البصرة: انخفاض درجات الحرارة ينعش أسواق الملابس المستعملة

عراقيون يلجأون إليها لرخص أثمانها.. وآخرون يرونها وجها من أوجه «الأناقة»

باعة ملابس مستعملة يعرضون بضاعتهم على الرصيف في سوق شعبية بمدينة البصرة («الشرق الأوسط»)
TT

تشهد أماكن بيع الملابس المستعملة في محافظة البصرة، التي يطلق عليها محليا ملابس «اللنكات» أو «البالات»، إقبالا كبيرا هذه الأيام، لانخفاض درجة الحرارة وحاجة الكثير من العوائل وفي مقدمتها الأرامل والأيتام إلى ما يحمي أجسادهم من قرص البرد، فيما يرى آخرون أنها ملابس جيدة وذات ماركات عالمية يمكن أن تكون وجها من أوجه الأناقة بعد غسلها وتعقيمها.

ويلجأ البعض من سكان المدينة إلى اقتناء الملابس المستعملة لرخص أثمانها وعدم قدرتهم على ارتداء الملابس الجديدة التي تملا الأسواق بسبب غلاء أثمانها. ويعد الإقبال على ارتداء الملابس المستعملة أحد المؤشرات الواضحة في الشارع البصري على تدني المستوى المعاشي وتفشي الفقر وانتشار البطالة.

وتلتقي عشرات النسوة وكهول الرجال وحتى الشباب أمام أكوام من الملابس يعرضها الباعة في شوارع الأسواق والعربات والمحال القديمة لانتقاء ما يناسب مقاساتهم.

ولا أحد يعرف أي شعوب تخلت عن ملابسها تلك بعد ارتدائها ردحا من الزمن أو الكيفية التي جمعت بها وتكديسها دون تصنيف في «بالات»، وهي أكياس كبيرة، ويقول الباعة إن تلك البالات قادمة من مناشئ تصدير كانت تصل في السابق من سورية والأردن، أما الآن فمن منفذين، أحدهما بحري عبر ميناء دبي ثم إلى البصرة، وآخر من تركيا عبر إقليم كردستان ثم إلى مدينة كركوك ومنها إلى بقية المحافظات. وتقاسمت أسواق البصرة القديمة والعشار أماكن بيع تلك الملابس التي تخصص بعض المحال لبيع أنواع منها، بعضها للبدلات الرجالية وأخرى للقماصل والمعاطف والستر (الجاكيتات) وأخرى للنسائية ومثلها للأطفال والتجهيزات الرياضية، إضافة إلى أنواع من الأحذية. ويقول أصحاب محال بيع الملابس المستعملة إن سعر «البالة» الواحدة غير المفتوحة، بالزنة المتعارف عليها (45 كلغم) من 100 إلى 800 دولار، وحسب الموسم والعرض والطلب أو إشارة لنوع المحتوى. وتقول أم زينب (47 عاما) إنها أرملة وأم لخمسة أطفال، تتسوق بين فترة وأخرى من محال بيع هذه الملابس، وتكسو كل أطفالها سواء في فصل الشتاء أو الصيف بمبلغ لا يزيد على ألفي دينار عراقي بما يعادل (دولارا ونصف الدولار). وتقول إنها غير قادرة على شراء الملابس الحديثة كونها غالية الأثمان، مشيرة إلى أنها تقوم بتعقيم تلك الملابس بالماء الساخن قبل استخدامها خشية من الأمراض. فيما يرى جبار سوادي، عامل ميكانيك، أنه وكثير من عمال الورش والمطابع والبناء والضلاعة والحرفيين وعمال المطاعم كثيرا ما يترددون على تلك الأسواق لاقتناء ملابس للعمل رخيصة الأثمان، والتي سرعان ما تتعرض إلى التلف.

ويقول سمير عبد الله، صاحب محل، إن «أصحاب محال بيع الملابس المستعملة لا يعرضون بضاعتهم المستوردة بالبالات في محالهم مباشرة، بل يلجأون إلى فتحها في مخازنهم، ويجري فرزها بموجب النوعية والجودة كالقطنية والصوفية والجلدية والبياضات والملابس الداخلية، مع الحرص على عزل الملابس الفاخرة نسائية أو رجالية إلى زبائنهم الدائمين»، مشيرا إلى أنهم يلجأون إلى البحث داخل جيوب تلك الملابس التي قد يجدون فيها أشياء كقطع نقدية أو أختام أو ميداليات (حافظات مفاتيح)».

ويروي عبد الحسن ناصر (مدرس ثانوي) علاقته بالملابس المستعملة قائلا «عندما كنت طالبا في جامعة بغداد أواسط السبعينات، اكتسبت خبرة انتقاء الملابس الأنيقة من أسواق الملابس المستعملة من بعض طلبة المحافظات، حيث كنا نذهب إلى منطقة تسمى (تحت التكية) في سوق الشورجة المعروفة ببغداد، ونختار على مقاساتنا الستر والمعاطف الأنيقة التي كان أصحاب المحال يحرصون على عرضها بعد إدخالها محال الغسل والكي، وكانت هذه الملابس رغم تدني أسعارها مثار إعجاب الطلبة والطالبات لعدم توافر مثيلاتها في أسواق الملابس الجاهزة».

واستطرد قائلا «لقد رافقتني هذه الهواية منذ أكثر من ربع قرن، ولو أن النظام السابق منع استيرادها في حقبة الثمانينات بادعاء أن العراقيين لا يليق بهم لبس أسمال الشعوب، إلا أنه عاد وسمح باستيرادها في سنوات الحصار».