المغاربة يشاهدون «الأرض من السماء» في مراكش

معرض للصور شاهده 130 مليون شخص في 130 مدينة عبر العالم

جانب من المعرض المقام في حديقة «مولاي عبد السلام» بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

وصلت أخيرا صور الفنان الفرنسي يان أرتوس برتران، إلى مدينة مراكش، عروس الجنوب المغربي، وسط انشغال العالم بأزمة الاحتباس الحراري، وما رافق قمة كوبنهاغن المناخية، من اقتراحات وتوصيات.

المنظمون اختاروا حديقة «مولاي عبد السلام» في مراكش لاحتضان المعرض، الذي ضم أربعين صورة من الحجم الكبير، تمثل مختلف القارات، وهي صور تدعونا إلى الاقتراب أكثر من حقائق العالم، وتتميز بأنها أخذت من الجو، من ارتفاع يتراوح بين 300 و3000 متر، عاكسة تنوع المجالات الطبيعية وتعبيرات الحياة، والضرر الذي يلحقه الإنسان بالبيئة.

يعد معرض «الأرض من السماء»، الذي نظم بالتعاون مع مؤسسة «محمد السادس لحماية البيئة» شهادة موثقة عن حالة الأرض، من عدة زوايا، يمكن أن تستخدم كواسطة تثقيفية تساعد الناس على الوصول إلى فهم أفضل للعالم والحفاظ عليه.

المعرض ليس مجرد أعمال فوتوغرافية، بل هو جزء من رسالة بيئية للدفاع عن الأرض والطبيعة، وفيه تقترن الصور بنصوص تشرح وتعرف بواقع الصورة وحال «أبطالها»، كما تدعونا إلى التفكير في تطور كوكبنا وفي مستقبل سكانه، وكلها صور تحمل بصمات فنية عالية الجودة، تمثل عالما يموج بالألوان وبالحيوية وبالمعاني، وأولا، وقبل كل شيء، بالإبداع الإنساني، الذي يشكل عطاء غير محدود، وفضلا عن كل ذلك، فهي تترجم عظمة الخالق.

ومن صور المعرض هناك صورة لسفينة جانحة في كازاخستان، وصور للزربية (السجادة) المراكشية بالمغرب، وتجفيف الأسماك في ريف تايلاند إلى الشمال من العاصمة بانكوك، والحي الشمالي الغربي من مدينة نيو أورليانز الأميركية بعد مرور إعصار «كاترينا» المدمر على المدينة وولايتها لويزيانا، وكذلك ورش وأحواض الدباغة في مدينة فاس بشمال المغرب، ومركز لتوليد الطاقة عن طريق الرياح في الدنمارك، ومظاهر التعرية بجنبات بركان قرب أنكيسابي في مدغشقر، والفيلة في دلتا الأوكافانغو ببتسوانا، وما تلفظه مناجم الذهب وينتهي إلى سواحل جزيرة مينداناو بالفلبين، ومناظر من بلاد شعب الدوغون قرب باندياغارا في مالي، وقرية كوه بانيي في خليج فانغ نغا بتايلاند.

تبقى الصور ثمار عمل دؤوب بدأ عام 1990، بنحو 4000 ساعة طيران على متن طائرة مروحية، وكذا المئات من الزيارات التي شملت الكثير من البلدان، وتؤكد مضامين الصور أن المعرض ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو مرحلة مهمة في مشروع متواصل.

وكما أن الصور غير عادية، فكذلك الشأن مع مصورها، فهو عالم آثار وناشط بيئي وشاهد يقظ على ما يجري، على مستوى البيئة، وما يلحقها من أضرار على يد الإنسان.

وصور المعرض تحرّض المشاهد على التفكير في القضايا البشرية المهمة لضمان استمرار الحياة الإنسانية، كالإحساس بأهمية الحفاظ على بيئة هذه الأرض من عبث الإنسان، والشعور بالمجتمعات التي تهددها الأوبئة والكوارث الصحية، ورصد قضايا انبعاث الغازات المهددة لطبقة الأوزون، ومتابعة قضايا شح مياه الشرب وازدياد حوادث تسرب النفط والنفايات السامة، والاقتراب من المجتمعات التي تعاني نقصا كبيرا في التغذية.

ويلخص أرتوس برتران مشروعه، بقوله: «إن كوكبنا جميل جدا، ولجماله رقة وردة تحتاج إلى العناية لكي تبقى نضرة، بينما يفسدها الإهمال، ولذا ينبغي أن نحافظ على هذا الجمال بكل إمكاناتنا»، وشدد على أنه يحاول تقديم صوره «بحيث تليق بإثارة العين والعقل معا، ليفكرا ويشهدا ويصلا إلى النتائج التي تقولها الصور، وأن هذا موجود ببساطة في متحف هو الأرض، وأقوم بتصوير أجمل لوحاته».

ويرى أرتوس برتران أن «من واجبنا، جميعا اليوم أن نصون كوكب الأرض، خصوصا أن أعداد البشر في ازدياد، بينما التنوع البيولوجي، حول العالم، في تناقص مستمر، إننا بصدد كسر التوازن القائم على وجه الأرض، فلقد استأنسنا الأرض والحيوان فأصبحت الأرض في خدمتنا، وأصبحت الحيوانات في خدمتنا، وكأننا لم ندرك أننا في حاجة إلى الحيوانات كي نعيش، وأن الحيوانات جزء من حياتنا، وأنهم أقاربنا وأن علينا أن نحترمهم».

وهنا يبرز سؤال: هل يمكن للصورة أن تكون فعلا سياسيا؟ سؤال يواجهه أرتوس برتران بسؤال آخر أكثر تعقيدا هو: هل يمكن أن يغير الفن طبيعة الأمور؟ فيرد بالإيجاب، مشددا على أنه يحكي عن طريق الصورة، ما يقوله أهل العلم، وأنه لم يصبح إيكولوجيا (بيئيا) بالمصادفة، بل حدث التحول بالتدريج، مع مرور الزمن من خلال عمله، حتى أصبح اليوم ناشطا يسعى، قدر الإمكان، إلى إقناع الناس برسالته.

هذا، وكانت منظمة «اليونسكو» قد رعت في عام 2000 مشروع يان أرتوس برتران، المسمى «رؤية الأرض من السماء»، الذي يعرض أجمل المناظر الطبيعية في العالم، وحقق المشروع نجاحا باهرا، إذ شاهد المعرض المتنقل الذي ينظم في الهواء الطلق ويكون الدخول إليه بالمجان، نحو 130 مليون شخص في 130 مدينة عبر العالم، كما بيع من كتاب «الأرض من السماء» أكثر من ثلاثة ملايين نسخة بـ24 لغة.