بائعو بطاقات المعايدة التقليدية الدمشقيون يتحسرون على الأيام الخوالي

تراجعت البطاقات وبقيت المفكرات وأشهرها المفكرة الهاشمية

صور من مظاهر احتفاء الدمشقيين بقدوم العام الجديد وانتشار الروزنامات والمفكرات في مكتبات سوق المسكية والحلبوني والحجاز («الشرق الأوسط»)
TT

مع حلول العام الميلادي 2010 الجديد اكتست الكثير من المحلات والبيوت الدمشقية حلة من مظاهر الزينة المختلفة وخصوصا الكهربائية، منها التي تعطي ألوانا زاهية ومتبدلة، وأشكالا مختلفة معبرة عن الفرحة بقدوم العام الجديد. وبصفة خاصة استعدت محلات بيع مستلزمات الزينة لهذه المناسبة منذ بداية شهر ديسمبر (كانون الأول). يقول إلياس نصير (أبو فادي)، الذي يمتلك محلا لبيع الهدايا والزينة الكهربائية وبطاقات المعايدة في سوق القشلة بمنطقة باب توما في دمشق القديمة، لـ«الشرق الأوسط»: «من الملاحظ أن الإقبال على شراء مستلزمات زينة أعياد الميلاد ورأس السنة زاد في السنوات الأخيرة. وبدا واضحا أن نسبة الإقبال على الاهتمام بظاهرة الزينة في هذه المناسبة ارتفعت إلى الضعف تقريبا بين الدمشقيين، حيث يعمل الكثيرون على تزيين واجهات أبنيتهم وشرفات منازلهم بحبال كهربائية ملونة، وكتبت من خلال مصابيحها كلمات مرحبة بالعام الجديد مع أشكال مختلفة، مثل بابا نويل وحبات الأرز وغيرها. كذلك انتشرت في السنوات الأخيرة ظاهرة شراء شجرة الميلاد وتزيينها ووضعها في صالونات المنازل للاحتفاء بالعام الجديد».

ويبرر أبو فادي الظاهرة بأن هناك أسرا دمشقية كثيرة باتت تفضل السهر في ليلة رأس السنة في منازلها مستغنية عن سهرات الفنادق والمطاعم، حيث التكلفة المالية أقل، ولحرص البعض على السهر مع أطفالهم في هذه الليلة، وكذلك وجود حفلات متنوعة على شاشات الفضائيات يمكنهم متابعتها جميعها بضغطة على زر الريموت كونترول والانتقال من محطة لأخرى. ومن ضمن الأسباب أيضا انخفاض سعر مستلزمات الزينة وتنوع أشكالها مع استيراد صينية الصنع منها، التي غزت الأسواق الدمشقية، فهي جميلة المنظر وملبية للغرض ورخيصة الثمن نسبيا.

والدمشقيون مثل السوريين عموما ومثل كثير من شعوب العالم يتبادلون التهاني بالعام الجديد بوسائل مختلفة، ولكن مع دخول الهاتف الجوال بشكل واسع في حياة السوريين (هناك نحو 6 ملايين سوري مشترك في الهاتف الجوال، وعدد سكان سورية يبلغ نحو 20 مليون نسمة، باتت الرسائل الإلكترونية والصور المعبرة التي ترسل من خلاله هي الوسيلة المفضلة لدى السوريين لتبادل التهاني بقدوم العام الجديد. ومن جانبه يتحسر سمير الطيان، الذي يمتلك مكتبة في سوق الحلبوني، وسط دمشق، على الأيام الخوالي قبل عشرات السنين وحتى قبل عشر سنوات حين كان معظم الدمشقيين يتبادلون التهاني بالأعياد ببطاقات المعايدة التي ينتقونها حسب المناسبة ورغبة وذوق الزبون، ويكتبون عليها العبارات المعبرة للمناسبة ويرسلونها بواسطة البريد العادي. وقتها كانت مكتبات أسواق المسكية بجانب الجامع الأموي والحلبوني وشارع النصر ومنطقة الحجاز بجانب مبنى البريد المركزي تتفنن في عرض الكثير من نماذجها وأشكالها الجميلة المميزة، ولكن الحال تغير الآن بعد انتشار هذا الجهاز «الشيطان» (كما يطلق على أجهزة الجوال)، فمع تنوعها باتت هذه الأجهزة تشكل المنافس القوى لبطاقات المعايدة. ولم تشفع محاولات الكثير من المطابع الدمشقية التي تنتج مثل هذه البطاقات في السنوات الأخيرة لتطوير أشكالها ونماذجها فتراجعت مبيعاتها بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة.

