تونس: مصارعة الكباش تعيد معاني الصراع والبطولة إلى الواجهة

قد يتغلب الكبش على خصمه بالضربة القاضية أو بالنقاط

الكبش «قاروص» وسط مجموعة من المعجبين بعد التتويج («الشرق الأوسط»)
TT

يتجمع الشبان في حلقات ببطحاء المدينة العتيقة وفي البال انتظار التحدي الكبير الذي ستشعله مصارعة الكباش، خاصة خلال الأيام التي تسبق الأعياد. بعض المولعين بمعاني البطولة لا يسلمون أبدا بوجود شخص يمتلك كبشا أقوى من الكبش الذي قضى أشهرا متتالية يعده لمثل هذه المناسبة.

متابعة «عراك» الكباش طوال أيام السنة متعة زادتها آهات المتفرجين وخوفهم من قضاء أحد الكباش فوق ساحة الميدان تشويقا. الضربات القوية للقرون الطويلة الملتوية على الأذن تصم الآذان وتخيف من لم يتعود رؤية مثل تلك المشاهد المخيفة. ساحات «باب سويقة» بالمدينة العتيقة و«باب الخضراء» و«باب العسل» وأحياء باردو وحي النصر المتاخمة للعاصمة تشهد أقوى المعارك على الإطلاق بين كباش ملتوية القرون. ففي ساعات المساء الأولى من كل يوم، تنتظم الحلقات الخاصة بمصارعة الكباش التي يأتي بها أصحابها مبجلة معززة تتمايل يمنة ويسرة وهي في معظم الحالات من النوع النجدي ذي الإلية الكبيرة التي تزيد في الوزن وترهب الكبش المقابل. وتنظم تونس مسابقة وطنية سنوية لمصارعة الكباش وأنشأت لهذا الغرض جامعة وطنية تنظم هذه اللعبة ولديها العديد من المولعين والمراهنين على تلك الكباش.

بعض المولعين بهذه اللعبة يربون كباشا خصيصا لها ويطلبون خصوصيات معروفة في تلك الكباش من بينها شكل الكبش ونوعية قرونه، وهو في كل الأحوال مختلف عن الكباش العادية، وربما يعمد أصحاب الكباش إلى تقديم تغذية خاصة لها تعتمد على الشعير والفواكه الجافة لتقويتها على خصومها ومفاجأتها.

حول هذه المصارعة القوية، قال الحبيب بن معتوق إن «المصروفات الخاصة بتربية كباش النطاح مرتفعة وهي مختلفة تمام الاختلاف عن الكباش العادية. كما أن مثل تلك الكباش نادرة الوجود وأسعارها في السوق تكاد تكون خيالية، فالبعض منها يفوق سعره الألف دينار تونسي (قرابة 833 دولار أميركي) عند شرائه وقد يصل حدود الخمسة آلاف دينار عندما يصيح ذا شأن». من ناحيته، أشار مختار التوزري الذي واصل النشاط في هذا الميدان منذ أكثر من 40 سنة إلى أن «الكباش تأتي في حالة نصفها بـ«الرعواني» أي على طبيعتها الأولى، وعندما نتوقع أن تكون مشاكسة بفعل قرونها الصوان نحيطها بعناية خاصة على مستوى التغذية فيقدم لها الشعير و(القرفالة) و(القصبية) إضافة إلى (القرط) وهي كلها أنواع من العلف. ويحظى الكبش بحلاقة خاصة منذ البداية تظهر هيبته وقوته، ويطبق عليه اسم غالبا ما يكون من أسماء الملاكمين الأشداء». ويضيف التوزري: «قد اشتهرت أسماء في السابق على غرار (فرهود) و(تيقر) و(ليون)». وغالبا ما يكون عمر الكبش عند شرائه أكثر من ثلاث سنوات، إلا أنه مع ذلك لا يمكن أن يرافق صاحبه أكثر من خمس سنوات على أقصى تقدير. ولا يمكن عمليا أن يتحمل الكبش في عمره «الرياضي» أكثر من 350 نطحة، وقد يتغلب على خصمه بالضربة القاضية أو بالنقاط.

وتواجه الكباش بعضها بعضا، كما ذكر التوزري، حسب الأقدمية في تناول الشعير وهو ما يجعل قوتها متوازنة ومتماشية مع أقدميتها في ميدان الصراع. ويذكر توفيق كرعود بكل فخر الكبش «قاروص» الذي قضى معه قرابة الأربع سنوات خاض فيها الكثير من الصولات والجولات. ففي نزال واحد بإمكان هذا الكبش الذي اكتشفه على وجه الصدفة، أن يوجه 80 إلى 100 نطحة متواصلة. وقال كرعود إن «قاروص» قد تلقى تدريبات استثنائية جعلت منه بطلا استثنائيا، فقد كان يصطحبه إلى البحر ويجري معه تدريبات على الرمال مما جعله قوي العضلات، وهو ما أهله لاحقا لحصد كثير من الألقاب. أما في الوقت الحاضر، فقد أكد كرعود أنه قد اشترى كبشا جديدا لونه أسود فاحم وقد اختار له من الألقاب «لبيض» وهو بذلك يواصل هوايته التي لا يمكن أن يتناساها، فمصارعة الكباش تخضع في الغالب للكر والفر ومن يعجز مرة عن هزم خصمه، فهو لا محالة سيعيد الكرة ويبحث عن أمهر الكباش في محاولة ثأرية ولو بعد سنين. ويعطي الكبش المتفوق في النزاع الذي قد ينتهي بتطاير أجزاء من قرون أحد الكباش، الكثير من الفخر لصاحبه لا تقل عن فوزه هو بنفسه بذاك النزال. فتربع الكبش على بطولة مصارعة الكباش وتفوقه على أكباش الحي والأحياء الأخرى المجاورة، يشعر صاحبه بكثير من الفخر وربما السطوة كذلك. هذه النوعية من الكباش قد تدوم مع أصحابها لسنين متتالية وتأخذ أسماء رنانة لملاكمين معروفين إمعانا في الترويج لقوة الكبش، لذلك لن يفرط أصحابها فيها إلا بعد أن تتراجع نتائجها وتذهب قوتها. يفرطون فيها وفي القلب حنين ووحشة، فالجزار نفسه قد لا يقبل على لحومها التي خشنت بما فيه الكفاية ولم تبق منها غير القرون الطويلة التي تذكر بالماضي الذي كان. وربما تلقى نفس مصير خيل الحكومة التي لم تعد قادرة على الأعمال الشاقة.