قاعات السينما تندثر في الرباط وتصبح «أوكارا للمنحرفين»

بينما تنتعش وتتكاثر المهرجانات السينمائية

إحدى قاعات السينما بالرباط التي هجرها الجمهور (تصوير: مصطفى حبيس)
TT

بينما يشهد المغرب انتعاشا لافتا في إقامة مهرجانات السينما في مختلف المدن، وافتتاح المزيد من الأندية السينمائية، تقلصت خلال الـ15 سنة الأخيرة قاعات السينما من 350 قاعة إلى نحو 70 قاعة فقط في مدن المغرب كافة.

وتبدو مدينة الرباط مثالا حيا لما تعانيه دور العرض من محنة حقيقية، فيكفي المرور أمام قاعة أغلقت أبوابها، ليبدو المشهد من الخارج بائسا: مشردون ينامون في ظلالها ويتكئون على جدرانها المتهدمة، وقطط هائمة تلتقط بقايا طعام ألقى به عابرون، وأوساخ تنشر هنا وهناك، وإعلانات وصور لأفلام رديئة يبدو من عناوينها إنها جُلبت بأسعار بخسة.

الزائر لعاصمة المغرب هذه الأيام من عشاق السينما، سيحتاج إلى وقت طويل للوصول إلى صالة عرض، فالمدينة بكاملها لا يوجد بها حاليا سوى دور سينما لا يزيد عددها على أصابع اليد الواحدة، وجميعها لا تبدو بعافية، باستثناء قاعة وحيدة تقع في وسط المدينة وتتبع وزارة الثقافة، هي قاعة «الفن السابع» التي تتعايش مع قلة من الرواد ومهرجانات دورية تعرض أفلاما يُسمح بمشاهدتها مجانا ضمن عروض مهرجانات ثقافية لدول أجنبية. أما بقية القاعات فيشكّ الناظر إلى واجهتها أنها ما زالت تفتح أبوابها للجمهور؛ أفيشات الأفلام تبدو مهترئة، ولم تعرف التغيير منذ عدة أسابيع، أما في وقت العرض فلا صفوف ولا احتشاد أمام أبوابها، بل يتسلل إليها الرواد من حين إلى آخر، واحدا بعد الآخر، وقد يفاجأ الداخل للصالة أن عدد المشاهدين للفيلم قد لا يتجاوز عشرين شخصا في قاعة يمكن أن تستوعب المئات. وبما أن أسعار تذاكر الدخول تتراوح بين دولارين وخمسة دولارات، فقد لا تتجاوز حصيلة سهرة سينمائية مائة دولار فقط.

ومع تساقط صالات العرض كأوراق الخريف، حاول البعض منها السباحة عكس التيار والحفاظ على مكانتها، خصوصا أن من بينها ما يعود تاريخ تأسيسه إلى العشرينات، عندما استشعرت قدوم الخطر، فأقدمت على إحداث تغيير جذري في شكل ومضمون أفلامها، ولجأت إلى استجلاب أحدث الأفلام الأميركية التي نالت شهرة وما زال لها صدى في الشارع، ولكن هذا لم يشفع لها إلا لبضعة أشهر، فهجرها الرواد. ومن المفارقات أن بعض دور السينما في الأحياء الشعبية مع انحسار الدخل أصبحت متعددة المهام، فعند مناسبات المونديالات الرياضية وكأس إفريقيا وبطولة الأندية الأوربية، تقوم هذه القاعات ببث المباريات على شاشاتها مقابل رسوم لا تزيد على خمسة دراهم (نحو نصف دولار)، والبعض يقوم في عطلة الأسبوع باستجلاب بهلوانات وسحرة لتقديم عروض على مسرح السينما للأطفال، في حين لجأ بعض أصحاب دور العرض إلى فتح مساحات جديدة في مبنى السينما، وحولوها إلى نشاط آخر يبدو بعيدا جدا عن وظيفة السينما والثقافة بصفة عامة، كفتح محلات لبيع الفطائر، والمكسرات، والحلويات ومشتقات الألبان في رمضان والأعياد.

وعودة إلى المفارقة التي أشرنا إليها في البداية، يلاحظ أن مدينة الرباط مع هذا الانحسار في دور السينما، تشهد خلال العام مجموعة من المهرجانات السينمائية، أشهرها: مهرجان الرباط لسينما المؤلف الذي أكمل أخيرا دورته الخامسة عشر، ومهرجان سلا لسينما المرأة، ومهرجان الرباط للفيلم العابر، وبات جمهور الرباط يعتاد على عروض هذه المهرجانات واكتفى بأيامها القليلة عن الذهاب إلى قاعات السينما، وقد حاول مدير المركز السينمائي في المغرب في تصريح أخير أن يقلل من نكبة دور السينما حين أكد أن إغلاق قاعات السينما ظاهرة عالمية لا تخص المغرب وحده.

أسباب غياب الجمهور عن صالات السينما، عزاها البعض إلى انتشار ظاهرة القرصنة، أي توفر الأفلام المطبوعة على الأقراص المدمجة التي يتم استنساخها وبيعها للجمهور بأثمان بخسة في الأسواق الشعبية، فأشهر الأفلام العالمية يتم تداولها بسهولة في وقت وجيز عقب عرضها في الولايات المتحدة وأوروبا, والبعض الآخر رأى أن انتشار القنوات الفضائية وبخاصة المختصة بعرض الأفلام العالمية، أغنى الناس عن الذهاب إلى صالات السينما، وآخرون أكدوا أن أجواء قاعات السينما لم تعد كما كانت في السابق كفضاء للترفيه والثقافة، تجذب إليها الناس من جميع الفئات العمرية، فانصرفت عنها الأسر، مما دعا البعض إلى اتهام ما تَبقّى من صالات السينما بأنها أصبحت مجرد أوكار يلجأ إليها المراهقون وبعض المنحرفين ويمارس بداخلها تصرفات سلبية بعيدة تماما عن تلك التي كانت أيام السينما في عز مجدها.