ولكن سمير لا يرى أمرا غريبا في ذلك، خصوصا أن رسائل الجوال المهنئة بالمناسبة أقل تكلفة وتصل بسرعة خلال دقائق، في حين أن البطاقة تحتاج أياما لتصل، وأكثر سهولة في التعامل معها حيث تستخدم والشخص في منزله، في حين البطاقة تحتاج إلى مشوار للسوق ومركز البريد وغير ذلك وتبقى «ضريبة الحضارة» التي علينا دفعها والتأقلم معها، كما يقول سمير ضاحكا.

وإذا كان السوريون تخلوا عن بطاقات المعايدة التقليدية في تبادل التهاني برأس السنة الميلادية وغيرها من الأعياد إلا أنهم ما زالوا أوفياء للروزنامة الورقية والمفكرات (الأجندات) التقليدية المكتبية رغم وجود الأجهزة الإلكترونية ووجود خدمات المواعيد وغيرها في معظم أشكال أجهزة الجوال وفي الكومبيوترات، ولكن ومنذ بدء شهر ديسمبر من كل عام تمتلئ المكتبات الدمشقية بنماذج مختلفة من الروزنامات والمفكرات، حيث يتفنن طابعوها في إنتاج نماذج وأحجام تلبي احتياجات ورغبات الناس حسب مهنهم وأذواقهم ومستواهم المادي والثقافي، كما تنتشر المفكرات التي تنتج للدعايات من قبل الشركات والمحلات التجارية والروزنامات التي تنتجها الجمعيات الخيرية والأهلية حيث يعود ريعها لصالح هذه الجمعيات والأعمال الإنسانية التي تنشط فيها. وتنتشر في المكتبات ماركات كثيرة للمفكرات، ولكن أقدم وأشهر هذه المفكرات المعروفة في دمشق، التي ما زالت مستمرة في الصدور سنويا، هي «المفكرة الهاشمية»، حيث يحتفل أصحابها هذا العام بمرور 92 عاما على انطلاقها على يد الوراق الدمشقي هاشم الكتبي عام 1918 من خلال مكتبته المتواضعة قرب سوق الحميدية في شارع صغير تخصص في بيع الأدوات المكتبية والقرطاسية المدرسية. واستمر أبناء هاشم الكتبي بإصدار تقويم والدهم حتى العصر الحالي.

ويروي الباحث محمد الخليل حكاية انطلاق التقويم الهاشمي في دمشق، حيث ما زال التقويم محافظا على شكله الأساسي، كما صدر في طبعته الأولى، كاستخدام الورق المقوى الحامل للأوراق وغيرها، ولكن قام الأبناء بإجراء بعض التعديلات البسيطة على تقويم والدهم. ويصدر التقويم حاليا بطبعتين، الأولى كتب فيها التاريخ الهجري والغربي والشرقي وأوقات الصلاة في جميع المحافظات السورية. والثانية حافظت على الشكل والمعلومات التي صدرت لأول مرة وضمت أوقات الصلاة في مدينة دمشق حسب التوقيتين الغروبي والزوالي (أي التوقيت الرسمي المعمول به الآن في جميع دول العالم). ويتضمن التقويم تذكيرا بالأعياد الدينية والرسمية والأيام الوطنية لمختلف دول العالم، وبدء فصول السنة والتقسيم الشامي للفصول، حيث التسميات الدارجة مثل «بدء أربعينية الشتاء»، و«السعودات» المختلفة مثل «بدء سعد دبح»، و«بلع»، و«سعد السعود» وغيرها، وفي الوجه الآخر من ورقة الروزنامة وضع مطلقوها حكم وأمثال شعبية وطرائف ليستفيد منها مقتنوها.

ومن المفكرات المعروفة في دمشق والقديمة أيضا هناك المفكرة الزراعية التي يحرض مؤسسوها على أن يستفيد منها المزارع السوري بشكل خاص، حيث تتضمن بين صفحاتها مواعيد زراعة المحاصيل ومعلومات عنها، والأمثال الشعبية الريفية المتداولة بين مزارعي المناطق السورية، والمعبرة عن الأنشطة الزراعية.