كتب الأبراج تغزو المكتبات في لبنان

اقتراب عام 2010 عزز انتشارها

لبنانية تبحث عن حاجتها في إحدى المكتبات الشعبية المزينة بمناسبة الأعياد(«الشرق الأوسط»)
TT

ما إن يطل شهر ديسمبر (كانون الأول) حتى يسارع أبو مروان، وهو بائع كتب في منطقة شعبية بيروتية، إلى تحضير «عدة الشغل». هذه العدة لا تتعلق بالألعاب والدمى لموسم الأعياد بل بكتب الأبراج الممهورة بتوقيع مشاهير هذه «المهنة» التي لا يمكن فصل علم الفلك فيها عن الخزعبلات والتدجيل، كذلك لا يمكن الحد من الإقبال عليها. أبو مروان يعرف ذلك، لذا يعمد إلى إعداد نسخ مصورة ومغلفة بأناقة لكل برج من أبراج الطالع التي يعدها نجوم التبصير في لبنان. والسبب، كما يقول، هو أن بعض الناس لا يملكون المال الكافي لشراء هذه الكتب، لذا يجد هؤلاء في النسخ المصورة حلا يحمي جيوبهم ويرضي فضولهم لمعرفة ما تتكهن به النجوم بشأن مستقبلهم.

وكتب الأبراج لعام 2010 بدأت إعلاناتها تغزو الصحف والمجلات والإذاعات ومحطات التلفزيون ومفارق الطرق، حيث تستقر على اللوحات الإعلانية الضخمة لتعد الناس بالتغيير والتجديد وفق مدارات الفلك وحركة النجوم واقتراب جوبيتير أو نبتون أو المشتري من مدار الجدي أو ابتعادهم عن مدار الدلو. وغني عن التذكير أن رواج المنجمين والعرافين في لبنان لم يعد يحتاج إلى أدلة أو براهين. فقد تنامت هذه الظاهرة وازداد شيوعها ودخلت الأسواق الاستهلاكية، بحيث أصبح لكل محطة تلفزيونية «وسيطا روحانيا» أو «عالمة فلكية» وبدوام ثابت، وبعضهم يطل يوميا على المشاهدين ليجيب على أسئلتهم ويوجههم حتى في أدق تفاصيل حياتهم اليومية. ومعظم هؤلاء يقرن اسمه بلقب طنان ورنان، كـ«الدكتور» أو «الشيخ» أو «صاحب المعجزات»، وما إلى ذلك من تسميات تضفي مسحة علمية أو دينية على «مواهبهم الخارقة». ولا عجب إذا اتصل أحدهم بـ«الدكتور» لتحديد موعد، وردت عليه السكرتيرة تعلمه بغيابه للتأمل، ليكتشف بعض ذلك أن «مرشده الروحي» يقضي عقوبة في السجن بتهمة النصب والاحتيال والتدجيل والشعوذة. كذلك تحرص الصحافة المكتوبة على الاهتمام بالأبراج في أبواب ثابتة. وتستضيف صفحاتها مع اقتراب الشهر الأخير من كل عام عرافات وعرافين همهم استعراض توقعاتهم للنجوم والسياسيين لترويج أنفسهم. ومع بداية كل عام جديد تنشط طباعة كتب الأبراج ويتم بيعها بمبالغ باهظة وبكميات كبيرة. كما أن الأرقام القياسية التي تسجلها حركة البيع في معارض الكتب تعطي مؤشرا واضحا على أن الرغبة في كشف المستور ليست مقتصرة على فئات اجتماعية دون غيرها. ولا يختلف الأمر مع سهرات رأس السنة على الفضائيات والمحطات التلفزيونية، حيث يكون نجم السهرة الرئيسي أحد مشاهير المنجمين، بالإضافة إلى عدد من الفنانين وبعض ألعاب الحظ والجوائز. وليس صحيحا أن الرغبة بمعرفة المستقبل عبر التبصير ترتبط بزمن الخيبات والهزائم التي تعيشها الشعوب أو تقتصر على شريحة محددة تتصف بالبدائية والجهل، ففي لبنان أسماء فاقت شهرتها شهرة السياسيين والفنانين. والسبب أن رواد هؤلاء هم من الفنانين والسياسيين وكبار رجال الأعمال. ومن أجل الوصول إلى هؤلاء الزبائن «الدسمين» يركز نجوم علم الفلك في «تنبؤاتهم» الإعلامية على استهداف «علية القوم» قبل سواهم.

