المصريون يربطون أمنياتهم الوردية بالأمل في العام الجديد

ينثرون أحلامهم ليلة رأس السنة وينتظرون الحصاد

تبقى الأحلام تزين سماء القاهرة في ليلة رأس السنة («الشرق الأوسط»)
TT

على صفحته في موقع الـ«فيس بوك» كتب عماد بشيء من المرارة «باقٍ فيك سبعة أيام أيتها الحقيرة».. وكانت الحقيرة في رأيه هي سنة 2009، تمنى أن يخرج منها سريعا بعد وأد أحلامه، لم يحقق خلالها تقدما مهنيا يذكر، كما فشل مشروع زواجه قبيل البدء في خطواته الأولى، كما مات والده بعد صراع مرير مع المرض استنزف قواه وأعصابه، ما أحزنه أن انكساراته في 2009 لم تكن نتاج تقصير منه، بل أغلبها انكسارات قدرية، والقدر دائما عادل، ومن عدالته أن تنصلح الأمور وتعوض الانكسارات بالانتصارات وتحقيق الأحلام.

يؤمن عماد بالتفاؤل، ويتشاءم كثيرا بالأرقام الفردية على عكس الزوجية، ومن هنا فهو يتطلع خيرا للسنة القادمة لعلها تشهد انفراجة، يبدأها برحلة أوروبية قصيرة كمشارك في إحدى ورش العمل، ويعود سريعا، ليواصل حياة يحدوها الأمل، بتوفيق مهني وأسري وجسد معافى من الأمراض.

يقول عماد في تفسيره للربط بين تغير الحياة وبداية السنة الجديدة: «هي بداية افتراضية لطريق جديد، فبعد أشهر من الإخفاقات يجب التوقف، ولتكن الأيام الأولى من العام بداية جديدة، قد يجعل البعض بدايته مع بداية عام جديد من عمره، أي يبدأ من عيد ميلاده طريق التغيير، لكنني أعتبر أول يناير (كانون الثاني) بداية مشتركة مع العالم كله، لأن التغيير للأفضل عملية يشترك فيها الشخص مع من حوله.. فهو لا يعيش بمفرده في العالم، وبداية العام لحظة اتفق الناس بشكل ضمني على أنها لحظة تغيير، أو على الأقل لحظة أمل فيه».

محمد، طبيب أسنان، يتفق مع عماد في كون السنة الماضية هي الأسوأ له، وإن رفض الحديث عن حيثيات حكمه، لكنه أشار إلى عادة يتبعها سنويا ليلة رأس السنة برفقة ثلاثة من أصدقائه، يلتقون في مقهى بعينه وسط القاهرة، ثم يخرج كل منهم الأحداث السيئة التي مرت عليه خلال العام المنصرم، وكذلك الأحداث الجيدة، ثم ما يتمناه كل منهم في السنة الجديدة من أمنيات، ويكتبون ذلك في ورقة وتقسم الورقة إلى أربعة أجزاء يحتفظ كل واحد منهم بجزء، وفي التوقيت نفسه يلتقون مرة أخرى العام المقبل، ويعيدون تركيب أجزاء الورقة ويقيمون ما حدث، وفقا لما كتبوه في السابق، ويكررون أمنياتهم ويدونون مرة أخرى انكساراتهم ونجاحاتهم، ثم أمنياتهم الجديدة.

يقول محمد: «نعتبر تلك الجلسة كشف حساب، وتنظيما للأهداف، ومراجعة مع النفس، أكثر منها خرافة، هي بداية جديدة تنعش الأمل وتضمد الجراح، وبمثابة مراجعة عقلية للفشل والنجاح، يعقبها تفاؤل تام بأن القادم أفضل».

على عكس عماد ومحمد تقول بسنت، وهي خريجة فنون تطبيقية قسم النسيج «كانت 2009 سنة سعيدة للغاية، أنهيت دراستي والتحقت بالعمل في غضون أيام عقب الدراسة، وتمت خطبتي إلى محاسب في بنك استثماري، وأقضي حاليا أحلى فترات حياتي. من المفترض أن أتزوج في صيف العام المقبل، وقد عوضني الله عن تجربة خطبة غير موفقة منذ عامين، أرى القادم أفضل بإذن الله».

ليلة رأس السنة تحرص بسنت وعائلتها على عادة سنوية، مأدبة عشاء فاخرة على رأسها الديك الرومي، تتوسط منزل العائلة، ومع «اللمة» يدعو كل أفراد الأسرة الله أن يحقق أحلامهم في العام القادم. هذا العام سيشاركها خالد خطيبها، مراسم الليلة، ثم يخرجان يكملان نثر أحلامهما قبيل منتصف الليل بساعة، ويشاركهما أخوها وخطيبته في الاستمتاع بحفلة محمد منير في دار الأوبرا المصرية.

يرى الدكتور هاشم بحري، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن المصريين يتعلقون بالبدايات الجديدة، فذلك جزء من تراثهم، وانعكس ذلك على تفاصيل عديدة في حياتهم، فنسمع كثيرا عبارة «تغيير العتبة»، عندما يفتتح مثلا شخص ما مشروعا جديدا، ويخسر فيغير مكانه مع احتفاظه بالنشاط نفسه، أو «تغيير الفرشة» أي تغيير أثاث البيت كل فترة لمجرد التغيير والتفاؤل بالجديد.

وبحسب بحري، فإن الأمنيات الوردية في ليلة رأس السنة جزء من هذا التراث، وهي ترتبط بالأمل أكثر من التفاؤل، فيضيف: «المصريون لديهم أمل في الأحسن، لكن لا يعني ذلك أنهم متفائلون، لا يزالون يعانون من أمراض مجتمعية عديدة منها الفوضى وضعف التخطيط، في الوقت نفسه لديهم أمل في الأحسن لكن ليسوا متفائلين به، مثل الطالب الذي لم يذاكر، لديه أمل في النجاح لكنه ليس متفائلا بتحقيقه».

وما بين الأمل والتفاؤل، تختلف الأسماء لكن تبقى أحلام رأس السنة تزين سماء القاهرة، وتتقافز فرحة من أفواه الناس، منها ما يعود ثانية لصاحبه وينتقل من عالم الأحلام إلى الواقع، أو يتبخر كفقاعة، ثم يعود ثانية في آخر العام المقبل على أمل في التحقق.