بطاقات المعايدة التقليدية بمناسبة رأس السنة يعلوها الغبار وتعاني الكساد في مكتبات المغرب

رسائل الجوّال والإنترنت صرفت عنها الزبائن

بطاقات معايدة في إحدى مكتبات الرباط (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

«يا بطاقة من يشتريكي؟».. نغمة جديدة قد يرددها البعض، أو ربما نسمعها في القريب العاجل على لسان أحد المطربين، لتعبر عن حال بطاقات المعايدة البريدية التي أصابها الكساد في مكتبات وأكشاك شارع محمد الخامس بالعاصمة المغربية الرباط، حيث تنتشر معظم المتاجر العصرية وأشهر المكتبات وأكشاك بيع الكتب. مع العلم بأن بطاقات المعايدة كانت، إلى سنوات قريبة مضت، تشكل أهم عنوان في واجهات تلك المحلات، وكانت بألوانها الزاهية وتصاميمها الجميلة المبتكرة تشد أنظار العابرين ويتزاحم عليها الشبان والفتيات بحماسة شديدة.. خاصة عند اقتراب الأعياد والمناسبات المختلفة. أما اليوم، ومع اقتراب رأس السنة الميلادية، فيبدو الوضع مختلفاً. إذ أن لسان حالها يقول «دوام الحال من المحال»، وتراجعت بطاقات المعايدة إلى أماكن منزوية في بضعة محلات، بل واختفت تماماً من الكثير منها. وبعضها تركها أصحابها على حالها كأنها ليست جزءاً من بضاعتهم وقد غطاها الغبار، فانكمشت وبهت لونها.. كما لو كانت قابعة في أحد المتاحف أو دور المحفوظات الأثرية. وحتى من لا يزال يحتفظ في محله ببطاقات معايدة، فهو على الأرجح من التجار الذين ينتظرون قدوم السياح الأجانب الذين يقبلون على شراء البطاقات التي تحمل صوراً ومناظر لبعض معالم المغرب. فإما يرسلها السائح الأجنبي إلى أصدقائه لكي يشاهدوا الأماكن التي زارها، أو تكون له دليلا ومرشداً قبل أن يباشر جولته السياحية. في عصر البريد الإلكتروني ورسائل الجوال النصّيّة القصيرة بات بإمكان شباب اليوم بسهولة تامة، وخلال دقائق معدودات، الدخول إلى عشرات المواقع التي تصمّم بطاقات المعايدة لاختيار ما يناسب منها، ومن ثم يرسلها مباشرة من دون حاجة أحياناً لكتابة شيء. فقد تولّى مصمم البطاقة بالنيابة عنه مهمة كتابة ما يود قوله. ثم إن بعض المواقع الإلكترونية تتيح للشاب أو الفتاة تصميم البطاقة المرغوبة حسب ذوقه أو ذوقها، ثم إرسالها إلى المرسل إليه في غضون بضع ثوان. والواقع أن جيلا شب على هذه التعاملات العصرية.. غدا من الصعب إقناعه بأن للبطاقة المعايدة العادية «خصوصية» أو «حميمية» معينة، ولذا فهي أكثر تعبيراً عن المشاعر الإنسانية بالرغم من أنها تبدو وسيلة متخلفة عن العصر. إلا أن عزيز رابح، الشاب الذي يعمل في إحدى المكتبات بشارع محمد الخامس في الرباط، يوضح أنه لا تزال هناك نسبة من الزبناء، ومن بينهم أفراد من جيل الشباب، ما زالوا يحرصون على إرسال بطاقات المعايدة العادية، ويقبلون على محله للسؤال عنها. وأكد أن من بينهم من لا يخشى وصولها متأخرة في زحمة البريد، أو حتى ضياعها بسبب فتور حماسة ساعي بريد هذا العصر لحمل رزم من البطاقات يرى هو نفسه قلة جدواها. وحسب عزيز، ما دام هناك في هذا العصر من لا يؤمن بأن العالم أصبح قرية صغيرة، وأن ثورة الاتصالات لا تعنيه، سيظل يأتي إلى مكتبته زبناء من نوع خاص لهم ارتباط شديد بمفهوم بطاقات المعايدة الكلاسيكية. في المقابل، يعترف المهدي الصديقي، وهو موظف متقاعد عمل سابقاً بمصلحة السكك الحديدية، بأن بطاقات المعايدة العادية «فقدت بريقها، ليس من حيث الشكل فقط، بل حتى تلك التي تحوّلت إلى بطاقات إلكترونية، واندثر معها فن جميل أو أوشك على الاندثار، بسبب التقدم المذهل في وسائل الاتصال الحديثة، هو فن كتابة العبارات المناسبة على بطاقة المعايدة. فهذا كان يمثل بالنسبة لأبناء جيلي، صياغة وجدانية حالمة ومؤثرة وفاعلة.. حتى ولو كانت تحوي شكوى ومعاتبة لصديق أو حبيب أو قريب». وأضاف المهدي: «أذكر أن صديقاً لي كان معروفاً بين رفقائه ببراعته في كتابة مثل هذه العبارات، وكنا نأتي له عندما تقترب الأعياد ببطاقات معايدة لكي يعبر من خلالها عن مشاعرنا وأحاسيسنا بعد أن نحكي له عن خصوصياتنا الحميمة، فيترجمها أدبا جميلا.. فنحملها إلى صندوق البريد سعداء بما كتب. وما زال كثيرون من أصدقائنا ممتنين لهذا الرجل لأنه ساهم في ترجمة رسائلهم العاطفية عبر البطاقات إلى مشاعر دافقة كانت سبباً في دخولهم إلى قفص الزوجية». وبالتالي، يعتقد المهدي أن رسائل الجوّال وبطاقات المعايدة الإلكترونية «أضعفت، عموماً، أدب الرسائل الذي كان يلامس شغاف القلوب ويهزّ الوجدان لأنها كانت في الماضي تكتب في حالة صفاء ذهني، على عكس الرسائل الإلكترونية التي تبدو في معظمها مصطنعة وعجولة».

ويضيف المهدي أن «العشاق في السابق كانوا متعلقين بعبارات يحفظونها عن ظهر قلب ويحرصون على كتابتها على بطاقات المعايدة، وكانوا يخطّونها بخطوط منسقة ويحيطونها بزخارف وألوان زاهية، وأحياناً يرشّون عليها القليل من العطور، ويتوجهون بها إلى مكاتب البريد التي قد تبعد كثيراً من مواقع سكناهم، وهناك يرسلونها وهم يكابدون لهفة الانتظار الطويل إلى حين وصول ردودها. وبالتأكيد، هذه المعاناة الحالمة اختفت حالياً، واختفى معها كل ما كان يلهب المشاعر.. وسط زحمة الرسائل النصيّة وسرعتها على الهواتف الجوالة وصفحات البريد الإلكتروني».