع نسبة البطالة، كلها عوامل آذت عملنا وزادت الإقبال على قطع الغيار المستعملة».

أما بالنسبة لمالكي السيارات فإنهم يختلفون في تفسير ظاهرة اللجوء إلى أسواق الخردة ونقاط بيع قطع الغيار المستعملة، إذ قال محمد شاما (33 سنة)، وهو متزوج وأب لطفلتين: «منذ العام الماضي لم أصلح التدفئة في سيارتي لأنني لا أملك المال الكافي، وإذا كان هناك أمر ضروري كتغيير إطار أو ما إلى ذلك فأتوجه إلى سوق الخردة». بينما قال مصطفى هوبيار، الذي كان ضابطا في الجيش وهو الآن يملك شركة أمنية، إنه يفضل قطع الغيار الجديدة، شارحا: «ما يقال عن أن قطع الغيار المستعملة أصلية فيه غش، فهذه القطع مستهلكة ولا أعرف كيف استخدمها مَن استخدمها قبل أن تتحوّل إلى سوق الخردة». وتابع: «ولأنني مقتدر ماليا فأنا أتولّى تصليح سيارتي وتوفير القطع المطلوبة جديدة من وكالة الشركة الصانعة».