عربة السيدات بمترو أنفاق القاهرة.. للدردشة والبحث عن شريك العمر

تشعرهن بالخصوصية وتجعلهن يتصرفن بعفوية وتلقائية

مع تفاقم مشكلات المرور في شوارع وميادين القاهرة أصبح مترو الأنفاق وسيلة المواصلات الأرخص والأسرع والأكثر أمنا بين المواصلات التي يرتادها جميع طبقات الشعب («الشرق الأوسط»)
TT

«حواديت ستات»، ومشاهد كوميدية خاطفة، لا تخلو - أحيانا - من مفارقات توجع القلب.. مشهد يومي يتكرر ويتباين إيقاعه مع اختلاف الوجوه والملامح في «عربة النساء» المخصصة لهن في مترو أنفاق القاهرة.. نجوى محمد، مدرسة ثانوي، لا تحتاج إلى ركوب المترو كثيرا، لكنه الوسيلة الوحيدة التي تستخدمها عندما تقوم بزيارة منزل أسرتها بمنطقة حلوان (جنوبي القاهرة)، وهي من سكان منطقة «عين شمس» (شمالي القاهرة)، لهذا تفضل اختيار خط مترو «حلوان - المرج». ولأن المسافة طويلة، (26 محطة يقطعها المترو في نحو ساعة)، تحرص نجوى على ركوب عربة السيدات بصحبة ابنتيها، أما زوجها فيتوجه إلى عربة الرجال مع طفلهما الصغير، ويحرص الزوجان على الجلوس بالقرب من الفاصل الزجاجي بين العربتين، حتى تكون بينهما إشارة الاستعداد للنزول في المحطة المرادة، فقد تندمج نجوى في الحديث مع إحدى الراكبات، ولا تشعر بقرب محطتها، حيث تقول إن ركوبها عربة السيدات يشعرها بالراحة أكثر من العربات المشتركة، لأنها تستطيع فيها إطعام طفلتها الرضيع في أي وقت، من دون خجل، بالإضافة إلى أن تقسيم المهام بينها وبين زوجها يشعرها بالطمأنينة، ويجعل الأمور أكثر ترتيبا. وتتعجب نجوى من أنها تسمع أحيانا أن هناك من يطالب بإلغاء عربة السيدات حتى لا يصبن بالعزلة الاجتماعية، فهي ترى أن هذا كلام غير صحيح؛ فتجمع النساء في عربة واحدة، يخلق جوا من المودة والألفة. وتذكر أنها مرة شعرت بدوار، فاهتمت بها معظم الراكبات حتى استعادت وعيها، وعندما نزلت إلى المحطة، ولاقت زوجها، حكت له ما حدث، فحمد الله أنها كانت في عربة السيدات، وإلا كان الموقف في غاية الإحراج داخل العربة المشتركة.

ومع تفاقم مشكلات المرور في شوارع وميادين القاهرة، أصبح مترو الأنفاق وسيلة المواصلات الأرخص والأسرع والأكثر أمنا بين المواصلات التي يرتادها جميع طبقات الشعب. حتى من يمتلكن أفخم السيارات، أصبحن يلجأن إلى المترو هربا من الأزمات المرورية، خاصة في أوقات الذروة، وخوفا من التأخر أو التعطل. ويتكون قطار المترو من سبع عربات تتوسطها اثنتان: تحمل واحدة شارة حمراء، والأخرى خضراء، وهما مخصصتان للسيدات، يركبن العربة الأولى طوال اليوم، والثانية من التاسعة صباحا إلى التاسعة مساء، هذا بالإضافة إلى السماح لهن بركوب باقي عربات المترو. لذا تبدو عربة السيدات في المترو مثل مسرح مثير للأحداث؛ فشعور النساء بالخصوصية، في هذه الوسيلة الوحيدة من بين باقي وسائل المواصلات، يجعلهن يتصرفن طوال الوقت بعفوية وتلقائية. وهو ما تؤكد عليه هند فتحي، طالبة بجامعة القاهرة، حيث ارتدت كمامة طبية على وجهها، وجلست على أرض كابينة المترو، وركنت ظهرها إلى الباب الذي لا يفتح، وأمسكت بيدها مذكرة خاصة بالمادة التي ستؤدي فيها الاختبار، فهي تحاول الاستفادة من الوقت الذي تقضيه في المترو في مراجعة مادة الامتحان. تقول هند: «هذه الفرصة لا تتوافر في باقي المواصلات، إما بسبب الزحام والتشتت بما يحدث في الطريق، أو بسبب بعض المعاكسات من الشباب. أما في عربة النساء بالمترو، فلا أصادف مثل هذه الأشياء، والأهم وصولي في الموعد المناسب لأداء الامتحان». من أطرف المشاهد التي تصادفك في عربة النساء بالمترو مشهد ترديد دعاء «الركوب»، وراء سيدة أو فتاة محجبة أو منتقبة، فما إن تدخل هذه الأخيرة إلى العربة، ويغلق الباب، حتى يعلو صوتها بالدعاء، وتحرص على الصمت بين كل جملة وأخرى لعدة ثوان، حتى تستطيع الراكبات الترديد وراءها، ولكن الأمر غالبا لا يقتصر على تذكير الراكبات بدعاء «السفر»، بل يمتد إلى دروس دينية تتواصل حسب عدد المحطات التي ستركبها داعية المترو، التي ترى أن عربة «مترو السيدات» منبر يمكنها فيه إزالة بعض شوائب الفكر، خاصة لدى غير الملتزمات بالحجاب، اللاتي تمد أحيانا يدها إلى واحدة منهن تهديها كتيبا أو شريطا عن فوائد الحجاب.