وفي حين يحرص كل «نجم فلكي» على تقديم سيرة ذاتية لإنجازاته للدلالة على مهارته مع اقتراب اليوم الأخير من السنة، يمكن لأي مراقب أن يتأكد من أن معظم هذه التوقعات تبقى في حدود العموميات، التي تحتاج أحيانا إلى من يفسرها حتى يوضح غموضها ويثبت صحة حدوثها. وفي أرشيف «الشرق الأوسط» ما يبين أن مثل «هذه التنبؤات» لا علاقة لها بالواقع، أو أنها عكس الواقع تماما، فقد كانت عالمة الفلك جمانة قبيسي قد صرحت لـ«الشرق الأوسط» في فبراير (شباط) من عام 2004 أن «العالم العربي سيشهد انقلابات خطيرة. وأبدت تخوفها على رئيس الجمهورية آنذاك إميل لحود ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، مشيرة إلى طالع سيء يهددهما، لكنها طمأنت رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، فقالت إن طالعه حسن وسيحمل له الكثير من الإيجابيات، ورفضت الدخول في التنبؤات السياسية لأن هناك من هددها بعد أن كشفت الكثير من أسراره». بالطبع لم تتأخر الأحداث لتدحض مثل هذه التنبؤات التي أصبح العاملون فيها يستخدمون التقنيات الحديثة في سعيهم للوصول إلى أكبر عدد من الناس. وبعضهم لم يعد يطل على زبائنه من دون جهاز كومبيوتر. أما أحدث الصراعات في هذا المجال هو توجيه رسائل عبر الهواتف المحمولة تبشر المتلقي بأنه ربح اشتراكا مجانيا لمدة شهر يمكنه من خلاله معرفة حظه يوميا من مشاهير العرافين أو حتى من المبتدئين والمغمورين الباحثين عن فرصة لاستقطاب من يؤمن بمواهبهم. وذلك من دون إهمال المواقع الإلكترونية المتخصصة، التي نقرأ على صفحة إحداها: «اضغط هنا للتسجيل والحصول على مدونتك الخاصة· الملف الشخصي للبارع في قراءة الطالع» لكن التمايز الاجتماعي والطبقية لهما مكانهما في عالم «اكتشاف المجهول» وكل يمد بساطه على قدر إمكاناته المالية. المشاهير الذين يطلون على الشاشات يستقطبون مشاهير مثلهم أو ميسوري الحال. أما المحدودة إمكاناتهم، فغالبا ما يقصدون بصارين مغمورين يكتفون منهم بالقليل لمصاريف البخور و«إرضاء الأسياد». لكن حتى لدى هذه الفئة هناك بعض الطامعين الذين يصطادون ضحاياهم، فنقرأ عنهم في التقارير الأمنية، لنعرف أنهم سلبوا من يقصدهم مالا وفيرا. ويروي أحد المواطنين أن زوجته التي تغار عليه غيرة جنونية باعت أساورها الذهبية ودفعت ثمنها إلى «عالم روحاني» وعدها بشل قدرة زوجها على إقامة علاقات مع غيرها.

امرأة أخرى لم تقتنع بالأسباب الطبية التي حالت دون إنجابها الأطفال، فلم تجد إلا قارئة طالع حسناء ولعوب، أقنعتها أن العلة في زوجها وليست فيها، وبالتالي عليها مداواة الزوج الذي انصاع لإلحاح زوجته وقصد «المنجمة»، لكنه سرعان ما أعجب بها وتودد إليها وطلق زوجته ليقترن بها.