الدمشقيون ما زالوا حريصين على إحياء عادات وتقاليد العرس الشامي

رغم تمسكهم بمفردات العصر الحديث

مشاهد من حفلات زفاف دمشقية («الشرق الأوسط»)
TT

مع انتشار ظاهرة عودة الدمشقيين للتراث والعادات القديمة التي توارثوها عن الأجداد، وتعمق هذه الظاهرة في السنوات الخمس الأخيرة بسبب المسلسلات التلفزيونية التي تقدم مواضيع تراثية شامية كـ«باب الحارة» و«بيت جدي» و«أهل الراية» وغيرها، عادت تتصدر حفلات وتقاليد الأعراس الشامية التقليدية مناسبات الزفاف. ويصر الكثير من الدمشقيين على إحياء هذه التقاليد وبشكل خاص مفردات وتفاصيل يوم الزفاف والأهازيج التي يطلقها أهل العريس وأهل العروس والتي تسمى باللهجة الدارجة «الهناهين».

ومكان العرس غالبا ما يكون المطاعم الدمشقية التراثية وقاعات المناسبات في الفنادق وصالات الأفراح التي تنتشر في معظم حارات دمشق، حيث يحرص أصحابها على أن تكون بمختلف ديكوراتها وتصاميمها المعمارية منسجمة مع التقاليد الدمشقية. وتتحول هذه الأماكن في حفلات الزفاف التي تشهدها الصالات إلى ساحة منافسة في الهناهين بين أهالي الجانبين العريس والعروس، فالجانبان يعملان من خلال ابتكار عبارات حماسية تشبه العبارات التي يرددها أعضاء فرق العراضة الشامية والتي يصر معظم الدمشقيين على وجودها في بداية حفل الزفاف، حيث ترافق موكب العروسين والضيوف من منزل أهل العروس والعريس وحتى مكان حفل الزفاف بطريقتها المميزة من خلال الطبل والزمر وألعاب الترس والسيف. ويعمل الكثير من الباحثين في مجال التراث الدمشقي على جمع عبارات الهناهين وتوثيقها. وكما يقول محمود قضماني، وهو من المهتمين بالتراث الشامي التقليدي، فإن العبارات الحماسية الشعبية التي يرددها أهل العريس والعروس وأصحابهما المدعوون لحفل الزفاف هي عبارات متوارثة عن الأجداد والجدات. ولكن يمكن لبعض الهواة من المهتمين بالشعر الزجلي والشعبي أن يبتكروا عبارات جديدة خاصة بمناسبة الزفاف وتتحول عادة المناسبة إلى حفلة تنافس في ترديد الهناهين المبتكرة ولكن لفترة من الوقت، حيث يعودوا ليتفقوا. وتطلق الهناهين في بداية العرس وفي آخره عندما يقوم العريس بأخذ عروسه إلى عش الزوجية أو إلى المطار فورا لقضاء شهر العسل، فيما تتخلل حفل الزفاف رقصات حديثة وفلكلورية على موسيقى حديثة وأغان شبابية مع رقص من الحاضرين ودبكات، حيث يحرص الكثير من الدمشقيين على أن تكون فقرة اختتام حفل الزفاف بدبكة شعبية يشترك بها جميع الحاضرين من الجانبين.

وعن الهناهين التي يرددها الجانبان قالت لنا شهيرة قسوم (أم غالب)، وهي سيدة دمشقية تسكن حارة قديمة، إنها تحفظ الكثير من الهناهين التي رددتها كثيرا في حفلات زفاف أولادها الستة كما قالت لـ«الشرق الأوسط»، من الهناهين الشامية الخاصة بالعروسين والمعبرة بشكل جميل ولطيف عن المناسبة وحيوية الحاضرين وتفاعلهم مع مناسبة الزفاف السعيدة.