أما رندا وعبير، فصديقتان تعملان في مجمع التحرير الإداري، وتؤثران الركوب في عربة السيدات بالمترو، خاصة في فترة الظهيرة التي يشتد فيها الزحام، لكنه أرحم كثيرا مما يمكن أن تتعرضا له في العربات المشتركة، من مضايقات بقصد أو من دون قصد من قبل الرجال. وما إن ينطلق المترو بهما حتى تبدأ كل واحدة منهما في الشكوى للأخرى من صعوبة المناهج الدراسية على أولادها، وعدم قدرتها على المراجعة معهم، فما كان من راكبة ثالثة إلا أن تدخلت في الحوار، وبدأت تقص تجربتها مع أولادها، وتلقي النصائح بكل ثقة. وفي نهاية الحوار، تبادل الثلاثة أرقام الهواتف الجوالة، وامتدت بينهن جسور الصداقة، وبالتأكيد هذا لا يحدث كثيرا في عربة الرجال.

في محطة «مبارك»، وهي أكثر المحطات ازدحاما، نظرا لأنها نقطة هامة على خط المترو، صعدت سيدة في العقد الثالث من عمرها تضع كمامة على وجهها، وتحمل علبة من الكروت الشخصية قامت بتوزيعها على الراكبات مع ابتسامة رقيقة، وأمنيات الاتصال بها عند الحاجة، فهي صممت «كارت» يحمل رقم جوال واحدا وعدة خدمات: تجميل، قصات شعر، تصميم، كوش أفراح، إعداد حفلات. وقد استرعى المنظر انتباه سيدة من الركاب، فهمست لجارتها: «والله فكرة جميلة، والأسعار مغرية. الناس محتاجة لهذه الخدمات». وتنتشر هذه النوعية من الدعاية، خاصة في أوقات الامتحانات والدروس الخصوصية، وكذلك عند ظهور نتيجة الثانوية العامة، حيث تصادف من يوزعن كروتا للتدريب على اجتياز امتحانات القدرات في الرسم والموسيقى. ومن أطرف الكروت كروت «خاطبة المترو» التي تصعد من وقت لآخر، رافعة شعار «بإذن الله عريسك عندنا»، والكارت يحمل وعدا لكل فتاة أن تجد شريك العمر، بشرط أن تكون برفقة ولي أمرها وقت الزيارة، ولا مانع من أن تطلب الخاطبة من الراكبات ممن يردن الزواج أن يرسلن لها صورة شخصية عبر الإنترنت.

ولا تتعجب إذا اقتربت المحطة، وأسرعت إحدى الفتيات بالوقوف أمام الباب متصدرة الجميع، وكأنها تريد أن تفوز بلقب الهابطة الأولى من المترو، لكنها لا تفعل، بل تكون في استقبال إحدى صديقاتها، حيث اتفقت الاثنتان على أن يكون مكان المقابلة المترو، عند عربة السيدات التي تعد أكثر نقطة للالتقاء شهرة، كونها محددة، ولعلها كانت أكثر شهرة حتى لدى الرجال منذ أكثر من سنة، عندما كانت تتصدر مقدمة القطار. لكن بعد عدة حوادث، قررت إدارة المترو نقل العربة إلى منتصف القطار، حفاظا على سلامة النساء. ولكن محمد فوزي، أحد المسؤولين عن ماكينة المترو، علق على هذا قائلا: «لقد تم نقل عربة السيدات إلى منتصف القطار بعد حادثة حلوان الشهيرة التي كان سببها صوت النساء العالي، وكثرة كلامهن وشجارهن»، وأضاف أنه مع حلول العام الجديد، سوف تعين إدارة المترو مفتشات، خاصة أن المفتشين من الرجال لا يستطيعون أداء عملهم في عربة السيدات مثل عربة الرجال، كما أنهم في حالة المشاجرات، أو اتهام راكبة للأخرى بالسرقة، تقوم شرطة المترو أحيانا بالاستعانة بسيدة من الراكبات للتفتيش.