ومن عبارات مدح العروس «حصنتك بياسين، أوها، ويا زهر البساتين وأوها، ويا مصحف صغير أوها، بإيدين السلاطين، لي لي لي لي ليش». و«أهلا وسهلا فيكي أوها، والملائكة تجلّيكي أوها، لا يغرق مركبك أوها، ولا يشمت حدا فيكي، لي لي لي لي ليش» و«أم العريس قومي امشي ولالي، جيتك كنة يا بدر الهلالي، لي لي لي ليش». أما العبارات الخاصة بالعريس والتي يرددها أهله وأصدقاؤه فمنها «قبل السلام عليكم العريس جايي ليكم، مسا الخير مسا الخير والله يمسيكم بالخير» و«شنك ليلة، شنك ليلة، الله يعينه على ها الليلة، بها الليلة صار له عيلة، والله يعينه على ها الليلة» و«اسم الله على أولكم، واسم الله على تاليكم، واسم الله على العريس المزينكم، لي لي لي لي ليش»، «وياما قعدوا جانبي، وياما حرقوا قلبي، وياما قالوا ها العريس ما بيتجوز ها العروس، اتجوزوا وشفي قلبي لي لي لي لي ليش».

وعلى الرغم من تمسك الدمشقيين بعادات الزفاف التقليدية فإنهم يستفيدون من مفردات العصر الحديث أيضا في العرس ويحاولون مزاوجة التقاليد المتوارثة مع العصر. ففي حفل الزفاف لا بد من وجود السيارة الفارهة التي باتت تؤجرها شركات مختصة للعرسان في ليلة زفافهما، وهي غالبا من الطراز المكشوف حيث تجلس العروس والعريس في المقعد الخلفي مع تزيين السيارة بمختلف أنواع الورود الدمشقية والمستوردة، والبعض يطلب سيارة تجلس فيها العروس مرتفعة عن المقعد الأمامي، حيث تدور بها مع سيارات الموكب في شوارع دمشق قبل أن تصل لمكان حفل الزفاف.

ويؤكد الباحث محمود قضماني أن الكثير من عادات الزواج التقليدية ما زالت قائمة في دمشق، ومنها مثلا عدم عقد القران بين عيدي الفطر والأضحى، ولا يعرف سبب هذه العادة، وعادة أخرى وهي عدم إقامة حفلات الزفاف في يوم الاثنين فيما تقام في مختلف أيام الأسبوع باستثناء الاثنين. ولكن هذه العادات متوارثة عن الأجداد حيث يلاحظ ازدحام في حفلات الزفاف بعد عيد الأضحى وفي فصل الصيف وفي مناسبات معينة كأعياد رأس السنة وغيرها. كما يحرص الكثير من الدمشقيين على التمسك بعادة لصق العجينة على جدار منزل الزوجية، إذ عندما ينتهي حفل الزفاف وتأتي العروس إلى منزل عريسها مع أهل الجانبين فإن أول عمل تقوم به هو لصق «عجينة من دقيق القمح بها عرق نبات أخضر وبشكل خاص نبات الحبق»، تكون قد حضرتها حماتها (والدة العريس) من قبل، فتقوم العروس وبطقس احتفالي بلصق العجينة على باب غرفة نومها فإذا ما لصقت فمعنى ذلك أن العروسين سيوفقان في حياتهما الزوجية القادمة. لكن إذا لم تلصق فيكون ذلك نذير شؤم ويعني أن المستقبل غامض للعروسين. ولكن، يضحك قضماني وهو يشرح هذا التقليد «لا أحد يعرف المستقبل سوى الله عزّ وجل، وأؤكد لك وكما سمعت وشاهدت أن معظم العجائن تلصق على الجدران لأنها مادة لزجة والجدار عادة يستقبلها بسهولة».

وفي السنوات العشر الأخيرة انتشرت في دمشق ظاهرة حفلات الزفاف الجماعي التي تنظمها عادة الجمعيات الأهلية، وكانت قد بدأتها جمعية النادي الموسيقي الخيرية في حي القصاع الدمشقي. ويحرص منظمو هذه الحفلات، التي جاءت لتخفف الأعباء عن العرسان خاصة الفقراء منهم، على إحياء عادات الزفاف الدمشقية التقليدية بكل مفرداتها وتفاصيلها.